Close ad

رأي الدين.. التلاعب في أسعار الأدوية لا يجوز شرعًا.. وتحقيق الربح لا يكون على حساب المريض

27-11-2024 | 20:54
رأي الدين التلاعب في أسعار الأدوية لا يجوز شرعًا وتحقيق الربح لا يكون على حساب المريض الأدوية
شيماء عبد الهادي

مع تحرك الأسعار وارتفاعها بين الحين والآخر يلجأ بعض أصحاب الصيدليات إلى إعادة تسعير الأدوية الموجودة لديهم بالفعل بأسعار قديمة وبيعها بالسعر الجديد لتحقيق ربح إضافي.

موضوعات مقترحة

بينما يلجأ الكثيرون إلى البحث عن الحكم الشرعي في بيع الأدوية المرسومة بسعر قديم بسعرها الجديد، ومعرفة رأي الدين في ذلك لتجنب الوقوع في خطأ شرعي.

هل يجوز بيع الأدوية بأسعار جديدة بعد شرائها بأسعار قديمة، بخاصة في ظل تقلب الأسواق بحجة حل البيع وحق البائع في الربح كيفما يشاء؟

سؤال طرحته "بوابة الأهرام" على الدكتور محمد جمعة أستاذ الفقه وعضو هيئة التدريس  بجامعة الأزهر، والذي قال إن النظر الشرعي في مثل هذه المسائل المهمة والمتداولة تحت شعارات مصلحية ومبادئ عامة والتي من شأنها تحديد الحكم الشرعي الصحيح  في أمر مهم كالدواء يقوم على عدة مفاهيم يلزم معرفتها كلها أولا وليس بعضا منها فقط وأهم هذه المبادئ التي تتعلق بعناصر الموضوع هي أن:

• الأدوية سلع ضرورية لا يجوز النظر إليها كأي سلعة تجارية أخرى، ويجب مراعاة الضوابط الشرعية والقانونية المتعلقة بتسعيرها، وتداولها وعدم التلاعب بها.

• المريض هو في أمس الحاجة إلى الدواء، وهو لا يبحث عن الربح، بل عن الشفاء، ورفع الأسعار على الأدوية يزيد من معاناة المريض، وهذا أمر لا يجوز شرعًا.

• البيع: الأصل في البيع الإباحة ما لم يثبت دليل على تحريمه، ولا يجوز الاعتماد على الحكم العام الأصلي مع وجود سبب الحرمة .

• الربح: الشرع الإسلامي لا يحدد نسبة ربح محددة، لكنه يشجع على التجارة العادلة والابتعاد عن الغش والاحتكار والتزام القواعد المقررة من قبل السلطات المختصة .

• التسعير :وجوب التزام التسعير فيما ترى الجهات المختصة ضرورة تسعيره من السلع .

• تحديد الأسعار: عندما تحدد السلطات المختصة سعرًا معينًا للدواء، فإنها تفعل ذلك بناءً على دراسات معمقة تأخذ في الاعتبار تكاليف الإنتاج والتوزيع، بالإضافة إلى تحقيق ربح معقول للصيدليات.

• الاحتكار: حبس السلع ورفع أسعارها استغلالاً لندرتها محرم شرعاً ويضر بالمجتمع ولا يبرره الملكية وحرية التجارة .

حكم التلاعب في أسعار الأدوية

وتابع أستاذ الفقه بجامعة الأزهر قائلا لـ"بوابة الأهرام" إنه في ضوء هذه المبادئ يمكن القول :إنه لا يجوز شرعا التلاعب في أسعار الأدوية وبيعها بغير السعر المدون على العبوة بحجة أنها تجارة ولكل إنسان أن يربح ما يشاء ؛لأن الصيدلي الذي يفعل هذا يكون نظره قاصرا على مصلحته الشخصية ولا يبالي بالمبادئ الشرعية الأخرى التي يتخطاها كوجوب التزامه بالتسعير المقرر من قبل الجهات المختصة ؛فعندما تحدد السلطات المختصة سعرًا معينًا للدواء، فإنها تفعل ذلك بناءً على دراسات واعتبارات متعددة وتأخذ في الاعتبار تكاليف الإنتاج والتوزيع، بالإضافة إلى تحقيق ربح معقول للصيدليات ففيه توازن بين مصلحة الصيدلي والمريض ،وتحقيق للمصلحة العامة وتوازن بين حرية التجارة والربح وحماية المستهلك وحقه في سعر عادل وحفظ حياة الناس . 

كما ينبغي على الصيدلي الذي يركز- وفق مصلحته- على أن الربح أمر مشروع في التجارة، ألا يغفل أن يكون الربح بطريق مشروع ولا يقوم على الكذب والتدليس واستغلال المستهلك خاصة المريض الذي يحتاج للشفقة والمساعدة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ" فعندما يرفع الصيدلي السعر يسلك طريقا أبعد ما يكون عن هذه الصفات، كما أنه يحقق ربحًا مبالغًا فيه بالنسبة إلى ما دفعه في سعرها القديم ،وهذا يتعارض مع مبادئ التجارة العادلة المشروعة،  وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ، إِنَّ الشَّيْطَانَ وَالْإِثْمَ يَحْضُرَانِ الْبَيْعَ، فَشُوبُوا بَيْعَكُمْ بِالصَّدَقَةِ." فأمر بالصدقة عند البيع والشراء لينجو البائع من حظ نفسه والشيطان في هذا البيع لا أن يتبع هواه ويبرر استغلاله للمرضى .

ويجب أن ينظر الصيدلي إلى أن المريض في أمس الحاجة إلى الدواء، لا سيما وأن المريض لا يبحث عن الربح، بل عن الشفاء ورفع الأسعار على الأدوية يزيد من معاناة المريض، وهذا أمر لا يجوز شرعًا. 

كما أن الصيدلي بفعله هذا يخالف قرارات السلطة المختصة، وهذا مخالف للشرع  الذي أوجب طاعة أولى الأمر.

أضاف الدكتور محمد جمعة، إلى ما سبق فإن لرفع أسعار الأدوية آثار سلبية عديدة، منها: تراجع الثقة في الصيدليات فعندما يمارس الصيدلي مثل هذه الممارسات، فإنه يفقد ثقة الناس فيه.

كما يؤدي انتشار الأدوية المقلدة والسوق السوداء للأدوية والاحتكار؛ وذلك لأن المريض  قد يدفعه ارتفاع الأسعار إلى شراء الأدوية المقلدة الرخيصة، مما يعرض صحتهم للخطر، ويؤدي عدم بيع الأدوية بالسعر القديم إلى ممارسة الاحتكار وحبسها عن المريض انتظارا للارتفاع القادم ، وكل هذا الضرر كاف للقول بحرمة هذا الفعل، فكما أن مبدأ حرية التجارة والربح لم يكن مبررا للاحتكار حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم  :"مَنِ احْتَكَرَ حُكْرَةً يُرِيدُ أَنْ يُغْلِيَ بِهَا عَلَى المُسْلِمِينَ فَهُوَ خَاطِىءٌ، وَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ الله وَرَسُولِهِ" فلم يجعل ملكيته للسلعة مبررا ولا مسوغا في أن يبيعها أو يمسكها كيفما يشاء.؟ وقد اتفقت الأمة وصحت الأحاديث على أن المحتكر خاطيء فكيف يصوغ الصيدلي أن يتصرف بعد ذلك في الدواء كيفما يشاء بحجة التجارة وملكيته للدواء في صيدليته ؟! وكيف يمكن مع كل هذا القول بغير الحرمة الشرعية لهذا الفعل ؟!.

رأي دار الإفتاء في التلاعب بأسعار الأدوية

بداية، يؤكد الدكتور خالد عمران آمين عام الفتوي بدار الإفتاء لـ"بوابة الأهرام" على ضرورة الالتزام بالأسعار المحددة لبيع الأدوية من قبل الجهات المعنية المختصة بذلك.

وشدد آمين عام الفتوي، على أنه لا يجوز شرعا بيع الأدوية المسعرة بالفعل بأسعار جديدة لتحقيق الربح، ويرجع فتواه لما في ذلك من أضرار تلحق بالمرضي المحتاجين للدواء.

وتابع مؤكدا على ضرورة الابتعاد عن استغلال حاجة الناس، والالتزام بالصدق والأمانة لأن بيع الأدوية تجارة ومن التزم الصدق والأمانة في تجارته، حاز الدرجاتِ العلا، لما جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ» أخرجه الإمام الترمذي في "سننه".

وفي يوليو الماضي، استقبلت دار الإفتاء سؤال من رجل يملك صيدلية، قال فيها: إنه وفي ظل ارتفاع الأسعار تورد إليه الأدوية مسعرة بأسعارها الجديدة، ويوجد في الصيدلية أدوية أخري بأسعارها القديمة، فهل يجوز له بيع الأدوية المسعرة بالسعر القديم بسعر التوريد الجديد من باب توحيد سعر الدواء؟

ولفت مالك الصيدلة النظر في رسالته، إلى أنه يسدد ثمن الدواء القديم لشركات الأدوية بالسعر المنقوش عليه ولو كان السداد بعد تحرك الأسعار.

 أجاب على ذلك السؤال الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية السابق، في فتوي حملت رقم 8450، وأكد في بداية جوابه، أن الواجب على صاحب السؤال أن يلتزم في بيع الأدوية من خلال صيدليته بالأسعار المحددة لها من قبل الجهات المعنية المختصة بتحديد أسعار الدواء، ولا يجوز له شرعًا مخالفةُ تلك التسعيرة؛ لما في ذلك من المخالفة الشرعية والقانونية.

الشريعة الإسلامية تؤكد: لا حد للربح من التجارة

أقرت الشريعة الإسلامية أنه لا حد للربح من التجارة من حيث الأصل، ولَعَلَّ الحكمة في عدم تحديده هي مراعاة اختلاف أحوال الناس في التجارة ومدى حاجتهم لها، ومدى توفر السلعة المعروضة للبيع، ونحو ذلك مما يؤثر على عَرْض السلعة وطلبها.

إضافة إلى أن تحديد مقدار معين للربح في كل الأحوال وكل المجتمعات لا يترتب عليه تحقيق العدالة دائمًا بين الناس؛ حيث إن هناك فرقا بين المال الذي يدور بسرعةٍ بطبيعته، كالأطعمة ونحوها، وبين المال بطيء الدوران الذي لا يَدُور في السَّنَة إلا مرةً مثلًا، وكذلك هناك فرقٌ بين مَن يبيع بثمن حال، وبين من يبيع بثمن مؤجَّل.

لولي الأمر الحق شرعا في التدخل بالتسعير للناس في تجارتهم

يقول الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية السابق: إنه مع كون الربح من التجارة ليس له حد معين، إلا أن الشرع الشريف قد شرع لولي الأمر أن يتدخل بالتسعير للناس في تجارتهم وتحديد أرباحهم منها إن كان يترتب على ذلك التسعيرِ تحقيق مصلحة راجحة أو دفع مفسدة متحققة -كما في "العناية" للإمام برهان الدين المَرْغِينَانِي (10/ 59، ط. دار الفكر)-؛ لِمَا تقرر في قواعد الشرع الشريف مِن أنَّ "الضَّرَرَ يُزَال"، كما في "الأشباه والنظائر" للإمام جلال الدين السُّيُوطِي (ص: 83، ط. دار الكتب العلمية)، وأصْلُ ذلك قولُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا ضَرَر وَلَا ضِرَارَ» أخرجه الأئمة: أحمد في "مسنده"، وابن ماجه في "السنن".

وأضاف قوله، بل إذا اشتدت حاجة الناس في معاشهم إلى سلعة معينة، وكان أصحاب هذه السلعة في غير حاجة إليها، فإنَّ لولي الأمر أن يأمر ببيع هذه السلعة بثمن المثل؛ تحقيقًا للمصلحة العامة، ودفعًا لحاجة الناس الضرورية إلى هذه السلعة.

قال الشيخ ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (28/ 75- 76، ط. مجمع الملك فهد): [لولي الأمر أن يُكرِه الناس على بيع ما عندهم بقيمة المثل عند ضرورة الناس إليه؛ مثل من عنده طعام لا يحتاج إليه والناس في مخمصة، فإنه يُجبَرُ على بيعه للناس بقيمة المثل] اهـ.

حكم بيع الأدوية المرسومة بسعر قديم بسعرها الجديد

وبحسب نص الفتوي الصادرة عن دار الإفتاء برقم 8450، إنه لا شك أن حاجة الناس إلى الدواء هي حاجة أصيلة وضرورية لا غِنًى لهم عنها في حياتهم ومعاشهم، فلا يجوز أن يحال بينهم وبين تحقيق هذه المصلحة وقضاء هذه الحاجة، فإذا قرر ولي الأمر أسعارًا لِمَا يحتاجه الناس في معيشتهم كالدواء وغيره؛ منعًا للضرر العام عن الناس وَجَب شرعًا البيعُ بهذه الأسعار، حيث قد وردت أحاديث كثيرة تدل على تحريم الاحتكار وهو احتباس الشيء انتظارًا لغلائه، مما يلحق الضرر بعامة الناس، فقد أخرج الإمام مسلم في "صحيحه" عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ»، فكان مِن العدل أن تُطبَّق الزيادة الجديدة في سِعر الدواء على المنتجات الجديدة التي ينقش عليها السعر الجديد دون غيرها مما قد نُقِشَ عليه السعر القديم وأصبح ثمن جملته مستحقًّا على البائع به بغير زيادة ولو أدَّاه مؤجلًا، وهذا ما يتناسب مع أفادته هيئة الدواء المصرية في حديثها عن آليات تسعير الأدوية العُشبية، حيث نصَّت على أنه "في حالة المستحضرات المُسَعَّرة طبقًا للمعايير الجديدة، مع وجود موافقة متغيرات، يتم التقدم لتحريك السعر، على أن يتم تطبيق السعر الجديد على التشغيلات المنتَجة بعد الحصول على الموافقة النهائية على المتغير.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: