أثار الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الآمال مجددًا بتعيين مسعد بولس والد صهره اللبناني كبير مستشاريه للشئون العربية والشرق أوسطية، ليتولى بذلك فرد جديد من العائلة منصبًا رئيسًا في الإدارة الأمريكية الجديدة.
ويذهب بعض الخبراء في تفاؤلهم إلى قربه من الرئيس، وخاصة أن ترامب وصفه بأنه "صانع صفقات"، ولكن سجل واشنطن مع الشرق الأوسط والقضايا العربية لا يدعو سوي إلى الحذر بشدة، فتاريخ التدخل الأمريكي يقول بشراء الوقت، والحلول المؤقتة، والعمل من أجل استعادة الاستقرار لا السلام الشامل العادل.
وبالرغم من تبني ترامب شعارات إحلال السلام وإنهاء الحروب، إلا أن الأمور لا تتحقق بإعلان النوايا الحسنة فحسب، ولكن بالسيطرة على مؤسسات الدولة الأمريكية العميقة، ووجود شبكة مصالح قوية ورأي عام عارم يؤيد هذه الحملة الجديدة من أجل التمتع بعوائد السلام.
فقد بشر البعض بالسلام، بعدما تفكك الاتحاد السوفيتي، وذهب البعض في أحلامه بتفكك حلف شمال الأطلنطي بعدما تفكك حلف وارسو، إلا أن العالم استيقظ على تفكك يوغسلافيا وحروبها الدموية، وحرب الإبادة في رواندا، وتوسع الناتو وزيادة مهامه، وسيطرة قوة عظمى وحيدة علي العالم، وبدء حروب الخليج، وحروب أمريكا التي لا تنتهي في الشرق الأوسط، ويبدو أننا أمام محاولة جديدة، وها هي ترانيم سلام أخرى، ومحاولة جديدة لبناء شرق أوسط جديد، وأحسب أن المحاولة محكوم عليها بالفشل؛ وذلك نظرًا لأن الدولة العميقة لم تصل لقناعة بأن السلام العادل والدولة الفلسطينية هما أهم دعامة لتحقيق مصالح واشنطن.
ويعول ترامب على بولس في لعب دور في تهدئة التوترات والنزاعات في الشرق الأوسط، بعدما وعد بالسلام في المنطقة، ووصف ترامب بولس بأنه "محام لامع ورجل أعمال رائد يحظى باحترام كبير، ويتمتع بخبرة واسعة النطاق على الساحة الدولية"، وأشاد به لأنه؛ "كان له دور فاعل في بناء تحالفات جديدة هائلة مع الجالية العربية الأمريكية".
ولكن الشرق الأوسط ساحة مختلفة، وسيتولى رجل الأعمال مهمة صعبة، وهي وقف إطلاق النار وإنهاء الإبادة الجماعية الإسرائيلية في خضم الحرب التي تشنها إسرائيل ضد حماس، والحفاظ على وقف إطلاق النار الهش بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، ومواجهة تفجر الموقف في سوريا، بعد إحراز فصائل معارضة تقدّمًا في سوريا في مواجهة قوات نظام بشار الأسد.
ولا تبدو هناك مؤشرات عن حل شامل؛ بل استمرار لنفس الوصفة الأمريكية المعتادة، فقد أكد بولس في حديث إلى شبكة "سكاي نيوز" البريطانية في أكتوبر الماضي أنّ من المهم إنهاء الحرب "بسرعة".
وقال: "ما نعني بإنهاء الحرب بسرعة، هو أنّ لديك بعض الأهداف العسكرية التي عليك تحقيقها، وهي التخلّص من البنية التحتية لحركة حماس، وقدرتها على شنّ هجمات جديدة وما إلى ذلك".
وأضاف: "دعونا ننتقل إلى السلام، ودعونا ننتقل إلى إعادة بناء غزة وإعادة بناء لبنان"، وأوضح رؤيته للمستقبل بقوله: "نريد أن تكون غزة مزدهرة، نريد أن يكون الشعب الفلسطيني مزدهرًا، وأن يعيش بسلام، أن يعيش في وئام، جنبًا إلى جنب مع الإسرائيليين، وأن يكون هناك أمن كامل لدى كلا الجانبين".
وسيتولى رجل الأعمال مهمة صعبة في خضم الحرب التي تشنها إسرائيل ضد حماس، والحفاظ على وقف إطلاق النار الهش بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، وتفجر الموقف في سوريا مع إحراز فصائل معارضة تقدّمًا في سوريا في مواجهة قوات نظام بشار الأسد.
وفي السياق، أكد بولس في حديث إلى شبكة "سكاي نيوز" البريطانية في أكتوبر أنّه من المهم إنهاء الحرب "بسرعة"، وقال "ما نعني بإنهاء الحرب بسرعة هو أنّ لديك بعض الأهداف العسكرية التي عليك تحقيقها، هي التخلّص من البنية التحتية لحركة حماس وقدرتها على شنّ هجمات جديدة وما إلى ذلك".
وتبدو النغمة مغايرة لواقع الحال؛ وذلك نظرًا لأن ترامب اختار مع بولس في حكومته المقبلة العديد من العناصر المتشددة من الصقور وكبار صانعي التوترات، الذين يعتقد منتقدو ترامب أنهم قد يهددون بأشعال منطقة الشرق الأوسط بالكامل، ومع ذلك، يقول بعض المسئولين الذين يعرفون الرئيس المنتخب، إنه وبرغم ما يشتهر عنه بأنه مثير للعواصف والأزمات، إلا أنه كذلك صاحب "فن الصفقات"، ومفاوض ماهر، يسعى لإبرام صفقات حتى مع خصوم الولايات المتحدة حول العالم، ولكن ترامب سيواجه الدولة الأمريكية العميقة التي تجاهر برفضها له، وبيئة عالمية متغيرة أقل قبولًا لأسلوبه المعتاد في إبرام الصفقات، وبرغم أن ترامب قد يكون في صراع مع لوبي الحرب ومصالح النخبة المالية في واشنطن، إلا أنه لا يزال حريصًا على تحقيق السلام مع بقية العالم.
ويقول الخبراء إن ترامب لم يكن قويًا بما يكفي عندما كان رئيسًا في فترته الأولى، ويريد أن يعاود الكرة هذه المرة كصانع السلام ومناهض للحروب التي لا تنتهي، ويقول روبرت أوبراين الذي كان مستشارًا للأمن القومي في إدارة ترامب خلال ولايته الأولى، "لقد قلت للرئيس في وقت مبكر في فترة عملي ستُعرف بـ"صانع السلام"، وأعتقد أن تلك هي رؤيته حتى الآن..
وربما ترامب سوف يدخل البيت الأبيض في لحظة يرى البعض أنها تشهد انهيار خطط واشنطن وتل أبيب؛ لإعادة تشكيل منطقة غرب آسيا مرّة أخرى، ونجاح حزب الله في منع "إسرائيل" والولايات المتّحدة من العبث بأمن وسيادة ووحدة لبنان، كما أكّدَ الحزب اللبناني أنّ مقاومة الكيان الإسرائيلي هو مطلب كلّ شعوب المنطقة، الأمر الذي يقوّض خطط "إسرائيل" المضنية للتوسع والتطبيع وتصفية القضية الفلسطينية.
وهذا ما أكّده الأمين العام الشيخ نعيم قاسم بأنّ "إسرائيل" وضعت خططها قبل 64 يومًا للقضاء على حزب الله، وإعادة المستوطنين الإسرائيليين إلى الشمال، وإقامة "شرق أوسط جديد"، لكن، المقاومة تمكنت من الصمود على الخطوط الأمامية، والمبادرة بشنّ الغارات الجوّية على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، ممّا وضع الكيان الصهيوني في موقف دفاعي معقّد، كما ارتفع عدد المستوطنين النازحين من 70 ألف مستوطن إلى مئات الآلاف.
ومن ناحية أخرى فإن رهانات ترامب على صفقة تنهي تفجر المنطقة تواجه تهديدات إسرائيل بضم مزيد من الأرض الفلسطينية سوف تؤدي إلى إطالة أمد الأعمال العدائية.
عندما يتعلق الأمر بالحرب الإسرائيلية على جبهتين في غزة ولبنان، فقد أشار ترامب إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وكبار المفاوضين في قطر إنه يدعم الخطط العسكرية لنتنياهو، لكنه يريد أن يراه "ينهي الأمور" بحلول الوقت الذي يتم فيه تنصيب ترامب في 20 يناير المقبل.
وفي حين أنه من المتوقع أن يكون نتنياهو أكثر استعدادًا للخضوع لترامب مما كان عليه مع بايدن، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي في وضع أقوى سياسيًا، وأكثر قدرة على مقاومة الضغوط الأمريكية، مما كان عليه منذ هجمات 7 أكتوبر 2023 التي شنتها حركة "حماس"، وفي أعقاب هجمات إسرائيل ضد "حزب الله" و"حماس"، عزز نتنياهو الدعم في حكومته، وجعل من المرجح أن يتمكن من البقاء في السلطة لمدة عام آخر على أقل تقدير.
وفي الوقت نفسه قال الجيش الإسرائيلي منذ بعض الوقت أن أهدافه العسكرية في غزة قد تحققت، وذكرت مصادر امريكية أن قبول إسرائيل لاتفاق لوقف إطلاق النار مع "حزب الله كان بمثابة" "هدية" لترامب قبل توليه منصبه في يناير من العام المقبل، إلا أن هذا الاتفاق، في واقع الأمر، ليس له معنى.
ومن ناحية أخرى فإن إيران أقرب بكثير إلى امتلاك القدرة النووية، ويواجه ترامب عقبات جديدة في الوفاء بتعهد آخر قطعه على نفسه خلال حملته الانتخابية: وهو إقناع إيران بالتخلي عن برنامجها النووي، ويخطط ترامب لتجديد حملته "للضغط الأقصى" من خلال زيادة العقوبات على إيران بشكل كبير وخنق مبيعاتها النفطية، وفقًا لتقارير، في الوقت نفسه، يبدي الرئيس الإيراني الجديد المعتدل، مسعود بزشكيان، استعدادًا للتفاوض قائلا: "سواء أحببنا ذلك أم لا، سنضطر للتعامل مع الولايات المتحدة على الساحتين الإقليمية والدولية".
وستكون المشكلة التي تواجه ترامب هي أن لدى طهران دوافع جديدة لامتلاك أسلحة نووية؛ حيث عانت قوة إيران الدرعية التقليدية، خلال الأشهر الأخيرة، من فشل ضد إسرائيل، وقضت إسرائيل تقريبًا على القيادات العليا لوكلائها في "حزب الله" و"حماس"، بما في ذلك بشن ضربات داخل إيران.
وفي وقت سابق من هذا العام، اقترح قائد كبير في الحرس الثوري الإيراني أن تراجع إيران "عقيدتها النووية" في مواجهة التهديدات الإسرائيلية، والآن أصبحت إيران أقرب كثيرًا لامتلاك السلاح النووي مما كانت عليه في عام 2018، حينما رفض ترامب الاتفاق النووي الذي تفاوض عليه سلفه باراك أوباما.
ومن بين الأمور التي قد تغير الحسابات الإيرانية لصالح التعجيل ببرنامج إيران النووي تأكيد المسئولين الأمريكيين والإسرائيليين أن الهجوم الانتقامي الذي شنته إسرائيل على إيران الشهر الماضي أدى إلى تدمير منشأة نشطة لأبحاث الأسلحة النووية، وقد حذر المتشددون في إيران علنًا من أن مثل هذه الدرجة من الضعف الإستراتيجي غير مقبولة بالنسبة لهم، حيث قال كمال خرازي مستشار المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، في نوفمبر الماضي "إن لدينا القدرة على تصنيع الأسلحة وليس لدينا أي مشكلة في هذا الصدد".
في ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن دول المنطقة تتوقع أيامًا عصيبة، وهو ما شهدناه بتفجر الأوضاع في سوريا، وأغلب الظن أن عملية الشد والجذب ما بين الغرب وإيران سوف تتصاعد بقوة، وتتوقع إيران أن تواجه ضغوطًا غير مسبوقة من جانب الدول الغربية وإسرائيل خلال الفترة المقبلة، ليس فقط بسبب الدعم الذي تقدمه؛ سواء للميليشيات الموالية لها في المنطقة أو لروسيا، وإنما أيضًا بسبب تفاقم أزمة برنامجها النووي، والذي يفتح الباب أمام سيناريوهات عديدة بالنسبة لمستقبل المنطقة ودولها،كما يمكن أن تفرض تداعيات سلبية على إيران، ما لم تتمكن طهران من التوصل إلى صفقة جديدة مع إدارة ترامب.
ويبقى أن ترامب لن يساعده كثيرًا الانحياز لإسرائيل، فالعالم العربي لم يعد يخاف من قدرات إسرائيل، كما أن نتنياهو بات عبئًا ثقيلًا وجزءًا من المشكلة لا الحل، والرهان الحقيقي هو حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية، وإعادة الأراضي العربية، وبدون الأرض مقابل السلام لن يكون هناك استقرار.