Close ad
2-12-2024 | 14:18

تخوض سوريا، مجبرة، معركة من أعنف وأشرس المعارك على الإطلاق في الوقت الحالي، هي معركة "تصفية الحسابات"، بعدما تفجرت الأوضاع فيها فجأة ودون سابق إنذار، حيث توغلت قوات هيئة تحرير الشام والفصائل الحليفة لها باستيلائها على عشرات البلدات ومدينة حلب العاصمة الاقتصادية للبلاد، فما أكثر المتناحرين والمتصارعين على رقعتها، وما أكثر الطامعين والمخططين لتفتيتها إلى قطع صغيرة أشبه ببيادق الشطرنج التي يسهل احتواؤها وتطويقها. 

إن ما تشهده الدولة السورية في فترتها العصيبة هذه ليس في مجمله سوى إعادة إنتاج مشروع الفوضى الذي تتبناه الولايات المتحدة وتشجعه من خلف ستار، ويستهدف بالأساس قواعد الدولة الوطنية ومؤسساتها، وتعتبر أن الفوضى تخدم مصالحها الإستراتيجية على المديين القريب والبعيد، ويمكنها من إحكام سيطرتها على مجريات ومقاليد الأمور بمنطقة الشرق الأوسط المضطربة، ومعها بالطبع حليفتها الأثيرة والمشمولة برعايتها الفائقة إسرائيل، فالحادث في سوريا موصول بحبل متين بأجندة تل أبيب الهادفة؛ لأن تصبح القوة المهيمنة على الإقليم وتصفية حساباتها غير المؤجلة مع خصومها.
 
الشاهد أن الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل تسعى للقضاء على تمركزات ومخازن أسلحة حزب الله وعناصره العسكرية المنتشرة في الأراضي السورية، لمساعدة الرئيس "بشار الأسد" في مواجهة معارضيه الذين يتمتعون بدعم مختلف الأشكال من قوى إقليمية ودولية، وترى أن تلك خطوة لا غنى عنها لاستكمال حملات التدمير والتخريب والاغتيال التي نفذتها في لبنان المجاورة بمعاقل الحزب في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت وغيرها، وأن أمامها فرصة ذهبية لا تعوض لإسقاط حزب الله بالضربة القاضية، وتأكيد امتلاكها يدًا تطول من تصنفهم كأعداء حيثما وجدوا.

وفى حقيقة الأمر، وهذا ليس سرًا، أن الصراع الأصلي والأكبر مع طهران التي يعد حزب الله أحد أذرعها البارزة والمناوئة والمسببة إزعاجًا بالغًا لإسرائيل ومشاريعها لبناء ما تظنه الشرق الأوسط الجديد بمقاييسها وتصوراتها الخاصة، وتود قطع هذه الأذرع وتفريغ سوريا من أي مظهر من مظاهر النفوذ الإيراني، سواء كان مقاتلي حزب الله أو عناصر الحرس الثوري والمستشارين العسكريين الإيرانيين للجيش السوري، وهنا تتلاقى الرغبات الأمريكية والإسرائيلية في خندق واحد، فواشنطن غير راغبة في وجود أي شيء يهدد إسرائيل وحدودها، وألا تكون إيران ندًا يتصارع معها رأسًا برأس، ويحاول إملاء شروطه عليها وعلى تل أبيب. 

من جهة أخرى، فإن الولايات المتحدة تتنافس مع روسيا على أرض سوريا، حيث تنتشر قوات كبيرة لها بقواعد عسكرية وتؤازر الحكومة السورية في حربها ضد الكيانات والتنظيمات الإرهابية والعميلة لجهات أجنبية، فالعلاقات الأمريكية الروسية يشوبها التوتر جراء الحرب الدائرة في أوكرانيا وقيادة واشنطن للتحركات الدولية والأوروبية الرامية لتوفير الدعم العسكري والسياسي والأمني لكييف غير القادرة على حسم المعركة لصالحها حتى حينه في ميادين القتال، على الرغم مما زودها به الغرب من عدة وعتاد وأسلحة متطورة، بمقدورها إشعال فتيل الحرب العالمية الثالثة بسهولة شديدة، وتعتقد دوائر صنع القرار الأمريكي أنه يتعين إخراج الدب الروسي من سوريا، وتفجير الأرض من تحت أقدامه لإجباره على الهروب للنجاة بنفسه، وتجنبًا لتكليفه خسائر بشرية فادحة. 

وهذه ليست نهاية معارك تصفية الحسابات ببلاد الشام، إذ إن تركيا التي تدعم ميليشيات مسلحة داخل مناطق سورية قرب الحدود الفاصلة بين البلدين، من أجل محاربة الميليشيات الكردية المتصارعة معها، وتريد بدورها إنهاء وجودهم ومعسكراتهم التي تشكل تهديدًا مباشرًا وصريحًا لأمنها القومي.

والخوف كل الخوف من امتداد شظايا تصفية الحسابات إلى العراق، جارة سوريا، حيث توجد ميليشيات الحشد الشعبي، وينظر إليها على أنها أداة إيرانية مثلها مثل حزب الله والحوثيين في اليمن، وحينها ستتفجر مزيد من القنابل الموقوتة التي ستوجه ضربات قاصمة ومؤلمة للأمن والاستقرار الإقليميين، وقد تخرج الأمور عن نطاق السيطرة والاستيعاب، ويحدث ما لا تحمد عقباه، وحينئذ لن يفيد الندم ولا الحسرة على تعمد واشنطن وآخرين إحداث اضطرابات وأزمات بالمنطقة لتحقيق أغراض وأهداف بعينها لا تراعي مصلحة الدول ولا مصلحة شعوبها. 

إن الواجب يلزم الجميع، وفي مقدمتهم العقلاء والحكماء، الآن وليس غدًا بمساندة الدولة السورية في التصدي لهجمة قوى الظلام والخراب والإرهاب التي تعرض خدماتها الشيطانية لمن يمنحها تمويلًا أعلى بالعملة الصعبة، وتوجيه نصيحة مخلصة أمينة لقادة أمريكا بالتوقف عن العبث واللعب بالنار، لأنها لن تسلم وتنجو من ارتداداتها وفخاخها القاتلة.

كلمات البحث
الشائعات.. وخطوط الدفاع

يتعرض المجتمع المصرى لهجمات شرسة ومتلاحقة من فيروس الشائعات الخبيث والفتاك، الذى يستهدف بالأساس إضعاف جهاز مناعته وخطوط دفاعه الحصينة، وكبقية الفيروسات

الأكثر قراءة