Close ad

التحقيق فى جرائم حرب غزة وضعها فى مرمى التشويه..«الجنـائيـة الدوليــة» تخوض معركة وجود

2-12-2024 | 21:48
التحقيق فى جرائم حرب غزة وضعها فى مرمى التشويه;الجنـائيـة الدوليــة; تخوض معركة وجودالمحكمة الجنائية الدولية
إيمان عمر الفاروق
الأهرام العربي نقلاً عن

«الجارديان»: تهديدات وهجمات إلكترونية وتجسس على أعضاء المحكمة من قبل جهاز «الموساد»

موضوعات مقترحة

التحقيق فى جرائم إسرائيل وضع كريم خان فى مرمى التشويه.. ونظيرته السابقة بنسودا تم حظر سفرها بسبب التحقيق فى جرائم أمريكا فى أفغانستان

النواب الأمريكى أقر مشروع قانون يسمح بفرض عقوبات على المحكمة إذا ما حققت أو حاكمت أشخاصا محميين من قبل واشنطن أو حلفائها

12 عضوًا جمهوريا بـ «الشيوخ الأمريكى» يهددون كريم خان بفرض عقوبات عليه قبل وقت قصير من إصدار مذكرات الاعتقال

ميتشى ماكونيل لأعضاء الجنائية: «استهدفوا إسرائيل وسنستهدفكم.. لقد تم تحذيركم»

المحكمة تأسف لمحاولات تقويض استقلالها ونزاهتها وتؤكد أن هناك تهديدات بالانتقام من المحكمة ومسئوليها

«قطع ألسنة العدالة، ووأد الحقيقة» عنوان عريض يلخص ما يتعرض له كريم خان المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية، حيث يواجه حملة تشهير كبيرة، من بينها مزاعم بارتكابه أعمال تحرش، ويطالب قادة حملة التشهير بضرورة فتح تحقيق مع كريم خان فى تلك الاتهامات، بينما هناك ما يكفى من الدلائل التى تؤكد «التحرش السياسى»، من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، بهيئة المحكمة الجنائية الدولية، وتوجيه أبواق الإعلام الغربى ضدهم، مما يضع مستقبل المحكمة على المحك، والسبيل لإنقاذه هو التضحية بكريم خان، كشرط أساسى، كأن الأمر مقايضة، كما أعلنتها مجلة «فورين بولسى»، صراحة فى أحد عناوينها، الذى يعنى ضمنيا أن كيان المحكمة يواجه «معركة وجود»!

وضع التحقيق فى الجرائم الإسرائيلية بحرب غزة، المحكمة الجنائية الدولية فى طليعة مسرح السياسة العالمية، لتواجه ضغوطا على جبهات متعددة داخلية وخارجية، وقد تم الكشف سابقا عن أدلة على التهديدات الإسرائيلية والأمريكية، ضد المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية. وتزعمت صحيفة "الجارديان"، البريطانية الكشف عن سلسلة التهديدات والتجسس اللذين تعرضت لهما المحكمة الجنائية الدولية، من قبل جهاز "الموساد"، لعرقلة محاكمة إسرائيل على جرائم الحرب، التى ترتكبها فى فلسطين، واستمرت تلك الحملة لعقد من الزمان، شملت التجسس والهجمات السيبرانية والترهيب، ويشير التحقيق إلى حادثة وقعت فى عام 2015، بظهور مجهولين أمام منزل فاتو بنسودا المدعية العامة السابقة، ومعهما مظروف يحتوى على نقود ورقم هاتف إسرائيلى، وتم تفسير الأمر على أنه إشارة من إسرائيل، بأنهم يعرفون مكان إقامتها وذلك بمثابة رسالة تهديد لها، فما كان من المحكمة الجنائية، إلا أن عززت من الإجراءات الأمنية حول منزلها عقب تلك الواقعة المريبة، وفى هذا السياق، تأتى مزاعم اتهام المدعى العام الحالى كريم خان بارتكاب أعمال تحرش!.
عندما كانت الدول الأعضاء فى المحكمة الجنائية الدولية، تبحث عن رئيس جديد لمكتب المدعى العام قبل أربع سنوات، فشلت قائمتهم الأولية للمرشحين فى جذب التوافق، وكانت هناك جولات متعددة من المشاورات التى فشلت فى بناء توافق حول شخص واحد، كان كريم خان فقط فى القائمة الثانية الاحتياطية، قدم المثمنون هذا التصنيف، واصفين السيد كريم خان بأنه " يتمتع بكاريزما خاصة، وواضح فى التواصل، وهو مدرك جيدًا لمهامه"، وفى فبراير 2021 تم انتخابه.

والآن، بينما تستعد المحكمة لاجتماعها السنوى لوضع ميزانيتها فى ديسمبر مع الدول الأعضاء، بدأت الشقوق تظهر بالجدار الخارجى، فقد وضع التحقيق فى جرائم حرب غزة، المحكمة فى مرمى حملات التشويه. لقيادتها وعائلاتهم، وتواجه المؤسسة ضغوطاً على جبهات متعددة، خارجياً وداخلياً، ويتساءل أنصار المحكمة عما إذا كانت الدول، سوف تتدخل لحماية المؤسسة التى تفاوضت عليها فى عام 1998، فى روما؟
وقد قبلت فلسطين اختصاص المحكمة، وأودعت وثيقة انضمامها إلى النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية، فى يناير 2015، ووفقاً لتقرير بصحيفة "الجارديان" ، فإن جهاز الأمن الخارجى الإسرائيلى "الشاباك"، ومديرية الاستخبارات العسكرية "أمان"، ووحدة الاستخبارات الإلكترونية 8200، شاركوا فى عمليات، تستهدف المحكمة الجنائية الدولية منذ ذلك التاريخ.

كما جاءت الضغوط على المحكمة الجنائية الدولية من الولايات المتحدة، الداعم الرئيسى لإسرائيل، ووفقا لممثلة الاتحاد الدولى لحقوق الإنسان لدى المحكمة، فإن "العقوبات الأمريكية لعام 2020، استهدفت كبار مسئولى المحكمة الجنائية الدولية، بما فى ذلك المدعية العامة السابقة فاتو بنسودا، مما أدى إلى تعطيل وصولهم إلى الخدمات المصرفية العالمية، ومن ثم رفض البنوك غير الأمريكية تقديم الخدمات، وفقدان التغطية التأمينية، وصعوبات فى التعاقد مع العديد من المزودين التجاريين".

وكان مجلس النواب الأمريكى قد سبق، وأن أقر مشروع قانون يسمح بمعاقبة المحكمة الجنائية الدولية، وبفرض عقوبات عليها، إذا ما حققت أو حاكمت أشخاصا محميين من واشنطن أو حلفائها، وبينما نادى بعض النواب ببعث رسالة تأييد قوية لإسرائيل، وعدم ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية مستقبلا، مسئولين وجنودا أمريكيين، عارض آخرون القانون بحجة أنه يضر بعض حلفاء الولايات المتحدة، الذين يتعاونون مع المحكمة مثل اليابان وفرنسا، وكان قد تم فى وقت سابق من هذا العام، دعم وثيقة مشروع القانون من قبل تسعة مشرعين، ويؤكد نصها المقدم بمبادرة من الجمهوريين، على أن واشنطن يجب أن تفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، إذا حاولت التحقيق، أو احتجاز أو اعتقال أو استدعاء أى شخص تحت حمايتها إلى العدالة، وتشمل تلك الفئة الأمريكيين، بما فى ذلك العسكريين، وكل من يعمل لحساب الحكومة الأمريكية ومواطنى الدول المتحالفة مع واشنطن، وتشمل العقوبات رفض إصدار تأشيرات، وتجميد الأصول فى الولايات المتحدة، ومنع المواطنين والشركات الأمريكية من التعامل مع المتهمين.

وفى إبريل الماضى، هدد 12 عضوًا جمهوريًا فى مجلس الشيوخ الأمريكى كريم خان، بفرض عقوبات عليه، وذلك قبل وقت قصير من إصدار المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية، مذكرات اعتقال علنية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، ووزيرالدفاع السابق يوآف جالانت.

وكتب أعضاء مجلس الشيوخ، بمن فيهم ميتش ماكونيل، زعيم الجمهوريين فى مجلس الشيوخ الأمريكي، "إذا أصدرتم مذكرة اعتقال للقيادة الإسرائيلية، فسوف نفسر هذا ليس فقط على أنه تهديد لسيادة إسرائيل، ولكن لسيادة الولايات المتحدة. لقد أظهرت بلادنا فى قانون حماية أفراد الخدمة العسكرية الأمريكية، المدى الذى سنذهب إليه لحماية هذه السيادة". "استهدفوا إسرائيل وسنستهدفكم، لقد تم تحذيركم".

وتقول كارمن تشيونج، المدير التنفيذى لمركز العدالة والمساءلة: " من يتم انتخابه كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، عليه واجب والتزام بضمان بقاء سيادة القانون قوية فى الولايات المتحدة، وأن نستمر فى لعب دور مهم على الساحة الدولية، عندما يتعلق الأمر بالعدالة الدولية. وهذا يعنى، أولاً وقبل كل شىء، وضع حد للاستمرار فى مهاجمة المحكمة الجنائية الدولية، وتشويه سمعتها كما فعلنا سابقا ونفعل الآن".

فى مايو الماضى 2024، حذر مكتب المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية أى شخص يحاول التدخل فى عمليات المحكمة، من أن مثل هذه الإجراءات، قد تشكل جرائم ضد إدارة العدالة بموجب المادة 70 من نظام روما الأساسى، المعاهدة التأسيسية للمحكمة الجنائية الدولية، ويجب أن تتوقف على الفور، وأعربت رئاسة جمعية الدول الأطراف فى المحكمة عن "قلقها"، فى نفس الشهر بشأن "التصريحات العامة الأخيرة" المتعلقة بالتحقيق فى فلسطين، وقالت فى بيان صحفى لها: "تأسف الرئاسة على أى محاولات لتقويض استقلال المحكمة ونزاهتها وحيادها. قد تشكل بعض التصريحات تهديدات بالانتقام من المحكمة ومسئوليها، فى حالة ممارسة المحكمة لوظائفها القضائية، كما هو منصوص عليه فى نظام روما الأساسى".

وقد اتبعت الدول الأعضاء فى المحكمة الجنائية الدولية، دليلاً ونهجا خاصاً بها للتعامل مع الهجمات على محكمتها، ففى يونيو من هذا العام، أصدرت 93 دولة بياناً مشتركا، أعربت فيه عن "دعمها الثابت للمحكمة كمؤسسة قضائية مستقلة ونزيهة"، وكان أحد الاقتراحات الأخرى"استخدام منشورات وسائل التواصل الاجتماعى، من الحسابات الحكومية الرسمية للرد بسرعة على التهديد أو الهجوم، حتى قبل إصدار البيانات الرسمية"، وبحسب ممثل الاتحاد الدولى لحقوق الإنسان بالمحكمة "إن الدول الأعضاء فى المحكمة الجنائية الدولية، بحاجة إلى الدفاع بشكل عاجل ونشط عن استقلال المحكمة وبقائها، لأن المحكمة الجنائية الدولية ليست مصممة لتحمل هذه التهديدات والهجمات وحدها".

وتصف "فيرجينى أماتو"، من التحالف من أجل المحكمة الجنائية الدولية، وهى منظمة غير حكومية، الوضع الحالى بأنه وقت حرج بالنسبة للمحكمة، لأنه على الرغم من أن "كل هذا حدث من قبل"، فإن الضغوط "تجددت مع مخاطر أكبر هذا العام"، وكل هذه الضغوط "تهدف إلى تقويض استقلال المحكمة وعملها".

وتعانى المحكمة حاليًا من "التعامل مع عواقب هجوم إلكترونى خطير، أعقبته تهديدات إلكترونية مستمرة ومحاولات هجمات أخرى"، كما هو موضح فى عرض الميزانية، الذى يطلب زيادة بنسبة ٪10 على العام الماضى، بما فى ذلك أكثر من 4 ملايين دولار للأمن السيبرانى.

مجلة "فورين بولسى" الأمريكية أعلنتها صراحة فى عنوان حمل صيغة شرطية لإنقاذ المحكمة الجنائية جاء بالنص: "لحماية المحكمة الجنائية الدولية، يجب على المدعى العام أن يتنحى"، وهو ما يعنى ضمنيا أن المحكمة تواجه معركة "وجود" أو تهديد مصير، وجاء فى افتتاحية التقرير:"أن مزاعم سوء السلوك الأخلاقى، تهدد بتقويض الدور المهم الذى تقوم به المحكمة، ومن الضرورى إجراء تحقيق مستقل لدعم سلطتها الأخلاقية".

سوابق تاريخية أخرى تشهد على الملاحقات المتعمدة من الجانب الأمريكى للتشهير، والانتقام من مسئولى المحكمة الجنائية، فى عام 2019 أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، أنها ستقوم بإلغاء أو رفض تأشيرات الدخول لأعضاء المحكمة الجنائية الدولية، المشاركين فى التحقيق فى ممارسات القوات الأمريكية فى أفغانستان أو دول أخرى. واستهدفت العقوبات وقتها المدعية العامة السابقة فاتو بنسودا وموظفين آخرين فى المحكمة، وفرضت تجميد الأصول وحظر السفر.

 وقال وزير الخارجية الأمريكى آنذاك "مايك بومبيو" إن واشنطن مستعدة لاتخاذ خطوات أخرى، بما فى ذلك العقوبات الاقتصادية، إذا مضت محكمة جرائم الحرب، قدما فى أى تحقيقات مع أفراد من الولايات المتحدة أو حلفائها، وأضاف بأن المحكمة الجنائية الدولية تهاجم سيادة القانون فى أمريكا، وكانت المدعية العامة السابقة فاتو بنسودا، قد طلبت من القضاة فى نوفمبر 2017، تفويضا لفتح تحقيق فى جرائم حرب مزعومة فى أفغانستان.

وجاء إعلان بومبيو، عن فرض قيود التأشيرات، كأول إجراء ملموس تتخذه الولايات المتحدة الأمريكية، ضد المحكمة الجنائية الدولية، منذ هدد البيت الأبيض بالانتقام من المحكمة، وقال "أعلن عن سياسة فرض قيود على التأشيرات الأمريكية، على الأفراد المسئولين بشكل مباشر عن أى تحقيق تجريه المحكمة الجنائية الدولية ضد موظفين أمريكيين، وأضاف للصحفيين، أن هذا سيشمل أى شخص يتخذ أو اتخذ إجراء لطلب تحقيق أو مواصلته، وقال إن التأشيرات قد تحجب أيضا عن موظفى المحكمة الجنائية الدولية، المشاركين فى إجراء تحقيقات مع حلفاء الولايات المتحدة وبخاصة إسرائيل.
وأخيرا، فإن ما تتعرض له المحكمة الجنائية الدولية، أشبه بحرب الإبادة التى يتعرض للشعب الفلسطينى والمؤسسات التى تدافع عنه، فهل تفلت من تلك المحاولات أم ستظل جرائم الإبادة مستمرة؟

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة