الحكومة الإسرائيلية لا تملك خطة الخروج الآمن.. والهجرة العكسية صداع فى رأس حكومة نتنياهو
موضوعات مقترحة
آلاف الإسرائيليين ينقلون استثماراتهم ويتقدمون بطلبات الحصول على جنسيات أخرى
فلسطينيو الداخل قنبلة موقوتة تهدد إسرائيل
نتنياهو: عشر كتائب تم تدريبها على سيناريو مواجهة العرب داخل إسرائيل
هروب الاستثمارات من تل أبيب .. و«فيتش» تخفض التصنيف
ازدهار تجارة الملاجئ يؤكد حالة الرعب فى الشوارع
دأبت إسرائيل على التعنت الشديد، وغير المبرر فى المفاوضات مع الفلسطينيين، منذ اندلاع حرب الإبادة التى تشنها على قطاع غزة، مع كل مساحة تكسبها على الأرض ترفع سقف مطالبها، والسؤال الذى يفرض نفسه الآن: هل بالفعل تريد إسرائيل مواصلة الحرب؟ أم أنها لا تعرف كيف تنهيها؟ كل المؤشرات تؤكد أن إسرائيل لا تعرف كيفية الخروج من مستنقع الدماء الذى ألقت بنفسها فيه.
وإذا كانت إسرائيل تملك خطة لدخول غزة ولبنان، فهى لا تملك خطة للخروج، خصوصا أنها لم تحقق أى هدف من الأهداف التى أعلنت عنها منذ بداية الحرب، برغم الدعم الأمريكى والغربى غير المحدود، وبالتالى فإن إنهاء الحرب بهذا الشكل، ودون الحصول على أى مكتسبات حقيقية، سيكون تأثيره كارثيا على الشارع الإسرائيلى، وسيمثل صدمة كبيرة، وسيعرض الحكومة الإسرائيلية، وعلى رأسها نتنياهو لعدد من المحاكمات، ولهذا تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى إطالة أمد الحرب، بأية وسيلة أملا فى تحقيق أى مكاسب على الأرض.
وقد أعلنت إسرائيل منذ بداية حربها على غزة، عن عدد من الأهداف، وهى القضاء على حركة حماس، واستعادة الرهائن، وضمان أن غزة لن تشكل خطرا على إسرائيل مستقبلا، وعودة سكان الشمال وغلاف غزة إلى منازلهم فى أمان، لكن وبعد مرور أكثر من عام على الحرب، لم تستطع إسرائيل تحقيق أى هدف من هذه الأهداف، بل على العكس فقد تضررت إسرائيل بشكل أكبر، وهو الأمر الذى أكده معظم خبراء الأمن الإسرائيليين بقولهم: إن الأمر الأكثر إثارة للقلق، هو أنه ليس من الواضح ما إذا كانت إسرائيل لديها إستراتيجية واضحة للخروج من غزة، الأمر الذى أثار مخاوف من أن الجيش الإسرائيلى، ربما يتورط فى حرب استنزاف.
وأضاف الخبراء، أن الحكومة الإسرائيلية بحاجة إلى ترجمة الإنجازات التكتيكية للجيش إلى نجاح سياسى، من خلال السعى إلى التوصل لاتفاق دبلوماسى، يعيد الأمن إلى شمال إسرائيل، وفى غياب مثل هذه الصفقة، ليس من الواضح متى سيتمكن نحو 60 ألف نازح، من العودة إلى ديارهم، لدرجة أن وزير الدفاع الإسرائيلى السابق جالانت كان له تصريح يقول فيه: إن إمكانية التوصل لاتفاق تتلاشى فى ظل استمرار حزب الله فى توثيق علاقته بحماس ورفض إنهاء الحرب، إذن فإن إسرائيل تبحث عن إيقاف الحرب، لأنها تعرف أن استمرار الحرب هو استمرار لخسائرها، واستمرت تصريحات وزير الدفاع السابق، والتى كانت سببا فى إقالته من منصبه، وكان أهمها “أن الحرب تسير وفق بوصلة عفا عليها الزمن، وأن هناك حاجة لتقديم تنازلات مؤلمة لتحرير الرهائن، وأننا لن نحقق كل أهدافنا العسكرية”.
كل هذه التصريحات، تؤكد المأزق الذى تعيشه إسرائيل الآن، سواء فى الخارج أم الداخل الإسرائيلى، وإذا كانت إسرائيل مع بداية الحرب استطاعت أن تكسب تعاطف العديد من الدول، بسبب الهجوم الذى تعرضت له يوم السابع من أكتوبر 2023، فإنها سرعان ما كشفت عن وجهها الحقيقى، بسبب حرب الإبادة التى شنتها وما زالت تشنها على غزة، مما دفع العديد من دول العالم للتصريح، بأن هناك حدودا للدفاع عن النفس، وأن ما يحدث من إسرائيل تجاه غزة ولبنان، هو جريمة حرب مكتملة الأركان، وبالتالى فقد فقدت إسرائيل أى تعاطف عالمى، وصولا إلى إصدار المحكمة الجنائية الدولية، مذكرتى اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع الإسرائيلى السابق يوآف جالانت، هذا القرار الذى من شأنه أن يضغط على حلفاء إسرائيل بشكل كبير، لعدم الاستمرار فى تقديم الدعم والأسلحة والذخيرة لإسرائيل.
لكن السؤال الأهم الآن: هل الأزمة التى تعيشها إسرائيل الآن هى نتيجة الضغوط الخارجية فقط، والتى تطالب إسرائيل بوقف الحرب؟ أم أن هناك ضغوطا داخلية أقوى؟! خصوصا أن كل المؤشرات تؤكد أن الداخل الإسرائيلى كان فى حالة غليان، حتى قبل هجمات السابع من أكتوبر، ولكنها زادت مع بداية الحرب، وأصبحت تمثل عبئا ثقيلا على الحكومة الإسرائيلية، بل وتهديدا بانهيار إسرائيل داخليا، وهناك العديد من الشواهد التى تؤكد ذلك، وفى مقدمتها الهجرة العكسية المتزايدة للإسرائيليين الباحثين عن حياة أكثر هدوءا، بعيدا عن صراعات الشرق الأوسط، وهو الأمر الذى ظهر فى خروج الطائرات مكدسة من مطار تل أبيب وعودتها فارغة، وهو الأمر الذى بات يشكل كابوسا يؤرق الحكومة الإسرائيلية، خصوصا أن إسرائيل تقوم فى الأساس على سياسة الاستيطان الإحلالى التهويدى، وذلك من خلال جذب اليهود من مختلف أنحاء العالم، لكن فى ظل قيام آلاف الإسرائيليين باتخاذ خطوات عملية وجدية غير مسبوقة نحو الهجرة، ونقل الأموال وشراء العقارات خارج إسرائيل، والتقدم بطلبات الحصول على جنسيات أخرى، أصبح يمثل عبئا ثقيلا على الحكومة الإسرائيلية.
ووفقا لبيانات سلطة السكان الإسرائيلية، فإن إجمال عدد الإسرائيليين الذين غادروا فى الصيف وأثناء موسم الأعياد، ولاحقا أثناء الحرب يزيد بنحو 550 ألفا، على إجمالى عدد المواطنين الذين عادوا إلى إسرائيل، فى حين تؤكد بيانات المكتب المركزى للإحصاء، أن نحو 60 ألف إسرائيلى، غادروا تل أبيب عام 2022، ولم يعودوا إليها طوال عام 2023، باستثناء زيارات قصيرة، وتم تسجيلهم فى سجلات الجهاز المركزى الإسرائيلى للإحصاء مهاجرين.
أيضا هناك المشكلة الأهم والأكبر، والتى تؤرق الحكومة الإسرائيلية، وهم عرب 48 والذين يفوق عددهم الآن 2 مليون، وهم يمثلون قنبلة موقوتة داخل إسرائيل، هؤلاء الذين عانوا من الظلم منذ عام 1948 وحتى الآن، وتعرضوا إلى التمييز المؤسسى فى الوظائف والتعليم والسكن، وهى حقيقة أكدتها جميع منظمات حقوق الإنسان، ومنذ السابع من أكتوبر من العام الماضى أصبح التعامل مع عرب الداخل أكثر عنفا، حيث أصبح العنف هو السمة الرئيسية فى ظل حكومة يمينية متطرفة، مما يؤكد أن هناك خطرا كبيرا على فلسطينيى الداخل، خصوصا فى ظل وجود تسليح متعمد للمستوطنين دون أى ضوابط، حتى الخطاب الرسمى هو الآخر مليء بالكراهية لأنهم يصنفون خطرا على الأمن القومى الإسرائيلي، خصوصا أنهم غير منفصلين عن الفلسطينيين فى غزة أو فى الضفة، وأيضا عن العائلات فى سوريا ولبنان والأردن، وهنا نقطة مهمة فإذا كانت إسرائيل تستطيع استعمال الطيران والمدفعية الثقيلة ضد سكان غزة، فهى لا تستطيع ذلك مع عرب الداخل.. وهو ما يطرح سؤالا مهما: هل هناك بوادر لنشوب حرب أهلية داخل إسرائيل؟.. إن ما نشاهده الآن على أرض الواقع هى اضطرابات داخلية فقط، لكنها تعتبر مقدمة لحرب أهلية بدرجة كبيرة، فكلما زاد عدد القتلى والجرحى، اقتربنا من مفهوم الحرب الأهلية، وزادت المساحة الجغرافية فى الاضطرابات، كانت الأسلحة أكثر تطورا وأكثر فتكا، كلما اقتربنا من الحرب الأهلية، إذن هذه المعايير هى التى تحدد، بمعنى أنه فى أى وقت، إذا توافرت هذه الأركان تندلع الحرب الأهلية.. وبرغم أن هذه المشاكل ليست جديدة ولا تتعلق فقط بالسابع من أكتوبر، فإن نتنياهو تحدث أكثر من مرة، عن خطر الداخل، وعن إجراء تدريبات محاكاة لمواجهة عرب الداخل فى حرب متعددة الجبهات، وفى هذه المواجهة المحتملة، أكد نتنياهو أن عشر كتائب تم تدريبها على سيناريو مواجهة العرب داخل إسرائيل.
يأتى ذلك وسط أزمة اقتصادية، تعيشها إسرائيل منذ بداية الحرب وتتزايد كلما طال أمد الحرب، حيث أعلنت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية أن هناك تراجعا كبيرا حل على الاستثمارات التكنولوجية فى تل أبيب، وسط مخاوف متزايدة مع استمرار الحرب على غزة، على مستقبل الاقتصاد العبري.
والأمر لم يتعلق فقط بشركات قطاع التكنولوجيا، بل إن استمرار الحرب قد يؤدى إلى إغلاق أكثر من 60 ألف شركة، وبحسب ما نقلت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” عن الرئيس التنفيذى لشركة “كوفيس بى دى آي” يوئيل أمير قوله: ليس هناك قطاع فى الاقتصاد الإسرائيلى محصن ضد تداعيات الحرب المستمرة، مضيفا أن الشركات تتعامل مع واقع معقد للغاية، فى ظل مخاوف من تصعيد الحرب، إلى جانب عدم اليقين فى شأن موعد انتهاء القتال، والتحديات المستمرة مثل نقص الموظفين وانخفاض الطلب، وتزايد حاجات التمويل وزيادة تكلفة المشتريات والمشكلات اللوجستية.
ومن جهتها قالت رئيسة البنك المركزى الإسرائيلى السابقة كارنيت فلوج: إن الاقتصاد فى الوقت الحالى يعانى بصورة هائلة عدم اليقين، وهذا مرتبط بالوضع الأمنى واستمرار الحرب، وما إذا سيكون هناك مزيد من التصعيد.
وحسب آخر الإحصائيات المعلنة فإن تكلفة الحرب الإسرائيلية على غزة قد تصل إلى 67 مليار دولار، بشقيها العسكرى والمدنى، وهو ما يؤكد أن الأزمة الاقتصادية الغارقة فيها إسرائيل، سترافقها سنوات طويلة لتكون أطول من أى أزمة اقتصادية سابقة.
وفى ضربة قوية للاقتصاد الإسرائيلى، خفضت وكالة فيتش التصنيف الائتمانى لإسرائيل من “A+” إلى “A” مشيرة إلى تفاقم المخاطر الجيوسياسية مع استمرار الحرب فى غزة، وأبقت وكالة فيتش للتصنيف الائتمانى على نظرتها المستقبلية للتصنيف عند مستوى سلبى، وهو ما يعنى إمكانية خفضه مرة أخرى.
ومن ناحية أخرى، عادت قضية تسريب الوثائق السرية من وحدة الاستخبارات العسكرية “أمان”، للتفاعل مجددا بإسرائيل، وذلك بعد أن سمحت محكمة الصلح برفع حظر النشر عن جزء كبير من التسريبات.
كما أثارت قضية سرقة الوثائق السرية من الجيش الإسرائيلى، ونقلها إلى مكتب نتنياهو، ومن ثم تسريبها لوسائل إعلام أجنبية جدلا واسعا بإسرائيل، بعد أن تكشف أن الهدف من سرقة الوثائق والتلاعب بمضمونها وتسريبها، هو التأثير على الرأى العام الإسرائيلى، لرفض قبول صفقة تبادل الأسرى، وخلق أجواء مناهضة لحركة الاحتجاج ضد حكومة نتنياهو، بزعم أن الاحتجاجات تعزز قوة وموقف حركة حماس.
وكما هو معروف فإن آلاف الإسرائيليين، لاسيما أهالى الأسرى المحتجزين فى القطاع الفلسطينى، يضغطون منذ العام الماضى على الحكومة الإسرائيلية، من أجل صفقة تبادل الأسرى مع حماس ووقف الحرب، فإن نتنياهو أكد أكثر من مرة، أنه ماض فى خططه من أجل القضاء على الحركة، رافضا الانسحاب التام من غزة.
وهو الأمر الذى دفع موقع “والا”، العبرى أن يقول: إن إسرائيل تخوض حربا وجودية لا على الجبهة الخارجية فحسب، بل على الجبهة الداخلية أيضا، وذلك بعد أن بات سياسيون، بينهم وزراء بارزون يعملون على ما سماه تفكيك الجبهة الداخلية، بإلقائها فى براثن أزمة دستورية.
كذلك كان ازدهار تجارة الملاجئ فى إسرائيل، دليلا على حالة الرعب والهلع التى يعيشها الشارع الإسرائيلى، والتى أصبحت تمثل عبئا ثقيلا مضافا على الحكومة الإسرائيلية، فلم تعد المشكلة تتمثل فقط فى عدم قدرة سكان الشمال وغلاف غزة على العودة لمنازلهم، وإنما أيضا فى لجوء الجميع إلى الملاجئ، مع دوى صفارات الإنذار مع كل صاروخ، أو مسيرة تخترق الأجواء الإسرائيلية، لكنهم هذه المرة يتخوفون أكثر من أى وقت مضى من تصعيد خطر يصعب إيقافه، لدرجة أن السكان فى أغلب الوقت أصبحوا يعيشون فى الملاجئ، ومع تزايد الهجمات يهرع الإسرائيليون لشراء المؤن والمستلزمات، وغيرها من السلع المتعلقة بالطوارئ، وتخزينها فى الملاجئ، التى من المتوقع المكوث فيها أياما عديدة، ويشترط قانون الدفاع المدنى الإسرائيلى منذ عام 1951، أن تحوى جميع المنازل والمبانى السكنية والمنشآت الصناعية فى إسرائيل، ملاجئ محصنة مضادة للقنابل والصواريخ، لحماية الإسرائيليين عندما تنطلق صافرات الإنذار.
وبينما تؤكد إحصاءات رسمية إسرائيلية، صدرت عام 2020 نجاح إسرائيل فى تأمين ملاجئ لنحو 6 ملايين إسرائيلى، من سكانها البالغ عددهم نحو 9 ملايين نسمة، تشير صحيفة “وول ستريت جورنال”، الأمريكية إلى أن نحو ثلث الإسرائيليين، لا يمتلكون ملاجئ فى مبانيهم، أو يعيشون قرب ملجأ عام يمكنهم الوصول إليه قبل سقوط صاروخ أو قذيفة، وهو ما جعل الحكومة الإسرائيلية، تصدر قانونا يشترط على أى مطور عقارى إنشاء غرفة محصنة داخل كل شقة جديدة، أيضا البنوك الإسرائيلية أقدمت هى الأخرى على تقديم قروض خاصة بإنشاء الملاجئ فى المساكن القديمة، خصوصا أن حاجة إسرائيل الملحة لبناء الملاجئ لم تقتصر على المناطق الساخنة المحيطة بقطاع غزة وعلى الحدود مع لبنان، إذ أدى توسع الصراع إلى زيادة الحاجة للملاجئ فى المدن الكبيرة، التى تستهدف بالصواريخ، وتمتلك مدينة تل أبيب 168 ملجأً تحت الأرض و356 آخرين فى المؤسسات التعليمية أو مبانى البلدية الأخرى، فى حين تضم مدينة حيفا التى يقطنها نحو 280 ألف نسمة 110 ملاجئ عامة، ناهيك عن مئات الملاجئ الخاصة داخل المبانى السكنية، وهو ما يشير إلى حالة الرعب والهلع التى يعيشها الشارع الإسرائيلى الآن، الأمر الذى يؤكد رغبتهم الشديدة فى إنهاء الحرب، مما يمثل ضغطا شديدا على الحكومة الإسرائيلية، التى أصبحت تواجه ضغوطا داخلية أقوى من الضغوط الخارجية.. بعد أن أدرك الشارع الإسرائيلى، أن الأمان ليس فى الملاجئ وإنما الأمان فى السلام.
ومن كل ما سبق فإن السؤال الذى يطرح نفسه الآن وبقوة: هل أصبحت الجبهة الداخلية هى الأخطر على إسرائيل الآن؟