قد تجد المصري يضحك أمامك على نكتة أطلقها بنفسه على نفسه، على كلمات يسخر فيها من أوضاع تزعجه أو تؤرقه، قد يجاملك بابتسامة باهتة حينما يتعرض لموقف صعب يواجهه فيضطر لمعايشته والتأقلم معه، ستراه يقبل به راضيًا أو متحملًا له على مضد، وعلى الرغم من سخريته من ضيق حال يمر به، إلا أنه سيصعقك برد قاس لم تكن تتوقعه في أولى لحظات إقدامك على حديث يخص بلده أو هويته، فمصر هى مملكته، قدس أقداسه الذي حرم فيه كل حديث لا يليق بمكانتها ومكانته.
من الجائز أن يتبنى وجهة نظر لم يقتنع بها في ظل لحظة سيطر فيها بعض من الشعور باليأس على تفكيره، إلا أنه سيعود حتمًا وسريعًا لرشده؛ ينفض عن نفسه غبار صمته، ويخلع رداء ضعفه، تخاذله وقلة حيلته، فتجد عملاقًا تنشق عنه الأرض، يخرج من حالة جموده وتجمده ليتحول إلى كتلة من نار خمدت تحت رماد مكون من صلابته ورحابة صدره.
احذروا غضبة المصري، إياكم أن تستفزوه بهدف إنقاص شعوره بهويته أو أن تسعوا لتشويش صورة وطنه، فالمصري -فطن- يعلم متى يتكلم ومتى يصمت.
المصريون يمررون ما يمكنهم قبوله بإرادتهم، يتابعون عن كثب ما يضمره الآخرون لهم، يتربصون لمن يسعى لإحداث فرقة يتم زرعها بغرض تشتيتهم وبقصد تفريق شملهم، يوقنون بهلاكه إن اقترب منهم محاولًا هدمهم، فهم ليسوا أغبياء لينفذوا خطة تمت حياكتها لاستغلالهم في إسقاط وطنهم، وعيهم دومًا بحقيقة المشهد يحركهم في الاتجاه الصحيح الذي قد لا يراه غيرهم، فهم المخلصون لمصرهم، المرتبطون بها بنفس درجة ارتباطهم بدينهم وعقائدهم، يجلونها ويرفعونها فوق رءوسهم تيجانًا وأكاليل زهر له عبق آت من حضارة ما زالت تنبئ عنهم، يمدون أيديهم ليبسطوا لها أرواحهم كي تمر من فوقها عابرة سائرة نحو أمنها وأمانها الأبدي.
كثيرًا ما يتعجب بعضنا من حال شعوب أخرى هجرت أوطانها، حين غشاهم خلاف وانقسام أقام جدارًا بين الارتباط بها أو التخلي عنها وهى تعاني الشدائد والمحن، فالتاريخ لم يذكر يومًا أن المصريين تركوا أرضهم لغاصب أو معتد مستعمر.
حفظ الله مصر أرض الكنانة، حفظ الله جيشها الأبي الوطني الذي ضحى من أجل الحفاظ على وحدة أرضه ولم يفرط؛ جيشًا وصفه النبي الخاتم "محمد صلى الله عليه وسلم" بأن جنده هم -خير- أجناد الأرض.
نحن في حاجة ماسة إلى نشر الوعي بين أغلب الفئات، نتعاون معًا لإيقاظ من سقطوا سهوًا في آبار غفلتهم، فالأحداث المتلاحقة تحذر من التأني وترشد إلى عدم تسويف الأمر أو تأجيله؛ دورنا الآن هو توجيه هؤلاء ومساعدتهم على الإلمام بكل أمور أو مؤامرة تعد لهم، نذكرهم بضرورة الوعي بحجم خطر محدق ينتظرهم إن ظلوا هكذا مغيبين غير مدركين للأمر، فالخصوم يجتمعون في كل يوم يعدون عدتهم لانتزاع حقهم وحرمانهم من حقوقهم.
علينا أن نعمل جميعًا من أجل هؤلاء؛ فالقضية لم تعد قضيتهم وحدهم؛ على كل مثقف مدرك لخطر المرحلة ولضرورة خدمة مجتمعه أن يقوم بواجبه وتوجيه رسائله إليهم، يبحث عما يملكه من موارد تساعده في التواصل معهم حتى يبلغوا هدفهم، يساهم بدوره الفعال في توعية أفراد مجتمعه وتبصيرهم، يحذرهم من مخاطر قد تحدد مصائرهم.