ذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، في عددها الصادر اليوم الخميس، أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يواجه خيارات صعبة بعد سقوط الحكومة الفرنسية، والتي تولت السلطة بعدما دعا في يوليو الماضي لإجراء انتخابات مبكرة والحصول على ما قال إنه سيكون "توضيحًا" من الناخبين بشأن القيادة والاتجاه الذيين يريدانه للبلاد.
موضوعات مقترحة
لكن الناخبين (حسبما قالت الصحيفة في سياق مقال تحليلي) أوضحوا موقفهم بخسارة قاسية لحزبه وبرلمان معلق، لم يستغرق سوى ثلاثة أشهر قبل أن يتمرد ويطيح برئيس الوزراء الذي اختاره ماكرون، ميشيل بارنييه، بسبب ميزانية تقشفية .
ولا يوجد الآن سوى عدد قليل من الحلول السهلة لماكرون على رأسها أن يسعى إلى إيجاد مخرج من الفوضى التي يقول منافسوه وحتى بعض حلفائه إنها من صنعه. فقد اعترف فرانسوا باتريا، عضو مجلس الشيوخ الذي دعم ماكرون منذ فترة طويلة، قائلًا "من الصعب إيجاد طريق للاستقرار".
وتعيش فرنسا هذه الأيام فوضى سياسية منذ إعلان حزب لوبان وجبهة اليسار الجديدة التصويت بحجب الثقة عن الحكومة بزعامة ميشيل بارنييه على خلفية قانون ميزانية عام 2025 الذي قدمه بارنييه ووصفته المعارضة بالمتقشف، وذلك بعدما مرر رئيس الوزراء مشروع قانون تمويل الضمان الاجتماعي من خلال المادتين 3 و 49 من الدستور والتي تسمح بتبني النص دون تصويت برلماني.
وأضافت الصحيفة أن ماكرون عانى بالفعل من تهميش كبير، مع حرمان حزبه من أغلبيته البرلمانية، خاصةً في الشئون الداخلية خلال فترة بارنييه القصيرة، لكن سقوط رئيس الوزراء أعاد الرئيس إلى مقعد السائق مؤقتًا.
وتابعت:" يتعين على ماكرون الآن اختيار رئيس وزراء جديد، يأمل أن يستمر لفترة أطول من بارنييه، على الرغم من مواجهة نفس المعادلة البرلمانية الصعبة، حيث تتنافس ثلاث كتل، لا يتمتع أي منها بالأغلبية، على السيطرة. كما أن الموعد النهائي في نهاية العام لإقرار ميزانية العام المقبل يقترب، مما يفرض ضغوطًا على ماكرون للتحرك بسرعة، على الرغم من إمكانية سن تدابير مؤقتة لتجنب الإغلاق على غرار الولايات المتحدة".
وأوضحت "فاينانشيال تايمز" في مقالها أنه في حين استغرق الأمر شهرين لترشيح بارنييه من قبل الرئيس، سيتعين على ماكرون إيجاد بديل بشكل أسرع هذه المرة، نظرًا لأن أي تأخير يخاطر بجعله يبدو ضعيفًا بينما يزيد من توتر الأسواق المالية حيث ارتفعت تكاليف الاقتراض الفرنسية الأسبوع الماضي بسبب المخاوف من فشل مناورة بارنييه بشأن الميزانية.
ورأت أن أي جمود أطول قد يؤدي أيضًا إلى زيادة قرع الطبول للمطالبة باستقالة ماكرون والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة قبل نهاية ولايته في عام 2027.
ومن المقرر أن يلقي الرئيس خطابًا للأمة مساء اليوم الخميس لشرح خارطة الطريق حيث أنه بدأ بالفعل في البحث عن مرشحين محتملين لمنصب رئيس الوزراء، ويقال إنه يريد ترشيح شخص ما في الأيام المقبلة. وتشمل الأسماء المتداولة في وسائل الإعلام الفرنسية الموالي سيباستيان ليكورنو ووزير الدفاع فرانسوا بايرو، وهو حليف آخر ووسطي مخضرم؛ وبرنارد كازنوف، رئيس وزراء اشتراكي سابق. كما أن حكومة تكنوقراطية يديرها موظف مدني أو شخصية غير سياسية هي احتمال آخر مطروح على الطاولة.
وأكدت الصحيفة البريطانية أن ماكرون يسعى جاهدًا لمحاولة إنقاذ ما تبقى من ولايته الثانية، الأمر الذي أصبح على حد السكين، مع حماية ما تبقى من إرثه، خاصة في مجال الاقتصاد، حيث سن إصلاحات صديقة للأعمال وخفض الضرائب. لكن قدرة الرئيس على فرض الإصلاح تقوضت بسبب انكماش حزبه الوسطي النهضة في أعقاب الانتخابات المبكرة التي أجريت في يوليو الماضي حيث لم يعد نوابه المتبقين قادرين على إملاء الشروط على الشركاء المحتملين.
وفي ظل تقليد ضئيل لبناء الائتلافات في فرنسا، انحصر دور ماكرون في حث الأحزاب السياسية المتنافسة على العمل معًا لتحقيق الاستقرار وتمرير الميزانية على الأقل، غير أن مهمته أصبحت - حسبما أبرزت الصحيفة- أكثر صعوبة لأن زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان وحزبها التجمع الوطني، وحزب فرنسا المتمردة اليساري المتطرف، قد تشجعوا بنجاحهم المشترك في الإطاحة ببارنييه.
من جانبه، قال فرانك أليسيو، وهو عضو بارز في البرلمان عن حزب التجمع الوطني - في تصريح خاص للصحيفة: إن الحزب سيواصل دفع أولوياته مثل تحسين القدرة الشرائية للشعب الفرنسي وخفض الهجرة. وأضاف أليسيو، الذي لم يستبعد إمكانية أن يتمكن الحزب من إسقاط الحكومة مرة أخرى:" بحكم التعريف، تظل مطالبنا قائمة، أياً كان رئيس الوزراء، لأن توقعات ناخبينا لم تتغير".
وتابع جان جاريجيس، المؤرخ المتخصص في البرلمان الفرنسي والدستور:" أنهم جميعًا مهووسون بانتخابات عام 2027، التي تشكل سلوك رؤساء الأحزاب مثل لوبان وزعيم اليسار المتطرف جان لوك ميلينشون. وهذا ما يجعل من الصعب جدًا التوصل إلى تسوية في البرلمان".
وحث بعض اللاعبين البارزين على اتباع نهج مختلف لاختيار رئيس الوزراء القادم، واقترحوا أن يتفاوض النواب بدلاً من ذلك على شكل من أشكال ميثاق عدم الاعتداء بين الأحزاب الراغبة والتي من شأنها أن تحدد بعض السياسات المركزية التي يجب متابعتها في مقابل اتفاق على عدم إسقاط الحكومة.