"اليوم التالي في غزة"، عنوان تردد كثيرًا، ومازال يطلقه الصهاينة والأمريكيون، بهدف تجاوز مرحلة الانكسار العسكري الحالية التي واجهتها قوات الاحتلال في القطاع، ومازالت، حيث لم تتمكن التخلص من مرارة الخسائر في عموم غزة والضفة الغربية، والاستعداد لما هو قادم في الصراع بين قوات الاحتلال الصهيوني وحركات التحرر الوطني في فلسطين.
والمعتاد أن التداخل بين الشأن السياسي والموقف العسكري لا يترك إلا مجالًا ضئيلًا للمناورة واتخاذ القرار، أما في حالة الكيان الصهيوني، فقد سادت حالة من الفوضى والارتباك والخلافات بين حكومة الكيان وقواته، نتج عنها نقل الصهاينة قواتهم المنهكة بعد حرب طويلة، لم تتوقعها أو تختارها، في قطاع غزة والضفة، ليحول آلته العسكرية إلى ساحة لبنان وجنوبه.
واليوم وبعد أكثر من 60 يومًا من المواجهات اللبنانية - الصهيونية، سبقها ما يزيد على 13 شهرًا من القتال في الأراضي المحتلة تعرض على أثرها جيش الاحتلال إلى خسائر فادحة لم يكن يتوقعها، بعد أن أعلن أنه سيعيد الرهائن، ويقضي على المقاومة في غزة، وأن مهمته في جنوب لبنان لن تستغرق أكثر من أيامٍ معدودة ليتم القضاء على قوات حزب الله ليعود منتصرًا، ليتفرغ إلى قطاع غزة والضفة الغربية، لكن نتائج المواجهات في فلسطين ولبنان على مدى الخمس عشر شهرًا الماضية، عصفت بكل أوهام وغطرسة قادة الاحتلال.
وبعد أن أنهكت المقاومة الفلسطينية قوات الاحتلال، غمرت قادته وقواته حالة من الانكسار، يعكسها وزير التراث الصهيوني عميحاي إلياهو، الذي دعا، سابقًا، إلى ضرب غزة بقنبلة نووية، فقد اعترف بأن الكيان لم ينتصر على حزب الله في لبنان، وقال: "ضربنا الحزب، لكن إذا أردنا أمننا على المدى الطويل علينا أن نهزمه، وهذه ليست هزيمة، وقد ذهبنا إلى اتفاق وقف القتال تحت الإكراه".
أما وزير الدفاع الصهيوني السابق موشي يعالون فقال: "لن أتراجع عن تصريحاتي السابقة.. إنهم يرتكبون جرائم حرب في قطاع غزة، وما قلته عن التطهير العرقي في القطاع، أخبرني به ضباط في الجيش".
لقد أجبرت المقاومة في لبنان الكيان على قبول وقف إطلاق النار بعد هجماته الواسعة، وقصف يومي على قلب تل أبيب بالصواريخ، وبعد استشهاد قادته، إلا أن حزب الله ازداد قوة؛ جسدها عدد ونوعية صواريخ متوسطة وبعيدة المدى التي كانت تستقبلها مدن الاحتلال وقواعده العسكرية ومطاراته الحربية والمدنية.
حالة الانكسار ترجمتها أيضًا وسائل إعلام عبرية تحدثت عن سقوط جديد لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي وعد بنصر كامل، وهو الأمر الذي لم يتحقق، ما جعله يسقط أمام نظر جنوده.
صحيفة "يديعوت أحرونوت" الصهيونية، نقلت عن الجنود الإسرائيليين، أنهم شعروا بالإحباط، بسبب وقف إطلاق النار مع حزب الله اللبناني، وأن "النصر الكامل الذي تحدث عنه نتنياهو غير موجود، كما أن اللبنانيين يعودون إلى بيوتهم، بينما لا يزال أهل شمال الكيان الصهيوني ما زالوا في الفنادق.
عملية الإبادة التي يخوضها الكيان ضد الشعب الفلسطيني خلال العقود السبع الماضية، وتصاعدها على مدى الثلاثة عشر شهرًا الأخيرة، ما زالت مستمرة على مدار الساعة؛ حيث يسعى التحالف الصهيوني الأمريكي لبدء مرحلة جديدة لليوم التالي في فلسطين، إلا أن ما أحدثته المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر 2023، فتح جبهات وساحات نجحت في بث الكراهية وفضح عدوانها ووحشيتها المستمرة، وقد شملت أرجاء الكرة الأرضية، من المدن الكبرى في مختلف المناطق والقارات، وكذلك والجامعات وساحات التجمعات، حتى ملاعب الكرة والمسابقات الرياضية تحولت إلى مناسبات لفضح الصهاينة وكشف سماتهم غير الإنسانية، وما تزال.
ولم يكن وزير خارجية الاتحاد الأوروبي "جوسيب بوريل" مبالغًا عندما دعا العالم إلى فرض الحل على الكيان الصهيوني وإنهاء الحرب؛ لأن هذا الكيان لم يكن جادًا في أي مفاوضات أو أي اتفاقات على مدى 70 عامًا؛ فهو لا يملك تصورًا لمجتمعه، ولا حدودًا لكيانه، ولا مفهومًا واحدًا لنشأته ولا تصورًا لمستقبله سوي العدوان المستمر بلا توقف، بل باستخدام أسلحة محرمة دوليًا، فقد قصف لبنان بقنابل النابالم، وصواريخ تحتوي على اليورانيوم، وأيضًا في فلسطين المحتلة تتكرر جرائمها باستخدام قنابل فوسفورية، وانشطارية وعنقودية.
وحاليًا تستخدم قوات الاحتلال أحدث أسلحة التدمير؛ وهي القنابل الفراغية الحرارية المحظور استخدامها دوليًا؛ فهي الأكثر خطورة، ولديها قوة تدميرية عالية، وتمتص الأكسجين من الهواء، وينتج عنها موجة انفجار، وتؤدي حرارتها العالية إلى تبخر جثث الضحايا، وقد دعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، لتشكيل لجنة تحقيق دولية من خبراء حول الأسلحة التي تستخدمها إسرائيل في حربها على غزة، بما في ذلك "القنابل الفراغية" التي تولّد حرارة شديدة تؤدي إلى تبخّر أجساد الضحايا.
إنها الحرب الأخيرة، فلم يعد هناك مزيد أو جديد من البدع الإجرامية التي ارتكبها الصهاينة، فهي الحرب الأخبرة التي ستنهي وجود الكيان الصهيوني، لكي يضطر مرغمًا على قبول وقف لإطلاق النار في غزة، فلم يعد قادرًا على مواصلة القتال، وهكذا تقترب النهايات، فالحرب الحالية هي الحرب الأخيرة للكيان المحتل بيده وبيد المقاومة، لتتردد صدى هزيمة الكيان عبر أرجاء الكوكب.
[email protected]