Close ad

زلزال كوريا السياسي

5-12-2024 | 13:18

عاش الشعب الكوري الجنوبي خلال الأيام القليلة الماضية لحظات تاريخية فارقة في مسيرته السياسية؛ فعلى الرغم من السمعة المتميزة التي حظيت بها كوريا خلال السنوات الأخيرة، وبالتحديد منذ عام ١٩٨٧؛ وهو عام إقرار الديمقراطية بها كدولة ديمقراطية متطورة، إلا أن ما قام به الرئيس الكوري يون سوك يول يوم الثلاثاء الماضي من إصداره قرارًا صادمًا ومثيرًا بفرض الأحكام العرفية في البلاد بدعوى حماية النظام، ومواجهة القوى الداعمة لكوريا الشمالية، أثار موجة عارمة من السخط والغضب في كافة الأوساط السياسية، سواء الحزب الديمقراطي المعارض والذي يسيطر على الأغلبية في الجمعية الوطنية -البرلمان- أو حزب سلطة الشعب الحاكم؛ حيث أعلن رئيسه أن قرار الرئيس خاطئ، وانه سوف يتحرك لوقفه، وبالتالي خسر الرئيس دعم حزبه في الشارع الذي تحرك بقوة ضد القرار.

ولم يمض على القرار سوى ٦ ساعات، فقط كانت كفيلة بإحداث زلزال في الشارع الكوري على كافة مستوياته، واجتمع خلالها البرلمان ورفض فرض الأحكام العرفية، وبالتالي أجبر الرئيس علي إلغاء القرار؛ بل ووضع الرئيس في مأزق سياسي كبير؛ حيث بات مطالبًا بالبحث عن مخرج للأزمة الطاحنة التي عصفت بشعبيته وسط الجماهير، بل إن حزب المعارضة طالب الرئيس بالتنحي طواعية، أو التحرك داخل البرلمان لإقالته ومحاكمته، وهو إجراء وفقًا للدستور الكوري يتطلب موافقة أكثر من ثلثي أعضاء البرلمان وصدور قرار من المحكمة الدستورية بالموافقة على القرار بموافقة ٦ أعضاء من مجموع أعضائها التسعة، وفي تلك الحالة يتولى رئيس الوزراء مقاليد السلطة لحين إجراء انتخابات رئاسية جديدة ٦٠ يومًا، وإن كانت تلك الخطوة تتطلب من المعارضة استقطاب عددٍ من أعضاء البرلمان من الحزب الحاكم؛ حيث يسيطر على ١٠٦ عضو فقط من أعضاء الجمعية الوطنية البالغ عددهم ٣٠٠ عضو، بعد أن فقد الأغلبية بخسارته الانتخابات التي جرت في أبريل الماضي.

والمؤكد أن الخلاف بين الرئيس والمعارضة ليس وليد الساعة؛ بل يعود إلى عام ٢٠٢٢ عقب فوز الرئيس يون سوك يول بالانتخابات الرئاسية بفارق ضئيل للغاية على منافسه لي جاي ميونغ، ووفقًا للدستور الكوري، فإن مدة الرئيس خمس سنوات لفترة رئاسية واحدة فقط، ومنذ ذلك التاريخ والمعارضة تسعى بكل قوة لإسقاط الرئيس وعرقلة عمله، وإظهار ضعفه في إدارة شئون البلاد؛ حيث بات الرئيس في موقف سياسي لا يحسد عليه بعد خسارة حزبه الانتخابات البرلمانية في أبريل الماضي، وبالتالي فقد القدرة على تمرير القوانين داخل المجلس، وحدث صدام عنيف عندما رفض المجلس الموافقة على ميزانية العام المالي الجديد التي قدمها الرئيس للبرلمان؛ بل إن البرلمان طالب بعزل عدد من كبار المسئولين في الحكومة ومحاكمتهم بتهم فساد سياسي ومالي.

وأصبح الرئيس يون محاصرًا بين مطرقة حزب المعارضة الرئيسي الذي يسيطر على الأغلبية في البرلمان وسندان غضب شعبي صارخ في الشارع الكوري، يقوده اتحاد النقابات العمالية، الذي يضم أكثر من مليون عضو، بالإضافة إلي الفضائح التي تلاحق زوجته، التي تقول المعارضة إنها فضائح تتعلق بفساد مالي وسياسي، وتطالب بمحاكمتها، وتحول رئيس واحدة من أفضل الديمقراطيات على مستوى العالم وأكثرها حيوية إلى "بطة عرجاء" لا يستطيع أن يدير أمور دولته، أو يتعامل مع البرلمان؛ بل أصبح الآن يبحث بالتعاون والتشاور مع عدد من الحلفاء الإستراتيجيين لكوريا، وفي مقدمتهم واشنطن وطوكيو، عن مخرج لتلك الأزمة التي عصفت بشعبيته تمامًا، وقبل أن تعصف بواحد من أكبر اقتصاديات العالم؛ حيث يمثل رابع اقتصاد في آسيا، ورقمًا مهمًا في معادلة الاقتصاد الدولي.

ويقينًا فإن الأيام القليلة المقبلة سوف تحمل انفراجة للأزمة الكورية، خاصة أن الخيارات المطروحة أمام الرئيس يون سوك يول أصبحت محدودة للغاية، وبات من الضروري اتخاذ قرار مصيري في مسيرته السياسية أمام إصرار المعارضة على الإطاحة به واستمرار المظاهرات في الشارع الكوري المطالبة بإقالته ومحاكمة المتورطين في إصدار قرار الأحكام العرفية، والحفاظ على الديمقراطية، التي لن يقبل المواطن الكوري المساس بها؛ بعد أن خرج من بوتقة ديكتاتورية وعنف وصدامات مسلحة عاشها لسنوات بعد الحرب الكورية (١٩٥٠ – ١٩٥٣)، وانتزاعه صك الديمقراطية عام ١٩٨٧. 

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة