لن يجادل أحد في رغبة إسرائيل الجارفة في القضاء على المقاومة في لبنان وفلسطين، ولن ينكر أحد أن نتنياهو عندما رفع خريطة تضم الأشرار والأخيار في الشرق الأوسط، وتعهد بالقضاء على الأشرار، ويقصد فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وبناء شرق أوسط جديد يخلو منهم "ويشكله" كما يريد، ليسجل اسمه في التاريخ الصهيوني ملكًا، كما يحب أن يطلق على نفسه..
حدد نتنياهو أهداف الحرب على لبنان وكررها كثيرًا بغطرسة وصلف، وأكد حتمية القضاء "التام" على حزب الله وقدراته "وإجباره" على تسليم أسلحته أو تدميرها، والعودة لما وراء نهر الليطاني، والتأكد أنه فقد كل قدرته على "إيلام" الصهاينة، وعودة المستوطنين الذين "أجبرتهم" صواريخ حزب الله على النزوح من شمال فلسطين المحتلة إلى بيوتهم بعد "زوال" مصدر التهديد.
لم يحقق نتنياهو أيًا من أهدافه التي حددها وأعلنها؛ فقد أثبت حزب الله تفوقه في مهارات الردع ومنع الصهاينة من العربدة في لبنان، وزادت أعداد النازحين الصهاينة لأول مرة في تاريخ الكيان.
ورأينا فيديوهات الرعب في تل أبيب، ودخول الملايين الملاجئ كثيرًا وتضاعفت التكلفة الاقتصادية للحرب وثبت "عدم" جدواها.
خطط نتنياهو أنه لإحداث "صدمات" نفسية متتالية؛ بدءًا من تفجيرات أجهزة الاتصال "البيجر"، ومرورًا باغتيال أهم قادة الحزب، ووصولًا إلى اغتيال حسن نصر الله، ثم التدمير الوحشي لجنوب لبنان لمدة شهرين وهدم مساكنهم على رؤوسهم.
توهم نتنياهو أن ذلك سيجعل لبنان لقمة يسهل "ابتلاعها" بلا مشقة، كما قالوا في ١٩٨٢ أن بيروت يمكن احتلالها بفرقة موسيقية.
وتعرض نتنياهو ومن معه ومن يدعمونه في أمريكا وألمانيا وفرنسا والغرب عامة "لصدمات" عندما رأوا بأعينهم استبسال المقاومة اللبنانية، والتفاف غالبية اللبنانيين حولها في مشهد بديع من الالتحام والصمود والتكاتف الوطني.
وتزايدت صدماتهم لكثافة إطلاق الصواريخ "والجرأة" في اختيار الأهداف العسكرية والاستخبارية ومنزل نتنياهو نفسه بدقة وتمكن؛ وسخر المحللون العسكريون في إسرائيل من فشل نتنياهو.
قال زعيم المعارضة الصهيوني يائير لبيد عن اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان أنه "عار" وإعلان فشل، ولن يعيد النازحين إلى الشمال، وكان يمكن التوصل إلى اتفاق مع لبنان قبل ١٠ أشهر!! وفشلت إسرائيل في الحل العسكري.
أصيب الصهاينة بصدمة عند رؤية فيديوهات لمصابين في انفجار أجهزة البيجر يشاركون في إطلاق الصواريخ المتجهة إلى الصهاينة، ولم نستغرب ذلك؛ فمن لا تنهزم روحه لا ينهزم أبدًا بمشيئة الرحمن.
نجح لبنان بفضل التلاحم بين الشعب والجيش والمقاومة وإفشال سياسة فرق تسد التي يجيدها كل احتلال، وتمكن اللبنانيون من كشفها، واستطاع لبنان تحقيق نصر جديد على إسرائيل.
من أهداف نتنياهو "المعلنة" احتلال مساحات من لبنان "لضمان" عدم مهاجمة سكان الشمال مجددًا وهو ما لم يحدث، وصرح الصهاينة بضرورة محو حزب الله من الخريطة السياسية في لبنان؛ ويعلم الجميع أن نبيه بري رئيس البرلمان اللبناني وحليف حزب الله "يتولى" المباحثات للاتفاق على وقف إطلاق النار، كما صرح بذلك نعيم قاسم الأمين العام لحزب الله، ويؤكد المراقبون السياسيون "تزايد" شعبية الحزب بعد الحرب عما قبلها.
ويعرف الجميع أن إسرائيل للمرة الثالثة بعد حربي عام ٢٠٠٠ وعام ٢٠٠٦ مع لبنان هي التي طلبت وقف إطلاق النار، وبعثت المندوب الأمريكي، وكذلك الفرنسي في اعتراف "واضح" بعدم قدرتها على الوصول لنتائج عسكرية في صالحها، بعد أن استنفدت كل مهاراتها في التدمير والترويع، ولم تحصل على ما تريد، بينما يزيد حزب الله من العمليات العسكرية الموجعة، ويظهر من وقت لآخر بعض الإمكانات العسكرية التي لم يظهرها سابقًا؛ فيضعف معنويات جنود العدو وكذلك إعداده كمًا كبيرًا من الكمائن؛ أوقعت الخسائر الفادحة في جنود العدو، ولأول مرة يقوم بهدم بيوت في إسرائيل ويرد العدوان على المدنيين بالمثل.
أعلنت إسرائيل عن تهدم عشرة آلاف مبنى ومنزل وتحطم ٧ آلاف سيارة؛ بسبب صواريخ حزب الله، وكشف استطلاع رأي للقناة ١٣ الإسرائيلية أن ٦١% من الإسرائيليين يعتقدون أن إسرائيل لم تنتصر على حزب الله و٦٦% يؤيدون وقف الحرب في غزة وصفقة تبادل الأسرى.
تزايد الاحتجاج في إسرائيل لماذا عاد النازحون في لبنان ونحن لا، وقال رئيس حزب إسرائيل بيتنا أفيغدور ليبرمان: الحكومة الإسرائيلية ترفع العلم الأبيض، بينما يستمر رفع أعلام حزب الله في لبنان.
اعترف رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في جيش الاحتلال سابقًا تمير هايمن بأن جيشهم لم يحقق أي هدف من حربه على لبنان، ولم يحقق هدف عودة المستوطنين بسرعة وأمان.
صرخ ايتان دافيدي رئيس مجلس مستوطنة في التليفزيون الإسرائيلي، وهو يقول بغضب عنيف: منذ سنة وشهرين: يذبحوننا: ثم يأتي نتنياهو راكضًا للاتفاق معهم، ما يفعله بسكان الشمال جريمة أنه يتركهم للذبح.
قال العميد بالجيش اللبناني والمسئول السابق عن اليونيفل في لبنان منير شحادة: لم يستطيعوا التوغل في الحدود اللبنانية أكثر من ٥ كيلومترات في شهرين، أليس هذا نصرًا جديدًا؟
وأضاف: ٧٠ ألف جندي ومئات من دبابات الميركافا وفوقهم مئات من الطائرات الحديثة وآلاف من الأطنان من القنابل، وفي خدمتهم أهم مخابرات العالم ومدعومين من أكبر وأقوى الدول، واستمر العدو شهرين "يحاول" اقتحام بلدة الخيام اللبنانية مدعومًا بثلاثة فرق جوية ومدفعية عنيفة، وهذه صورة مصغرة للانتصار، لا يستطيع رؤيتها من كان مهزومًا من الداخل.
رفض المستوطنون العودة في يناير القادم خوفًا من حزب الله، وسارع اللبنانيون للعودة فور بدء وقف إطلاق النار، رافعين شارة النصر وأعلام المقاومة، ووضح للعالم الفرق بين أصحاب الأرض واللصوص.