Close ad

المحكمة الجنائية الدولية تطارد نتنياهو.. كسر الحائط الحديدى

2-12-2024 | 21:48
المحكمة الجنائية الدولية تطارد نتنياهو كسر الحائط الحديدىنتنياهو
ريم عزمى
الأهرام العربي نقلاً عن

صحفية «لوموند»: المرة الأولى التى تصدر فيها المحكمة أوامر اعتقال ضد زعماء دولة تنتمى للمعسكر الغربى

موضوعات مقترحة

ولى يسفه الديمقراطية ويرسخ للعنصرية.. قضى حياته يتهم الآخرين بالشر

كتابه «مكان بين الأمم» كاشف لأطماع إسرائيل ومخططات الإبادة الجماعية للفلسطينيين

يوفال ديسكين:  «بى بى» يشعر بداخله أنه أمير بينما لديه انعدام للأمن وخوف عميق من تحمل المسئولية

بعد قرار الجنائية على نتنياهو أن يستعد لشتاء قاس تشهد فيه إسرائيل تحولا داخليا وخارجيا  فى علاقتها بالعالم

فى ربيع العام الجارى، أعلن كريم خان، المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية، عن نيته التقدم بطلب للحصول على مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وأعضاء من حكومته، وقيادة حركة حماس أيضا، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، كجزء من تحقيق المحكمة الجنائية الدولية فى المجازر التى ترتكبها إسرائيل فى فلسطين.

وقتها وصف الموقع الإلكترونى السياسى فى أمريكا الشمالية، وأوروبا «بوليتيكو» الوضع قائلا: «إن اتهامات جرائم الحرب لن تؤدى إلى إجبار إسرائيل على وقف القتال، بل إنها ستدفع الإسرائيليين إلى الالتفاف حول رئيس وزرائهم المحاصر».

انتهى الربيع ومر الصيف، واشتعلت فضائح نتنياهو داخل إسرائيل، وجاء الخريف لنتذكر ما أعلنه كريم خان، بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال يوم الخميس 21 نوفمبر 2024، حث فيها المدعى العام الدول الأعضاء فى المحكمة والبالغ عددها 124، بالتحرك لتنفيذ مذكرات التوقيف التى أصدرتها بحق كل من نتنياهو، ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت، بالإضافة إلى القائد العسكرى لحماس محمد الضيف، الذى لا يتم التركيز عليه لأسباب نعلمها، منها أنه ينتمى للطرف الأضعف أو ربما لأن مكانه غير معلوم.

تفاعلت غالبية دول العالم مع مذكرة التوقيف، التى أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية، بحق كل من نتنياهو، ووزير دفاعه السابق جالانت، بشكل إيجابى احتراما للقانون الدولى، ورصد الموقع الإلكترونى "يونيوز"، المتخصص فى أخبار الاتحاد الأوروبى بعض التخبط، مشيراً إلى أن هذه الدول "لا تشمل إسرائيل والولايات المتحدة"، أى إنهما لا تعترفان بالقرار ولا بالمحكمة من أساسه، وأعلن رئيس الوزراء فيكتور أوربان المجرى، الذى ترأس بلاده دورية الاتحاد الأوروبى، أنه سيدعو نتنياهو إلى المجر، بينما إيطاليا تشهد فوضى فى المواقف والآراء بين الوزراء، أما فرنسا وألمانيا فقد حذرتا من تبعات هذا القرار، بينما تدعم أيرلندا وسلوفينيا وبلجيكا وهولندا قرار المحكمة.

ما بين ربيع العام الجارى وخريفه، شهدنا "جريمة الصيف"، التى تتمثل فى ذلك المشهد الواقعى والعبثى، عندما وقف نتنياهو أمام الكونجرس الأمريكى متحديا العالمين، القديم والجديد، ومستفزا للمتظاهرين خارج المبنى، ومتباهيا بجرائمه أمام أعضاء الكونجرس، يتحدث بكل فخر عن مخططاته لإدارة قطاع غزة فى المستقبل، واليوم يتساءل العالم عن مستقبل نتنياهو، بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية بحقه مذكرة اعتقال وتوقيف، صحيفة "لوموند"، الفرنسية كتبت على موقعها بالنسخة الإنجليزية قائلة: "هى المرة الأولى التى تصدر فيها المحكمة الجنائية الدولية، أوامر اعتقال ضد زعماء دولة تنتمى إلى المعسكر الغربى"! وعموما هى لم تصدر إلا إدانات قليلة لم تنفذ غالبا، طوال تاريخها منذ تأسيسها فى 2002.

«بى بى».. عدو البطل

لطالما روجبى بى، وهو كنية نتنياهو، لصورة درامية وغير حقيقية عن نفسه باعتباره بطلا، لكنه على النقيض تماما، إنه عدو البطل، وعليه مواجهة العاقبة، وإن مذكرة الاعتقال جعلته مجرما بشكل رسمى، وظهر أنه الشرير برغم أنه قضى حياته وهو يتهم الآخرين بالشر، وهو المحاصر بعد أن كان يحاصر قطاع غزة ويضع الحواجز فى الضفة الغربية المحتلة، وعليه الآن الاختباء للأبد خوفا من الإيقاع به، وهو الذى اتهم قادة المقاومة بأنهم مختبئون، وهو غير قادر على دخول هذه الدول التى أيدت قرار المحكمة، وبات الرجل المطارد من الحكومات والمطلوب للعدالة على غرار أفلام الغرب الأمريكى، ويطل بوجه السفاح الذى نجا من مواقف كثيرة، لكن مع الأيام وقع وأصبح خارجا عن القانون وصورته مطبوعة على الملصق المعتاد بورق مصفر مذيلة بكلمة “Wanted”، والمعلق على أبواب متاجر المدينة والحانة ومقر الشريف المحلى، مقابل مكافأة كبيرة لجلبه حيا أو ميتا!

التاجر والبندقية

تعود بنا قصة المحاكمة، لمحاكمة أخرى شهيرة وقديمة من مسرحيةتاجر البندقية، لوليم شكسبير. وقتها كانت مسألة الربا التى يمارسها اليهود عند الإقراض مرفوضة من المسيحيين فى أوروبا، لكن بمرور الوقت صارت المسرحية تثير جدلا باعتبارها معادية للسامية، وذلك تمشيًا مع الأهواء الموجودة فى الغرب الآن، والتخوف من أى شىء يمكن أن يمس سمعة اليهود بسوء، أو يذكر بالمعاملة المتدنية لليهود فى أوروبا فى تلك العصور.

 قام بدور شايلوك النجم الأمريكى من أصل إيطالى آل باتشينو، فى فيلم من إنتاج أوروبى مشترك، من بريطانيا - إيطالى، ولوكسمبورج فى 2004، ونتعرف إلى أنطونيو التاجر النبيل والمحبوب من مدينة البندقية الإيطالية، وكيف يقرض الناس قروضا حسنة لفك أزماتهم المالية، بعكس المرابى اليهودى شايلوك، الذى يستغل حاجتهم للمال ويطلب فوائد للقروض، لكن تتغير الأحوال وبرغم احتقار أنطونيو لشايلوك فإنه يضطر لطلب قرض منه، معتمدا على قدوم سيولة مالية قريبا عند وصول سفنه وقدرته على السداد، لكن شايلوك الخبيث يعتبرها فرصة للانتقام، وإذلال أنطونيو، فيصر على شرط فى العقد شاذ ومفزع وينم عن حقد شديد، فهو لم يطلب فائدة لكن فى حالة تأخر أنطونيو فى السداد يمكن لشايلوك أن يقتطع رطلا من اللحم من جسده!

تتعطل سفن أنطونيو، ليواجه الموقف الجلل فى المحكمة أمام شايلوك، حتى عندما يأتى صديقه باسانيو، لعرض سداد ضعف قيمة القرض على شايلوك، يرفض الأخير لأنه يريد قطع لحم من جسد أنطونيو، ثم يظهر الحل عندما تتنكر بورشيا، زوجة باسانيو، فى صورة محام، وتحضر المحاكمة، وتستخدم دهاءها فتشترط على شايلوك أن يقوم باستخلاص قطعة اللحم بدون إراقة نقطة دم واحدة، وإلا سيخسر كل ماله وممتلكاته، وإذا زاد الميزان على رطل واحد فسوف يقتل، وعندما يتراجع شايلوك ويقبل باسترداد المال، تذكره بأنه رفض السداد قبل ذلك، لذا فليس من حقه إعادة المطالبة به، بل قلبت الطاولة عليه تماما عندما ذكرت أنه يهودى، أى إنه أجنبى، وقام بتهديد مواطن إيطالى، وعلى عكس ما كان متوقعا فى البداية، تنتهى المحاكمة بإنقاذ الرجل الطيب أنطونيو واستسلام المرابى الفاشل شايلوك!

مازالت القصة تتكرر بصور مختلفة، فليست بالضرورة عن مراب وتاجر فى البندقية، بل ربما قاتل ومناضل مع بندقية وأبرز مثال ما نشهده فى فلسطين المحتلة، فهناك غاصب وأرض مغتصبة، ونماذج مستمرة للبطولة، ونجد أناسا عادية تقاوم بصورة غير عادية وأصحاب قضية.

إسرائيل والأمم

ولد بنيامين نتنياهو فى عام 1949، فى تل أبيب أى أنه من جيل الصابرا، وهو جيل يتفاخر بنفسه، ويرى أنه أفضل من اليهود "الأشكيناز"، وهم من أوروبا وأمريكا ومن اليهود "السفرديم" وهم من المنطقة العربية والدول الإسلامية، لأنه ولد فى أرض الميعاد المزعومة.

أما والدته "تسيلا سيجال"، فقد ولدت فى بتاح تكفا فى متصرفية القدس التابعة للإمبراطورية العثمانية، بينما ولد أبوه "بنزايون نتنياهو" باسم ميليكوفسكى فى وارسو عاصمة بولندا التابعة للإمبراطورية الروسية، وكان مؤرخا ومتخصصا، فيما يسمى بالعصر الذهبى اليهودى فى إسبانيا، وهى الفترة من 711 إلى 718 ميلادية مع الفتح الإسلامى لشبه جزيرة آيبيريا.

ويرى آخرون أنها تعود إلى سنة 912، فى عهد عبد الرحمن الثالث. وكان جده لأبيه ناثان ميليكوفسكى حاخاما، وكاتبا صهيونيا معروفا ومبجلا، نتيجة جهوده فى دعم الصهيونية وإلقاء المحاضرات وجمع التبرعات للهجرة اليهودية، والاستيطان فى فلسطين، حتى إن الساحة المقابلة لمدفنه فى جبل الزيتون تحمل اسمه، وظل يتنقل بين أوروبا وأمريكا وفلسطين، وعندما قرر الاستقرار هاجر إلى فلسطين الانتدابية، وقام بتغيير اسم عائلته من ميليكوفسكى، إلى اسم عبرى ليضفى صبغة دينية أكثر على نفسه وهونتنياهو، بمعنى الله أعطى أو عطا الله.

بنيامين نتنياهو، الثانى من بين ثلاثة أطفال، نشأ وتلقى تعليمه فى القدس، وبين أعوام 1956 و1958، ومرة ​​أخرى من عام 1963 إلى عام 1967، استقرت عائلته فى أمريكا فى إحدى ضواحى فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا، وقام والده، بنزايون نتنياهو، بتدريس اللغة العبرية والتاريخ اليهودى فى كلية دروبسى، ثم عاد نتنياهو إلى إسرائيل عام 1967 للانضمام إلى قوات الدفاع الإسرائيلية، وخدم فى القوات الخاصةسايريت ماتكال، برتبة نقيب وحارب فى حرب الاستنزاف وحرب السادس من أكتوبر 1973.

بعد تلك الحروب، تم تسريح  نتنياهو من الجيش، وعاد للدراسة فى الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد تخرجه فى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، عمل نتنياهو فى مجموعة بوسطن الاستشارية، وعاد إلى إسرائيل عام 1978، لتأسيس معهد يوناتان نتنياهو لمكافحة الإرهاب، تكريما لاسم شقيقه الذى قتل فى عملية عنتيبى فى أوغندا، وهى عملية اختطاف طائرة قام بها فدائيون فلسطينيون، وناشطون ألمان لتحرير أسرى، وتركت هذه الذكرى أثرًا عميقا لدى نتنياهو، وشقيقه الآخر عيدو، وهو طبيب ومؤلف مسرحيات، وبين عامى 1984 و1988 كان نتنياهو سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة.

برز نتنياهو بعد انتخابه رئيسا لحزب الليكود عام 1993، ليصبح زعيما للمعارضة، وفى الانتخابات العامة عام 1996، أصبح أول رئيس وزراء إسرائيلى ينتخب مباشرة عن طريق التصويت الشعبى، وأصغرهم سنا، ثم تعرض نتنياهو للهزيمة فى انتخابات عام 1999، واعتزل السياسة ودخل القطاع الخاص، ثم عاد ليشغل منصب وزير الخارجية والمالية، وأسهمت الصداقة التى تجمع بين نتنياهو، والرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب منذ الثمانينيات، خلال رئاسة ترامب الأولى، فى اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، والسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، وتوسطت فى اتفاقيات إبراهيم. وهذه ثالث مرة يتولى فيها نتنياهو منصب رئيس الوزراء.

ومن خلال عمله، يحاول نتنياهو تقديم رؤيته عن إيجاد مكان ومكانة لإسرائيل وسط العالم، وقد وضع أفكاره فى كتابه "مكان بين الأمم" وتمت ترجمته للعربية باسم "مكان تحت الشمس"، وهذا التعبير يعنى منصبا جيدا جدا أو شخصا ناجحا، ويصف بعض النقاد فى الغرب الكتاب بأن "المتحدث الأكثر كاريزمية فى إسرائيل تتبع أصول وتاريخ وسياسة وعلاقة بلاده مع العالم العربى والغرب".

والحقيقة أن الكتاب فى ظاهره المظلومية وفى باطنه الإبادة الجماعية، وهو كاشف لعنجهيته وأطماع الإسرائيليين فى الأراضى الفلسطينية، فهو يوضح رغبتهم فى التمدد، وشيطنة إيران والاستهانة بالدول العربية. كما يكشف وجه نتنياهو الآخر، فهو ليس العلمانى الذى يخاطب الغرب بحديث معسول عن التمدن والتفرنج ومظاهر الحياة الغربية، بل هو أصولى يسفه الديمقراطية ويرسخ للعنصرية، ويستخدم آيات من الكتاب المقدس، ويلجأ لنبوءات من سفر أشعياء لكى يبرر تطور الأحداث، أو بمعنى أصح يتعجل الأحداث لعلها تكون فى صالح الإسرائيليين.

فى 2013، نشرت صحيفةذا جارديانالبريطانية عنوانا لافتا للنظربنيامين نتنياهو.. رجل قوى بقلب خائفعندما نظر يوفال ديسكين، رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية الإسرائيلى (شين بيت) حتى عام 2011، فى أعماق نتنياهو وأعرب عن مخاوفه بشأن شخصية رئيس الوزراء الإسرائيلى، الذى من المتوقع أن يعاد انتخابه بسهولة فى الانتخابات العامة، وشكا ديسكين، وليس للمرة الأولى، من أنداخل نتنياهو مزيج من الإيديولوجية، والشعور العميق بأنه أمير من عائلة ملكية من النخبة فى القدس، إلى جانب انعدام الأمن والخوف العميق من تحمل المسئولية”. وأضاف بشكل واضح أن نتنياهولا يتمتع بنواة قوية، ولا نواة صلبة”! وربما شاهدنا ذلك التناقض أخيرا بعد الفيديو الذى انتشر فى أكتوبر الماضى، وهو يلقى خطابا من مكان محصن فى القدس المحتلة، وهو يطمئن المستوطنين فى حين ترتعش يداه!

وبعد موجات الربيع والصيف والخريف المتقلبة، بقى على نتنياهو أن يستعد لشتاء قاس بين انخفاض شديد لدرجات الحرارة وأمطار رعدية، مع فرص لتساقط ثلوج غير مسبوقة، حتى ولو بالمعنى الرمزى وليس الحرفى، لأننا سنشهد تحولا داخل إسرائيل، وفى علاقتها بدول العالم، مما يبعثر أوراق نتنياهو، ويضع حلمه بوجود مستقر له ولها تحت الشمس فى مهب الريح!

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة