يبدو أننا بحاجة الآن إلى نصيحة جداتنا في الماضي؛ فبعد أن أعلنت الأجهزة الأمنية عن ضبط عقار جي إتش بي المخدر (GHB)، صار حديث الأسرة المصرية حول خطورة هذا العقار، والذي يستخدم في أعمال غير مشروعة مثل تخدير الضحايا حتى إنه قد يمحو جزءًا من الذاكرة بعد الاستفاقة من مفعول المخدر، حتى صار معروفًا إعلاميًا بعقار الاغتصاب؛ الأمر الذي أثار الذعر والخوف في قلوب الأمهات، ويعكس ذلك مخاوف متزايدة حول حماية الأبناء، خصوصًا الفتيات، فاسترجعت الأمهات تحذيرات الجدات لبناتهن قديمًا بألا يشربن شيئًا من يد غريب.
ومع تطور أساليب الجريمة وظهور عقاقير مثل "جي إتش بي" التي تُستخدم للتلاعب بالضحايا؛ أصبحت النصائح التقليدية بحاجة إلى تحديث لمواكبة الواقع الحديث.
فاليوم يجب أن يشمل التحذير تعليم الفتاة كيفية التعرف على المشروبات أو الأطعمة المشبوهة، واستخدام التكنولوجيا للحفاظ على الأمان، مثل التطبيقات التي تتيح مشاركة الموقع في الوقت الحقيقي، فيتمكن الأهل من نجدتها إذا ما حدث لها مكروه.
ويبدو أن المخاطر تحيط بأبنائنا من كل جانب، فقد أشرت في مقال سابق (نُشر في بوابة الأهرام بتاريخ 13 أكتوبر الماضى) إلى مخاطر استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ودعوت الأهل لمتابعة ما يتصفحه أبناؤهم ومراقبة سلوكياتهم، خاصة بعدما توغلت هذه التطبيقات في حياتنا، وصارت منصات الفيديوهات القصيرة (تيك توك) سبيل الثراء السريع، وأصبح حلم أي شاب الآن هو أن يحظى بملايين المتابعين، بغض النظر عن طبيعة وجدوى المحتوى الذي يقدمه، فيقوم ببث وتوثيق تفاصيل حياته اليومية، أو تأليف مقاطع كوميدية يسخر فيها من الآخرين؛ متخليًا بذلك عن كل المناحي الأخلاقية والشرعية؛ لما فيه من تتبع للعورات، وعدم احترام للخصوصيات.
ورغم قصص النجاح التي نراها على (تيك توك)، إلا أنه يجب الحذر من الوهم المنتشر حول تحقيق الثراء السريع، فالكثير من الأشخاص يبالغون في أرباحهم أو يروجون لأساليب مشكوك فيها لتحقيق الثراء، فانتشرت الإعلانات عن توفير وظائف للجنسين، وفرص عمل عن بعد بمرتبات لا تتناسب أبدًا مع المهام المطلوبة.
وفيها يعلن شباب ذوو مظهر جاد وأنيق تاركين أرقامًا للتواصل، مستغلين بذلك حاجة المواطنين وعوزهم.
فإذا ما تواصلوا معهم؛ اكتشفوا أنها مجرد عمليات للنصب والخداع وابتزاز الناس، وبعدها يختفى هؤلاء وتُحذف حساباتهم.
وربما كان أحد نواب البرلمان الكرام مصيبًا في مطلبه بإلغاء وحذف تطبيق (تيك توك)، فالمفاسد الناتجة عنه تفوق أي منفعة، ولما يسببه من مخاطر أمنية، فقد يكون التطبيق عرضة للاختراق؛ مما يعرض بيانات المستخدمين للسرقة.
ومن الناحية الاجتماعية قد يؤدى إلى مشكلات صحية ونفسية؛ مثل الاكتئاب والقلق فهو يسهل انتشار المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة والشائعات، بالإضافة إلى ما يعرضه من تحديات خطيرة يقبل الشباب على المشاركة بها فيؤذون أنفسهم أو غيرهم.
ولك أن تتخيل عزيزي القارئ فداحة ما وصل إليه الأمر، فقد تصفحت إحدى التطبيقات التي انتشرت مؤخرًا، والتي يستخدمها الكثير من المتابعين وهالني ما قرأت؛ فوجدت شبابًا يعقدون زيجات إلكترونية على السوشيال ميديا، وكتب أحدهم منشورًا يطلب فيه استشارة المتابعين في أمر الانفصال!!
فهل وصلنا إلى هذا الحد؟!
وإلى متى سنغض الطرف عما يحدث حول أبنائنا، فعلى الأقل ينبغي توخي الحذر في استخدام هذه التطبيقات وإجراء ما يلزم من احتياطات تضمن سلامة أبنائنا؛ كالتحقق من مصادر المعلومات والتأكد من صحتها، والتواصل مع الأشخاص الموثوق بهم، ووضع حدود للاستخدام بتخصيص وقت محدد لاستخدام التطبيقات، ولا ننسى ضبط الإعدادات لحماية المعلومات الشخصية.
لذا؛ يجب ألا نغفل أبدًا عن حماية الأبناء من مخاطر الإنترنت، والمخاطر المحيطة عمومًا، كما يجب أن ندرك أن المسئولية مشتركة بين الأسرة والدولة، فلا يمكن الاعتماد على أجهزة الدولة وحدها؛ لأن دور الأسرة أساسي في التوجيه والتربية، بينما تعمل الدولة على توفير التشريعات والآليات الوقائية، حتى نضمن سلامة أبنائنا.
Nourasadek@ yahoo.com