المنطقة كلها، وربما العالَم، على حافة هاوية، أو قل إنه يقف في حقل ألغام..
سوريا على موعد مع تجدد الصراع بين الجيش العربي السوري والجماعات الإرهابية، والهدنة في لبنان وغزة ليست إلا استعادة للأنفاس التي أنهكتها حرب طويلة لم تعتد إسرائيل على مثلها من قبل، وأوكرانيا تنتظر رصاصة الرحمة من بوتين أو من ترامب.
حتى الولايات المتحدة الأمريكية تنتظرها تغييرات داخلية وسياسية عميقة مع مطلع العام القادم.
عجلة الصراع العالمي تسير بسرعة نحو هاوية سحيقة لا يمكن التكهن بمدى عمقها، ولا يكاد أحد يشك أن العام الجديد القادم، عام 2025، سيكون عامًا ملتهبًا مليئًا بالتطورات الحادة على الصعيدين السياسي والعسكري.. وعلينا أن ننتبه.
في انتظار ترامب
تلك هي الحالة باختصار؛ الجميع في توجس أو انتظار قدوم ترامب: بوتين وأوروبا، نتنياهو وغزة، بايدن والحزب الديمقراطي، الصين وكوريا الشمالية..
لاسيما أن اختياراته لطاقم وزرائه وحاشيته ينبئ بما ينتويه من تغييرات ورؤي تربك كل التوقعات، وترامب لا يحاول إخفاء توجهاته، بل على العكس؛ فقد بدأ بالفعل يتواصل مع جميع الأطراف الفاعلة خارجيًا وداخليًا من أجل ضبط إيقاع العمل في البيت الأبيض قبل دخوله.
وهناك اجتماعات تجري على قدم وساق بين إدارته وأطراف عديدة في الخارج والداخل، بحيث يتم ترتيب دولاب العمل قبيل تنصيبه رئيسًا رسميًا لأمريكا في يناير المقبل.
وعلى الناحية الأخرى، تحاول إدارة بايدن الديمقراطية تقويض مساعي ترامب، وظهر ذلك فيما فعله بايدن من تزويد قوات أوكرانيا بالإمدادات، والسماح لها باستخدام الصواريخ بعيدة المدى ضد روسيا، إنها محاولات استباقية ضد مساعي ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا على حساب الناتو.
معنى هذا أن الإدارة الأمريكية على مدى أقل من شهرين ستصبح منقسمة على ذاتها، بين إدارة ديمقراطية تجابه إدارة ترامب بسلسلة من الإجراءات المكبِّلة المعوِّقة لما ينتوي فعله من خطط معلَنة، فأي من الإدارتين ستنجح في فرض منهجها وخطتها على الأرض؟ سؤال سيجيب عنه قادم الأيام.
اللغز السوري
لعل أهم وأخطر المستجدات على الساحة الإقليمية، ما حدث من التوغل السريع والصادم للميليشيات الإرهابية داخل العمق السوري، حتى استولت على حلب، ودمشق! ومن المعلوم أن مَن يمتلك حلب ودمشق فقد امتلك سوريا!
فكيف حدث هذا التطور السريع العجيب في غفلة من الجميع؟ أو ربما بإيعاز من قوى خارجية، وبمساعدة أطراف أخرى..
في سوريا أطراف كثيرة فاعلة وأيادٍ عابثة؛ ربما كان لها دور في إعادة تأجيج الأوضاع في سوريا؛ أولها الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها إسرائيل، كلتاهما تريدان قطع طريق الإمدادات على حزب الله اللبناني، القادمة من إيران عن طريق سوريا، ثم إنهما يريدان شغل الحرس الثوري الإيراني بصراع جانبي يصرفه عن التركيز في محور غزة.
الولايات المتحدة الأمريكية ليست الوحيدة التي لها قوات ومواقع في سوريا، هناك عدة دول أخرى محيطة لها تأثير ويد طولَى؛ منها تركيا وإيران على سبيل المثال لا الحصر، وأكثر من هذا أن الميليشيات في سوريا متعددة، وبينهم خلافات منهجية عديدة، وفروق عميقة في الأهداف والمنطلقات، وهذا التعدد في أطراف النزاع جعل الموقف كله ملتبسًا على جميع المراقبين، فلا أحد يعلم كيف سينتهي هذا الصراع ولصالح مَن؟
ولعل أكثر ما يثير التعجب والاندهاش من السيطرة السريعة للميليشيات على مدن عديدة خلال أيام قليلة، ما ظهر في حوزتهم من معدات وأسلحة متطورة؛ استطاعوا بها تحقيق انتصارات متتالية في زمن قليل! فمن أين لهم بهذا التسليح؟! ومتى تمكنوا من التخطيط لهذا العمل؟!
فهل يستمر تقدم الميليشيات المسلحة بنفس الوتيرة؟ وهل ستتدخل إيران أو روسيا لنجدة الجيش السوري كما حدث سابقًا لإيقاف المعارضة؟ دعونا نتابع، وإن كان المشهد يشي بتغيرات هائلة تتجاوز مجرد إسقاط نظام بشار إلى ما هو أفدح وأشد!!
ألاعيب نتنياهو
هو سياسي محنك، وشخصية ماكرة لأقصى حدود؛ إذ كيف استطاع المراوغة والالتفاف على المحاكمات القضائية والمظاهرات الداخلية والضغوط الأمريكية ضده؟! أكثر من عام منذ بدء الحرب على غزة وهو يراوغ ويناور، بالحرب مرة وبالهدنة مرة وبإزاحة وزراء من حكومته مرة، وفى النهاية ظل ينفذ ما يراه من سياسات مهما أضرت بقومه وشعبه ومصير دولته المؤقتة!!
حكومته ليست حكومة سلام، فلماذا اختار اللجوء لهدنة في لبنان الآن؟! البعض يقول: إن جيشه منهك، ويحتاج لفترة لالتقاط الأنفاس، وإن كان ثمة شكوك حول إمكانية إعادة تجنيد الضباط والجنود بعد كل ما مروا به من قتال مضنٍ، غير أن الاحتمال الأكبر أنه أراد تأجيل المعركة لحين تسلم ترامب الحكم رسميًا؛ إذ ستصبح إمكانية التفاهم مع البيت الأبيض أكثر مواءمة، وهذا معناه ببساطة أن اتفاق الهدنة بين إسرائيل ولبنان لم يكن إلا اتفاقًا مؤقتًا لن يلبث أن يذوب بعد قدوم ترامب، مجرد ألعوبة من ألاعيب نتنياهو يكسب بها وقتًا على رقعة شطرنج دموية يخطط تحركاتها بمكر ودهاء!!
وسوف يظل الخصم المراوغ مسيطرًا على الحراك داخل الرقعة، ما لم يجد لاعبين ماكرين مثله يُفشلون مخططاته الخبيثة، وها قد دخل لاعبون آخرون مجال الرقعة بعدما حدث في سوريا، ولسوف تتغير قواعد اللعبة سريعًا، ولعل ترامب حينما يأتي لن يجد الطريق أمامه ممهدًا سهلًا لتنفيذ مخططاته التي يسعى بايدن لإفشالها، وربما نكتشف لاحقًا أن البيت الأبيض ليس بعيدًا عما حدث في سوريا، وأن الأسلحة التي دخلت في غفلة من الجميع وفَّرتها أمريكا بطريقة ما للمعارضة السورية!!
الاستعداد للقادم
الجميع الآن في حالة تحفز: عدد من الدول الأوروبية بدأ في التحذير من حرب قادمة بين الناتو وروسيا، وأن على الشعوب الأوروبية تخزين الطعام وتوفير وسائل طاقة بديلة استعدادًا لتلك الحرب، وهناك دول بدأت توفر ملاجئ تحت الأرض، أو تجهز ملاجئ قديمة استخدمتها في حروب سابقة؛ الصين حذرت رعاياها منذ سنوات وحثتهم على تخزين الطعام، وقد اتخذت بالفعل إجراءات حكومية مكثفة استعدادًا لأي توتر مع الولايات المتحدة الأمريكية في ظل رئاسة ترامب، وهكذا فعلت كوريا الشمالية، التي شاركت ببعض قواتها في حرب أوكرانيا، وصارت متورطة بالفعل في الحرب.
ولعل الهجوم السيبراني الصيني والاختراق الذي أصاب شركات الاتصالات الكبرى في أمريكا، فتمت على إثره سرقة ملايين البيانات الأمنية المهمة من مواقع متعددة، سيكون مقدمة لتصاعد التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين في قادم الأيام.
السودان أيضًا تشهد تغيرًا في مسار المعارك، ولن تكون بمنأى عن نتائج الصراع في غزة وما حولها؛ معنى هذا أن منطقتنا العربية تقف بأقدام عارية على صفيح ملتهب، ولا يمكنها أن تظل في خانة رد الفعل أو اللافعل طويلًا، فاللاعبون القادمون على رقعة الشطرنج الدامية خطرون؛ لديهم مخططات وأسلحة وأموال وفي نيتهم ألا تتوقف اللعبة إلا وقد أجهزوا على خصومهم، حتى ولو اضطروا في سبيل هذا لتدمير نصف الكرة الأرضية من أجل الفوز بنصفها الباقي!!
[email protected]