يقول الدكتور مسعود محمود، رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة جنوب الوادي بقنا، في دراسته عن النقود الأجنبية المتدوالة في بلاد الشام، إن دولة سلاطين المماليك حكمت مصر والشام والحجاز واليمن ما يقارب ثلاثة قرون، وقد أدخلت دولة سلاطين المماليك بلاد الشام ضمن نفوذها بصفة ثابتة ومستمرة، وبلاد الحجاز بصفة شبه ثابتة، وبلاد اليمن بصفة متقطعة ، علاوة على بعض الأقاليم المتاخمة لحدودها بصفة مؤقتة.
موضوعات مقترحة
دمشق ومدائنها
وكانت الشام عصر المماليك بلد رئيس بعد مصر، وقُسمت زمن المماليك إلى ست نيابات، الأولى: نيابة دمشق وهي كبرى النيابات الشامية وأرفعها في الرتبة ونائبها يُسمى ملك الأمراء لأن النيابات الشامية الأخرى كلها تتبع له، ويتبعها نيابات وولايات صغرى مثل غزة والقدس وصرخد وعجلون وبعلبك وحمص ومصياف والرحبة، والنيابات الأخرى بعد نيابة دمشق: هي نيابة حلب وهي النيابة الثانية وتتمتع بأهمية خالصة لوقوعها على الأطراف الشمالية، ونيابة طرابلس، ونيابة حماة، ونيابة صفد، ونيابة الكرك
وتشير المصادر إلى سك عملات في تلك الأقاليم – سواء التابعة أو شبه التابعة كالدنانير والدراهم والفلوس وعليها شارات الدولة المملوكية في معظم الفترات، وحملت سيمات محلية تمييزًا لها، وقد تشابهت مراحل سك تلك العملات مع ما كان متبعًا في القاهرة، وهي العاصمة السياسية للدولة المملوكية، من نظم إدارية وفنية، وإن اختلفت في بعض الأحيان، فلا يعد اختلافًا جوهريًا، وقد انتشرت تلك العملات في مختلف مناطق الدولة، وكان لكل عملة سعر تبادل يختلف عن أسعار مثيلاتها في الأقاليم الأخرى حسب اختلاف أوزانها ونسب عيارها.
ويضيف مسعود محمود ، أنه نلاحظ وجود اختلاف القيم النقدية للنقود المملوكية الصادرة عن مركز الدولة بين إقليم وآخر، ومن ثم لم تختلف تلك العملات كثيرًا عن العملات التي يتم ضربها في الديار المصرية، بمعنى أن انتشارها في مناطق الدولة وأقاليمها أمر طبيعي يفرضه الترابط السياسي والإداري الموجود بين أقاليم الدولة، أضف لذلك حرص سلاطين المماليك على تقديم صلاحيات واسعة لنواب الأقاليم لإصدار عملات نقدية تغطي حاجة السوق المحلية لكل نيابة .
النقود المملوكية
عُرف العصر المملوكي ثلاثة أنواع من النقود هي الدنانير الذهبية والدراهم الفضية والفلوس النحاسية، وكان قاعدة النقد الذي تقدر على أساسه وحدات النقود الأخرى هي الذهب، أما السلع والمبيعات فقد كانت تقدر على أساس العملة الذهبية والفضية غير أنه يتوجب القول بوجود عوامل أدت إلى نقص الذهب والفضة في عصر سلاطين المماليك؛ منها قانون العرض والطلب، ورغبة السلاطين في الكسب، علاوة على الحصار الاقتصادي الذي فرضته أوربا على دولة المماليك في مصر والشام، فأصبح تدفق الأموال من هذا الطريق قليلة، وإن ظلت هناك أماكن أخرى تغذي الدولة بكميات من هذا المعدن، تمثلت في بلاد النوبة وبلاد التكرور.
ويوضح مسعود محمود، أما القيم النقدية للعصر المملوكي الأول سواء في مصر أو في بلاد الشام فكانت قيمة الدينار الذهبي طوال الشطر الأول (عصر المماليك البحرية) تتراوح بين عشرين إلى ثلاثة وعشرين درهمًا، أما الدراهم سواء النقرة أو الظاهرية، فكان عيارهما ثلثين فضة وثلث نحاس، وكانت الدولة المملوكية في مصر والشام حين يسود اضطراب تقوم بإصدار دنانير ذهبية، وتكون متباينة العيار والوزن مع تحديد سعرها بالدراهم الفضية في العصر الأول، ثم بالفلوس في العصر الثاني، وبطبيعة الحال كانت العملة المستخدمة تعبر عن قوة الدولة والسلطنة؛ فكلما كانت قيمة العملة مرتفعة كلما كان اقتصاد الدولة قويًا، أو دليلًا على استقرار الأوضاع الداخلية والخارجية، مع الأخذ في الاعتبار أن الدينار الذهبي خضع لتغيرات متعددة من حيث العيار والحجم والوزن، وكان يتحدد سعره في ضوء العرض والطلب، وحسب رغبة السلطان في الكسب والإثراء عن طريق ضرب النقود الذهبية لحسابه الخاص.
جدير بالذكر أنه وجد بدمشق دار ضرب لسك النقود أسفل القلعة، وكانت عملة الشام مكونة من الدنانير المصرية وزنًا والدنانير الأفرنتية عدًا، والدراهم النقرة وزنًا ( إلا أن الصنجة في أوزان الذهب بالديار المصرية تخالف الصنجة الشامية في ذلك؛ فتنقص الصنجة الشامية عن المصرية بمقدار مثقال وربع مثقال في كل مائة مثقال، وتنقص صنجة الدراهم الشامية عن الصنجة المصرية كل مائة درهم واحد، وبالإضافة إلى الدنانير والدراهم فقد راجت في بلاد الشام كذلك الفلوس الصغار، وكان يتعامل بها في الديار المصرية في الزمن الأول (أي قبل عام 802هـــ/ 1399م كما يذكر القلقشندي)، وكل أربعة وستين منها تعادل درهمًا، ويعبر عن كل أربعة منها بحبة، وينبغي الإقرار بأن الدرهم الفضي كان الوحدة النقدية الأساسية ببلاد الشام غالب عمر الدولة المملوكية.
وتعدد مصادر العصر المملوكي الجركسي أنواع الدراهم المتعامل بها في بلاد الشام في العصر المملوكي، إذ ترد إشارة عام 885هـ/1480م إلى أسماء الدراهم السائدة مثل: القيتبانية، والخشقدمية()، والإينالية، واليلبانية()، والتمربغاوية.
وقد أبطلت تلك الدراهم في شوال عام 885ه / 1480م، وسكت دراهم جديدة، "ووقع الاتفاق بأن الفضة العتق والجدد وزن كل اثني عشر درهما ونصف درهم بأشرفي ذهب" ولا شك أن تلك التغيرات في العملة واختلاف تقديراتها كان يسبب خسائر كبيرة للسكان الشاميين، ويجلب حالة من الركود في الأسواق؛ لذلك وجدنا ابن طولون يعلق على الحادثة السابقة قائلا:"ومشى الحال على هذا بعد أن كان الخلق في غاية الضيق والحصر، وغلقت الحوانيت بسبب ذلك، وتقطعت الأسباب".
وفي شهر جمادي الآخرة عام 889هـ/1484م، سعرت الدراهم الجديدة "الوازنة" بنصف سعر العتيقة "الناقصة"، وأن الأشرفي من الخمسين إلى اثنين وخمسين درهمًا، "وذهب للناس في ذلك أموال كثيرة"، ثم في شهر رجب من العام نفسه أعيدت الدراهم الجديدة إلى ما كانت عليه العتيقة، ونودي على الفلوس عام 893هـ/1487م كل أوقية بدرهم وربع، وكل زنة أربعين بدرهم، "وكانت قد كثرت قبل ذلك مع وقوف حال الناس" وأصبح أغلب النقود المتداولة في أيدي الناس في بلاد الشام عام 895ه/1489م من الأشرفية والفلوس النحاسية التي تدعى القرابيص.
وشهد عام 910هـ/1504م إبطال الدراهم التي تدعى المفارد القرمانية والعثمانية "لكثرتها وقلة الأنصاف"، علاوة على ذلك أبطلت الفلوس النحاسية التي كانت تسمى "القرابيص".
كما أنه تم إبطال الفلوس القديمة (العُتق) عام 923هـ / 1517م، وضربت فلوس جديدة، وجعل الفلس بثمن الدرهم والاثنين بربع الدرهم، وفي المجمل، فإن الشيء الذي يمكن ملاحظته على النقود المملوكية في بلاد الشام أنه عند سك دراهم جديدة فإن الدراهم العتيقة (القديمة) لا تلغى تمامًا، وإنما يتم التداول بها على أساس الوزن أو العدد مع الدراهم الجديدة.
وهنا لا تلبث الدراهم الجديدة أن تتراجع قيمتها الشرائية، لكثرتها، وعدم الإنصاف فيها.
ويؤكد الاستبدال المستمر للنقود في عصر المماليك الجراكسة حقيقة مهمة وهي الاضطراب الاقتصادي للدولة المتزامن مع انهيار النظام الإقطاعي الحربي، وتراجع الإنتاج الزراعي.
انتشار النقود الأجنبية
لما كانت بلاد الشام تقع موانيها على ساحل البحر المتوسط، فقد أدى ذلك إلى وجود علاقات تجارية وثيقة بينها وبين مدن الغرب الأوربي التجارية، مثل البندقية وجنوة وفلورنسا و كتالونيا ومارسيليا وغيرها.
ولا شك أن العمليات والصفقات التجارية التي كان يعقدها هؤلاء التجار الغربيون داخل المدن الشامية قد أدى إلى تداول أنواع عديدة من العملات الأجنبية الذهبية والفضية التي أصدرتها تلك الدول ذات العلاقة التجارية مع دولة المماليك.
وبطبيعة الحال فإن النقود الأجنبية التي كان يتم التداول بها في المراكز التجارية ببلاد الشام، لم يكن بالضرورة تداولها داخل الدولة، وفي أسواقها المحلية، أو مراكزها التجارية الداخلية، مع وجود تنظيم لعملية دخول العملات إلى الشام .
ويتوجب القول إن مسألة تداول تلك العملات الأجنبية على نطاق واسع أو ضيق في البلدان الشامية كان مرهونا بحجم التبادل التجاري لتلك المدن (مدن الغرب الأوروبي) من ناحية، وجودة تلك العملات من حيث السك والوزن والعيار من ناحية أخرى.
وهنا لابد من ذكر أمر مهم وهو أن ظاهرة انتشار النقود الأجنبية على نطاق واسع لم تكن موجودة في العصر المملوكي الأول، وإنما يعود هذا الأمر إلى عصر المماليك البرجية، ولا شك أن هذا يعني قوة العملات المملوكية وثبات مركزها، وعدم وجود فرصة لمنافستها خلال عصر المماليك البحرية
يضيف مسعود محمود:"لكن هذا لا ينفي أن التعامل بالنقد الأجنبي في بلاد الشام كان موجودًا في نهاية عصر المماليك البحرية، يؤكد ذلك إحدى وثائق الحرم القدسي والتي تعود إلى عام 770هـ/1368م، وقد جاء فيها: «بتاريخ ثاني عشرين المحرم سنه سبعين وسبعمائة ضبطت الحوايج المخلفه عن الحاج محمد بن صالح عرف بابن شامه الحارس بالقدس الشريف وهم قميص قطن ابيض... وفضه عين مبلغ اربعمايه درهم معاملة بندقية ٨ افلوري 92 تحت يد زوجته المذكورة"
وفي وثيقة إقرار مؤرخة في 29 رجب سنة783هـ/1379م، أقر فيها يوسف بن إبراهيم بن الحسن المصري العطار بالقدس الشريف إن له بحانوته ثلاث أفلورية وفضة تقدير مائة درهم، وفلوس تقدير خمسين فلسًا، وذكر أن له في ذمة يوسف النصراني من بيت لحم مبلغ خمسة أفلورية، وفضة خمسة وثلاثون درهمًا
هذه الوثائق تدل على رواج النقد الأجنبي بين الناس وأن ذوي اليسار كانوا يتبايعون به في بلاد الشام في عصر المماليك البحرية، فلا شك أنه وجدت نقود أجنبية في بلاد الشام في عصر سلاطين المماليك البحرية. لكن الثابت تاريخيًا أنه حتى نهاية عصر المماليك البحرية، كان النقد الأجنبي موجودا بالفعل لكن لم تكن هناك نقود أجنبية في بلاد الشام تشكل تهديدًا أو منافسة -مؤثرة- للنقد المملوكي، ولم يسهم أي نقد أجنبي في إحداث خلل للقيمة النقدية المملوكية آنذاك، ولهذا الرأي عدة دلائل هي:
ـ عدم إشارة المصادر التي دونت أحداث عصر المماليك البحرية إلى نقود أجنبية في الشام أو مصر، مما يرجح عدم أهمية النقد الأجنبي، وعدم وجود أي مركز نقدي له آنذاك
ـ إن المدن الإيطالية التي تصدرت التجارة مع الشرق الإسلامي لم تعمل على سك عملة ذهبية ونقدًا ذا قيمة عالية، وقاعدة نقدية ذهبية لتمويل مشاريعها التجارية إلا في النصف الثاني من القرن 13م/7هـ.
ـ إن السلطات المملوكية في مصر والشام لم تقبل دفع الضرائب بعملات المدن الإيطالية إلا في سنة 1302م ولم تكن ذات تأثير على العملة المملوكية.
ولعل السؤال هنا هو، إذا كانت هناك نقود أجنبية دخلت بلاد الشام فمتى انتشرت وتوسعت في النظام المالي ببلاد الشام، وما هي أسباب انتشار تلك النقود الأجنبية ومظاهرها؟.
ـ في حقيقة الأمر، كان اختفاء الدينار الإسلامي، واعتماد الفضة كقاعدة جديدة للنقد بدلًا من الذهب في مصر والشام؛ بسبب الصعوبات العديدة التي واجهها صلاح الدين في العصر الأيوبي وحتى أواخر القرن 13م، وتحول الذهب إلى سلعة من السلع، عاملًا رئيسًا في انتصار العملات الذهبية لاسيما الفلورين والدوكات في تجارة البحر المتوسط حين انتشر الضعف في نواحي الدولة الاقتصادية والسياسية في العقود الأخيرة من عصر المماليك الجراكسة.
بعدما شهدت حقبة المماليك البحرية ثباتا وقوة في العملة، وفي هذا الصدد ذكر د. حسنين ربيع أن المصادر تؤكد على وصول كميات ليس بالقليلة من الدنانير الذهبية المملوكية على عهد الظاهر بيبرس إلى الأسواق الأوربية نفسها.
أما في عهد الناصر محمد بن قلاوون فقد نجحت السلطنة- من خلال علاقاتها الدبلوماسية المتميزة- في الحصول على كمية كبيرة من الذهب القادم من مملكة مالي الإسلامية وهو الأمر الذي- بلا شك- أوقف نجاحات الدوكات البندقية لسنوات عديدة.
وكانت كارثة انتشار النقد الأجنبي ببلاد الشام بدايتها مع نهاية عصر برقوق وبدء عهد ابنه الناصر فرج (801–815ه/1399–1412م)، حيث قام أمراء دولته ومديريها بإفساد النقود وإبطال السكة الإسلامية من الذهب والمعاملة بالدنانير الشخصية ، ومن حينذاك راج تداول النقود الأجنبية في بلاد الشام ومعظم ديار السلطنة المملوكية، حتى إن المؤرخ ابن حجر العسقلاني يقول إنه "في مدة المؤيد (شيخ المحمودي) ما كانت المعاملة إلا بالأفلورية، وأما الهرجة فقليل جدا".
وتواترت الأخبار عن شيوع النقد الأجنبي ببلاد الشام منذ النصف الأول من القرن 9هـ / 15م على الأقل، حتى على جانب اقتصاد الأهالي وحركة بيع العقارات بين الأهالي وبعضهم البعض، مما يوحي بأن النقد الأجنبي كان سائدًا بشكل فعلي ببلاد الشام، وذلك بسبب تحول العلاقة النقدية في عصر الجراكسة لصالح النقود الأجنبية المنافسة للعملات المملوكية التي لم تستطع المحافظة على مركزها وقيمتها وقوتها في ظل التدهور المستمر في أوزانها وعيارها، والفساد الدائم الذي أصابها.
وقد وردت كثير من قوائم الأسعار لعملات مختلفة ببلاد الشام في أوقات متغيرة في مصادر عصر سلاطين المماليك، منها ما كان في أثناء الأزمات ونقص عنصر الذهب والفضة تعبيرًا عن الغلاء وارتفاع الأسعار، ومنها ما كان في أوقات الهدوء والرخاء إشارة إلى استقرار الأسواق ورخص الأسعار
وغالباً إن ذكر تلك القوائم التي وردت بالمصادر المملوكية سواء في الأزمات أو الرخاء لا قيمة لها عمليًّا بل تصبح مجرد قوائم لا تدل على شيء، إذ يفترض لفهمها وتحليلها أننا نعرف القيمة الشرائية للعملة المتداولة في أوقات مختلفة وأن نكون على دراية بالسعر الأساس للسلع في الأوقات العادية أي ليس في أوقات الرخاء والغلاء وأن ندرس كل سلعة بمفردها مع متابعة تطور أسعارها، ولا شك أن تلك أمور من الصعب الحصول عليها في مصادر ذلك العصر ووثائقه، فالأسعار كانت تختلف من وقت لآخر ومن مكان إلى مكان حتى في الأوقات العادية لأسباب اقتصادية معروفة منها طبيعة العلاقة التجارية مع الجمهوريات الإيطالية أو جلب كميات من الذهب والفضة للأسواق المملوكية بمصر وبلاد الشام
ويضيف مسعود محمود ، أنه لعل من الأسباب المهمة لانتشار النقود الأجنبية ببلاد الشام هو مسألة الإكثار من ضرب الفلوس؛ مما أدى إلى رخص قيمتها وانخفاض قوتها الشرائية من المون أمام غيرها من العملات الأجنبية الأخرى ،لذلك كثيرا ما يذكر المؤرخون عبارة " توقف الأحوال بسبب الفلوس وغلقت الكثير من الحوانيت".
ويشير المقريزي إلى أن الفلوس كثرت منذ أواخر القرن 14م؛ بسبب إكثار الظاهر برقوق من سكها وضمن دار الضرب في القاهرة، وأنشأ دار ضرب للفلوس بالإسكندرية وبعث إلى بلاد الفرنجة لجلب النحاس الأحمر لضربها ،فكثرت الفلوس بأيدي الناس كثرة بالغة وراجت رواجا،ولأن الرديء يطرد الجيد فقد أصبحت الفلوس أساس "المبيعات كلها من أصناف المأكولات وأنواع المشروبات وسائر المبيعات"، وترتب على ذلك الزج للفلوس ارتفاع المستوى العام للأسعار، والذي أدى إلى اقتصار الشراء من الأسواق على الضروريات فكسدت السلع من غلاء سعرها؛ لأن السعر محكوم بعوامل هي كمية النقود، وسرعة تداول النقود، وكمية السلع والخدمات المعروضة بالأسواق من ناحية؛ ومن ناحية ثانية فإن الارتفاع في المستوى العام للأسعار من شأنه أن يؤدي إلى تداول النقود وهو رد فعل طبيعي باستبدال نقود تنخفض قيمتها بسرعة بسلع وبضائع وهذا يستدعي من جانب الدولة زيادة كمية النقود من ناحية ثالثة.
وكانت الطامة العظمى هي محاولات تزييف النقود الأجنبية إما بإنقاص وزنها أو خلطها بمعادن أخرى أقل قيمة، خاصة حين أصبح التعامل بالفلوس على أساس الوزن وليس العدد وكان لعمليات التزييف هذه أسوأ الأثر على حركة الأسواق، إذ كان الناس يمتنعون عن التعامل بها ومن ثم يحدث كساد لحركة التجارة الداخلية علاوة على ارتفاع الأسعار في موجة تضخم جنونية تصل إلى حد إغلاق الحوانيت وتعطيل الأسواق مثلما حدث سنة 749هـ/1348م التي توقفت فيها المبيعات وأغلق أصحاب المعايش حوانيتهم؛ بسبب كثرة الزغل في الفلوس "حتى نودي أن يؤخذ منها إلا ما عليه صكة السلطان".
الجدير بالذكر أن الدكتور مسعود محمود رئيس قسم التاريخ بآداب قنا، فاز بجائزة أحسن بحث في التاريخ الحضاري من اتحاد المؤرخين العرب،عن بحثه عن النقود، وهى جائزة الأستاذ عبدالله العلي النعيم لتأريخ وحضارة الوطن العربي للعام ٢٠٢٤م، هي جائزة سنوية يمنحها اتحاد المؤرخين العرب لتأريخ وحضارة الوطن العربي تحمل اسم الأستاذ عبدالله العلي النعيم أمين مدينة الرياض الأسبق ورئيس مجلس أمناء المعهد العربي لإنماء المدن.
د.مسعود محمود، رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة جنوب الوادي بقنا، خلال تكريمه باتحاد المؤرخين الع