تدشن زيارة السلطان هيثم بن طارق إلى تركيا مرحلة جديدة في مسيرة العلاقات المُتجذرة في أعماق التاريخ، وتوسع آفاق التعاون التجاري والاستثماري والثقافي والأكاديمي بين البلدين.
موضوعات مقترحة
تؤكِّدُ زيارةُ "دَولة" الَّتي يَقُومُ بها السُّلطان هيثم بن طارق، سلطان عُمان، إلى تركيا والتي بدأُت في 28 نوفمبر، تلبيةً لدَّعوةِ الرَّئيس التركي رجب طيِّب أردوغان، على حرصِ سلطان عُمان على توطيدِ العلاقاتِ الدبلوماسيَّةِ الطيِّبة القائمةِ مع الدّوَلِ الصَّديقةِ والشَّقيقة بعلاقاتٍ اقتصاديَّةٍ واعدة توَحِّدُ المصالحَ، وتُعظِّمُ الاستفادةَ عَبْرَ الحرصِ على تعزيزِ مجالاتِ التَّعاونِ ذاتِ الاهتمامِ المشترك بما يُسهمُ في تحقيقِ التَّطلُّعاتِ والطُّموحاتِ الشَّعبيَّة، ومن هذا المنطلقِ تـأتي زيارته لتركيا بمسعَى الارتقاءِ بالعلاقاتِ العُمانيَّةِ التركيَّة نَحْوَ آفاقٍ أرحبَ.
تكتسب هذه الزيارة أهمية كبيرة، كونها تتزامن مع احتفالات سلطنة عُمان بالعيد الوطني الـ 54 المجيد، تحت القيادة السياسية الحكيمة السلطان هيثم بن طارق سلطان عُمان،فهي مناسبةٌ سنويَّة باتت وقفةَ تأمُّلٍ للماضي وأملٍ في المستقبل، يستذكرُ فيها الشَّعبُ العُماني منجزاتِه على مدَى (54) عامًا، ويستمدُّ مِنْها الدَّافعَ نَحْوَ غدٍ أفضل، ينسجم ويتناغم مع مستهدفات الرؤسة المستقبلية "عُمان 2040".
وتحملُ الزِّيارةُ السَّامية توَجُّهًا نَحْوَ تحقيقِ المزيدِ مِنَ الإنجازاتِ في العلاقاتِ الثنائيَّة والتَّعاونِ التِّجاري والاستثماري والثَّقافي والأكاديمي بَيْنَ البلدَيْنِ الصَّديقَيْنِ، حيث تأتي في سياقِ الزِّياراتِ التَّاريخيَّة بكُلِّ المقاييس. فهِيَ أوَّلُ زيارةٍ رسميَّة بهذا المستوى من جانبِ سلطنةِ عُمانَ في التَّاريخِ الحديثِ للعلاقاتِ بَيْنَ السَّلطنةِ وتركيا، إضافةً إلى أنَّها تتزامنُ معَ احتفاءِ البلدَيْنِ بالذِّكرَى الـ (50) لإقامةِ العلاقاتِ الدبلوماسيَّة بَيْنَهما، والَّتي بدأتْ في الـ (18) من يونيو 1973م، كما أنَّها تُعبِّرُ عن رغبةِ القائدَيْنِ في تعزيزِ مَسيرةِ التَّعاونِ المُثمِر بَيْنَ البلدَيْنِ الصَّديقَيْنِ، ما يُشكِّلُ حرصًا على دعمِ المصالحِ المشتركةِ في مختلفِ المجالاتِ ودفعِها وتوسيعِ آفاقِها.
تجمع البلدين علاقاتٌ دبلوماسية وتاريخٌ مشتركٌ حيث تم افتتاح سفارة سلطنة عُمان في أنقرة عام 1985م وسفارة جمهورية تركيا في مسقط عام 1986م، ويسعيان مِن خلالهما إلى توثيق أواصر التعاون وتوطيد علاقات الصداقة التي امتدّت جذورها إلى القرن السادس عشر، وهي علاقاتٌ متميزةٌ وتشهد نموًّا ملحوظًا وتطوّرًا كبيرًا في العديد من المجالات وعلى كل الأصعدة وتستند إلى أرضية متينة.
إنَّ هذه الزِّيارةَ تُمثِّلُ ـ بما لا يدعُ مجالًا للشَّك ـ مستقبلَ العلاقاتِ بَيْنَ البلدَيْنِ، حيثُ شكِّلُت الزيارةُ بدايةً لمرحلةٍ جديدةٍ ومميّزة للعلاقاتِ الثنائيَّة، ووضعُت الأُسُسَ القويَّة لبناءِ علاقاتٍ استراتيجيَّة بَيْنَ البلدَيْنِ، بما يخدمُ مصالحَهما المشتركة ويَعُودُ بالنَّفعِ على الشَّعبَيْنِ العُماني والتُّركي، ويُعزِّزُ دَوْرَ البلدَيْنِ في السَّاحتَيْنِ الإقليميَّةِ والدّوليَّة
شهدُت الزِّيارةُ التَّوقيعَ على عددٍ من الاتفاقيَّاتِ ومذكّراتِ التَّفاهم لِتَعزيزِ التَّعاونِ بَيْنَ سلطنةِ عُمان وتركيا في العديدِ من مجالاتِ التَّعاونِ الثنائيَّة بما فيها المجالاتُ السِّياسيَّة والدبلوماسيَّة، والتَّعاونُ الاقتصادي والتِّجاري والمالي والاستثماري، والتَّعاونُ العسكري والتَّصنيعُ الدِّفاعي، والنَّقلُ والاتِّصالات والطَّاقةُ وإدارةُ الطوارئ، والثَّقافةُ والتَّعليمُ العالي والبحثُ العلمي، ومجالاتُ الإعلامِ ووكالاتِ الأنباء، إضافةً إلى مجالاتِ الصحَّةِ والعلومِ الطبيَّة، والعملِ وتنميةِ المؤسَّساتِ الصَّغيرةِ والمُتَوَسِّطة.
ويبقَى على القِطاعِ الخاصِّ في البلدَيْنِ تعظيمُ الاستفادةِ من رغبةِ القيادتَيْنِ، والعملُ على تبادلِ الاستثمارات، وإيجادُ شراكاتٍ متنوِّعة لرفْدِ الاقتصاد، فهناك العديدُ من القِطاعاتِ التجاريَّةِ والاقتصاديَّة الَّتي تتوافرُ فيها فرصٌ للتَّعاونِ المشترك بَيْنَ شركاتِ القِطاعَيْنِ العامِّ والخاصِّ في سلطنةِ عُمانَ وتركيا، ومِنْها على سبيلِ المِثالِ القِطاعِ اللوجستي، كما توجدُ إمكاناتٌ كبيرة لتطويرِ قِطاعِ السِّياحةِ بَيْنَ البلدَيْنِ، فضلًا عن إمكانِ تعزيزِ التَّعاونِ الثنائي في مجالاتِ التَّصنيع، خصوصًا الصِّناعاتِ التَّحويليَّة مِثلَ تصنيعِ المُنتَجاتِ الغذائيَّة، والمُنتَجاتِ البلاستيكيَّة، وغيرها من الصِّناعات، كذلك الحال في قِطاعِ الطَّاقة، وفي قِطاعِ البناءِ والتَّشييد، حيث تُعَدُّ الشَّركاتُ التركيَّة مِن بَيْنِ الشَّركاتِ الرَّائدةِ في هذا المجال، وهناك فرصٌ للتَّعاونِ في المشروعاتِ العقاريَّةِ الكُبرى، والخاصَّة بالموانئِ والمطاراتِ والمستشفيات، وفرصُ نُموٍّ في قِطاعِ الزِّراعةِ وصناعةِ الأغذية، حيثُ يُمكِنُ للشَّركاتِ التُّركيَّة الاستفادةُ من الإمكاناتِ الزِّراعيَّة في السَّلطنةِ، وتوسيعُ نطاقِ التَّعاون في إنتاجِ وتوزيعِ المُنتَجاتِ الزِّراعيَّة والغذائيَّة.
جلسة مباحثات بين السلطان هيثم و الرئيس أردوغان
التعاون في المجالات السياحية والتعليمية والثقافية
تُعد هذه الزيارة الرسمية الأولى للسلطان هيثم إلى تركيا منذ تسنم جلالته عرش عُمان في 11 يناير 2020، تهدف الزيارة، التي تأتي في سياق العلاقات التاريخية الراسخة بين البلدين، إلى فتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي والاستثماري بينهما. كما تأتي الزيارة في ظروف صعبة تمر بها منطقة الشرق الأوسط وتحولات كبرى في العالم.
يسعى البلدان إلى تعزيز التعاون السياحي من خلال تنظيم الفعاليات واللقاءات التي تدعم استقطاب السياح الأتراك لزيارة سلطنة عُمان والتعرف على المقومات السياحية التي تتميز بها.وفي مجال التعليم العالي وقّعت سلطنة عُمان وتركيا في أكتوبر الماضي على مذكرة تفاهم تتضمن تبادل المنح الدراسية والأكاديمية، والاعتراف المتبادل لمؤسسات التعليم العالي بين الجانبين، ونقل العلوم والمعارف والتكنولوجيا، وعقد وتنظيم الدورات التدريبية، والحلقات، والندوات، والمؤتمرات، والمنتديات الثنائية، وإجراء الأبحاث العلمية.
ووقّع البلدان كذلك على مذكرة تفاهم بشأن إنشاء «معهد يونس أمره لتعليم اللغة التركية» في مسقط خلال اجتماع اللجنة العُمانية التركية المشتركة الذي عُقد في أنقرة في عام 2022م، بالإضافة إلى توقيع جامعة السُّلطان قابوس ووقف المعارف التركي على اتفاقية في عام 2019م لتمكين اللغة التركية وتدريسها بصفتها دورة اختيارية بالجامعة.
كما وقّعت سلطنة عُمان وتركيا في 2010م على مذكرة تفاهم للتعاون في مجال المحفوظات ممثلة بهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية في سلطنة عُمان والمديرية العامة لأرشيف الدولة التابع لرئاسة الوزراء التركية تتيح التعاون في مجال المحفوظات بين البلدين وتسهيل حصول سلطنة عُمان على نسخ الوثائق والمحفوظات من الأرشيفات التركية.
وستساعد هذه المذكرة على تبادل الخبرات وإقامة الملتقيات العلمية والوثائقية وابتعاث مختصين من هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية للتدريب في الأرشيف التركي وتبادل الخبرات من كلا البلدين.
وفي 17 مايو 2023م أصدرت هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية 4 إصدارات جديدة تتحدث عن «عُمان في الوثائق العُثمانية.. ثلاثمائة وسبعون عامًا من العلاقات التاريخية» حيث ارتبطت سلطنة عُمان بتاريخ ممتدّ من العلاقات التاريخية مع الدولة العثمانية طوال فترة حكم السلاطين العُثمانيين، وتم الكشف عن عمق هذه العلاقات من خلال التدقيق في وثائق الأرشيف العثماني التي أفردت لها ثلاثة مجلدات، وجاء الجزء الرابع بعنوان «العلاقات العُمانية التركية في وثائق الجمهورية التركية» تأكيدًا على العلاقة الطيبة بين البلدين، واستمرارًا للبحث والتقصي عن الوثائق التي تربط سلطنة عُمان بجمهورية تركيا، حيث تم البدء بمشروعات مكثفة باستخدام أرشيفات الدولة في الجمهورية التركية، وفحص الوثائق الموجودة فيها بدقة كبيرة، ليتم نشرها في المستقبل في سلسلة من الإصدارات لتشجيع البحث العلمي والإبداع الفكري، وتم تحقيق عدد كبير من تلك الوثائق ونشرها في خمسة مجلدات حتى الآن باللغات العربية والتركية والإنجليزية.
وأقيم في الفترة من 5 - 21 أغسطس 2024م معرض وثائقي بعنوان «ذاكرة وطن» في مدينة صلالة بمحافظة ظفار بحضور عدد من المسؤولين العُمانيين والأتراك ركّز على العلاقات التاريخية بين سلطنة عُمان والجمهورية التركية.
50 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية
أكد سفيرُ سلطنة عُمان المعتمد لدى تركيا أن هذه الزيارة تتزامن مع احتفاء البلدين بالذكرى الـ 50 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما، كما تتزامن مع احتفال تركيا بالذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية وإعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن رؤية «قرن تركيا»، المئوية الثانية، مئوية مستقبل تركيا، وتحمل رمزية استثنائية كونها تعكس رغبة مشتركة في استمرار التعاون والعلاقات التاريخية المتجذّرة بين سلطنة عُمان والدولة التركية التي تمتدّ إلى أكثر من ثلاثة قرون.
هذه الزيارة تمثل مستقبل العلاقات بين البلدين، وتشكّل بداية لمرحلة جديدة ومميزة للعلاقات الثنائية، وتضع الأسس القوية لبناء علاقات استراتيجية بين البلدين، بما يخدم مصالحهما المشتركة ويعود بالنفع على الشعبين العُماني والتركي، وبما يعزز دور البلدين في الساحتين الإقليمية والدولية.
في ختام الزيارة تم التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم لتعزيز التعاون بين سلطنة عُمان وجمهورية تركيا الصديقة في العديد من مجالات التعاون الثنائية بما فيها المجالات السياسية والدبلوماسية، والتعاون الاقتصادي والتجاري والمالي والاستثماري، والتعاون العسكري والتصنيع الدفاعي، والنقل والاتصالات والطاقة وإدارة الطوارئ، والثقافة والتعليم العالي والبحث العلمي، ومجالات الإعلام ووكالات الأنباء، إضافة إلى مجالات الصحة والعلوم الطبية، والعمل وتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
وكان للجنة العُمانية التركية المشتركة العديد من الاجتماعات آخرها الاجتماع الحادي عشر الذي عُقد في ٣ نوفمبر٢٠٢٢م في أنقرة، وتم خلاله التوقيع على بروتوكول تعاون بين البلدين الصديقين، وسعت سلطنة عُمان إلى جلب الاستثمارات التركيّة وإيجاد شراكات متنوعة لرفد الاقتصاد الوطني وإتاحة المجال للاستفادة من خبرات وإمكانات الشركات من مختلف دول العالم ضمن رؤية عُمان 2040 الاستراتيجية لتنويع الاقتصاد وفتح أبوابه للاستثمارات.
ومن المقرر أن تعقد اللجنة العُمانية التركية المشتركة اجتماعها القادم في مسقط خلال شهر ديسمبر الحالي، حيث ستقوم بمتابعة تعزيز جوانب العلاقات الاقتصادية والتجارية والفنية والاستثمارية بين البلدين بما يعود بالنفع على الشعبين العُماني والتركي.