أعلم أنه مهما كان من تغليظ العقوبة في القانون، فإن هذا التغليظ لن يجعل الناس ترتدع أو تمتنع عن الجريمة.. فمثلًا كلنا يعلم أن عقوبة القتل في القانون هي الإعدام حتى الموت، أو الشنق إن أردنا الدقة، ورغم ذلك لم يمنع جرائم القتل أن تحدث في مجتمعنا -وفي المجتمعات الأخرى أيضًا– بشكل يومي.
ورغم علمي بهذه القاعدة النفسية والقانونية، فأنا أرى أنه يجب تغليظ العقوبة المالية في قانون "سوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي".. أو فبركة الحسابات على السوشيال ميديا.
فالقانون المصري، والتي نصت المادة 24 منه برقم 175 لسنة 2018 الخاص بجرائم الإنترنت، والذي تطرق لعقوبة الحسابات الوهمية على السوشيال ميديا واستغلالها في الابتزاز على ما يلي:
«المادة 24 الجرائم المتعلقة باصطناع المواقع والحسابات الخاصة والبريد الإلكتروني، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر، وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تجاوز 30 ألف جنيه، أو بإحدى العقوبتين كل من اصطنع بريدًا إلكترونيًا أو موقعًا أو حسابًا خاصًا، ونسبه زورًا لشخص طبيعي أو اعتباري».
فإذا استخدم الجاني البريد أو الموقع أو الحساب الخاص المصطنع في أمر يسيء إلى من نسب إليه، تكون العقوبة الحبس الذي لا تقل مدته عن سنة وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه، ولا تجاوز 200 ألف جنيه، أو بإحدى العقوبتين.
وإذا وقعت الجريمة على أحد الأشخاص الاعتبارية العامة، فتكون العقوبة السجن والغرامة التي لا تقل عن 100 ألف جنيه، ولا تزيد على 300 ألف جنيه."
انتهى نص القانون.. وبرأيي الشخصي، فإن هذه العقوبات والغرامات هي ضعيفة جدًا، ولا ترقى إلى الأثر الذي تحدثه الحسابات الوهمية على وسائل التواصل الاجتماعي.. وتلفيقها على الأشخاص والهيئات الحكومية.
ولا يغيب عن كل لبيب أن انتشار الحسابات الوهمية عبر السوشيال ميديا يشكل خطرًا كبيرًا على المجتمع، من كل النواحي (الاقتصادية والنفسية والسياسية والاجتماعية).. وكل ناحية لها أهميتها الخاصة عند كل شخص.. تزيد أو تنقص.
ولا أريد أن أعطي مثالا بالدول المجاورة لنا وبقوة قوانينها الرادعة في هذا الشأن، لكنني أري أن الغرامة المالية ضعيفة جدًا، ولا تتناسب مع الأثر السلبي الكبير لهذا الجرم الإلكتروني.
وأحب أن أشير إلى قانون آخر يجب معالجته أو مراجعته؛ وهو قانون العقوبات على المادة رقم 80 (د) والذي ينص:
"يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن 100 جنيه، ولا تجاوز 500 جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل مصرى أذاع عمدًا في الخارج أخبارًا أو بيانات أو شائعات كاذبة حول الأوضاع الداخلية للبلاد، وكان من شأن ذلك إضعاف الثقة المالية بالدولة أو هيبتها واعتبارها، أو باشر بأية طريقة كانت نشاطًا من شأنه الإضرار بالمصالح القومية للبلاد."..
وفي مادة أخرى من القانون؛ وهي "المادة رقم 188" يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة، وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه، ولا تزيد على عشرين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
كيف نسمح بهذه الغرامة الزهيدة، والتي لا تساوي الضرر الذي ينجم عن آلاف التغريدات المفبركة، والتي تضر باقتصاد دولة بحجم مصر، تعدادها يفوق الـ 100 مليون مواطن.
فلنا أن نتخيل بمثال بسيط، وبفرضية أبسط، فداحة انتشار شائعة عن ارتفاع سعر الدولار (مثلًا) على الاقتصاد وامتداد ذلك الأثر إلى كل مكان، ومواطن في مصر.. فسعر الصرف يؤثر على أصغر الأشياء من حولنا فما بالنا بأكبرها.. وانتشار شائعة عن ارتفاع الدولار تؤدي لخسائر بالمليارات على الدولة والمواطن في نفس اللحظة.. هذه المليارات لا يمكن أن يقابلها مبلغ بقيمة 500 جنيه أو حتى 20 ألفًا.