Close ad

الرهان على بن سلمان

27-11-2024 | 14:37

تبدو المؤشرات كلها على أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يراهن بقوة على السعودية، وبصورة خاصة على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في تشكيل "تحالف جديد" بين واشنطن والرياض، ولكن من منظور ترامب، ووفقًا لأسلوبه المتمثل في تغليب حدسه الشخصي والعلاقات الشخصية وعقد الصفقات من أجل جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى. 

وفي المقابل تبدو الدولة السعودية تراهن بقوة على محمد بن سلمان، ونجاحه في بناء علاقة وثيقة وشخصية مع ترامب ودائرته المقربة لتعزيز نفوذ السعودية على الساحة الإقليمية والدولية. 

ولكن جرت مياه كثيرة في نهر العلاقات السعودية الأمريكية، ووسعت الرياض من أوراقها ومصالحها وشركائها، وتبنت سياسة متوازنة، ولم تعد تخفي رغبتها في ضرورة التعامل معها بوصفها دولة كبرى في عالم متعدد الأقطاب يتشكل بقوة الآن. 

السعودية الجديدة رسم أجندتها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في حوار مهم في سبتمبر 2023 مع شبكة فوكس نيوز، وأحسب أن ترامب عليه أن يتعامل مع هذه الرؤية الواثقة خاصة أنها صمدت في وجه إدارة بايدن الراحلة.

وخلال حواره مع «فوكس نيوز»، وضع الأمير محمد بن سلمان النقاط فوق الحروف بشأن كل القضايا موضع التشابكات مع الإدارات الأمريكية، فقد أوضح الأمير موقف السعودية الراسخ من تطبيع العلاقات مع إسرائيل، الذي يشترط فيه الوصول إلى حل عادل للقضية الفلسطينية، وأكد كذلك قناعة المملكة بمسار تطبيع العلاقات مع إيران، ومصلحتها في متابعة سياسة توازن بين استقرار السوق وعدالة السعر في مجال الطاقة، ودافع عن عَلاقات بلاده مع الصين وروسيا وموقف المملكة من أزمة أوكرانيا، وهي القضايا التي تتشابك فيها عَلاقات الرياض وواشنطن، وقد يختلفان في وجهات النظر بشأن بعضها.

ولقد كان موقف الأمير من هذه الملفات حاسمًا وعكس ثقة بسلامة الموقف السعودي وموضوعيته، وأكد عزم الرياض على متابعة سياسة خارجية نشطة وفعَّالة تضع المصالح الوطنية السعودية فوق كل اعتبار، بما في ذلك تنويع الشراكات على الساحة الدولية، والتموضع بين أندية الكبار سياسيًّا واقتصاديًّا، وتحقيق الاستقرار الإقليمي لدفع عجلة الاقتصاد في الداخل والمنطقة، وفي الأخير تموضع المملكة إقليميًّا ودوليًّا بحيث تتبوأ المكانة التي تليق بإمكاناتها ومواردها ومكانتها ودورها، وعدم الرضوخ للضغوط والابتزاز، والعمل على بناء عَلاقات متوازنة.

والأهم من ذلك ما أشار إليه الأمير محمد بن سلمان خلال الحوار بتأكيده وجود مفاوضات حول وثيقة تعاون دفاعي بين الجانبين يرى الأمير محمد بن سلمان أنها «ستعزز مصالح أمريكا والمصالح الأمنية والمصالح العسكرية، وكذلك المصالح الاقتصادية»، كما أنها «ستوفر الجهد والصداع من الجانب السعودي لعدم التحول إلى أماكن أخرى».
 
وفي اللحظة الراهنة يمكن القول أنه لو كللت الجهود بالنجاح، وتمكنت الدولتان من عقد هذه الشراكة، فإن البلدين -وفقا للخبراء السعوديين- ربما على بُعد خطوات مما يمكن تسميته بـ«التأسيس الثاني للعَلاقات الإستراتيجية»، وذلك بعدما انتهت مرحلة التأسيس الأولى التي أرسى أُسُسها الملك عبدالعزيز مع نهاية الحرب العالمية الثانية، إذ من المتوقع أن تتحوَّل العَلاقة من التحالف الأمني الذي قد خفت تأثيره خلال السنوات الماضية إلى اتفاق أوسع نطاقًا يتناسب مع الواقع الراهن ومكانة السعودية خلال المرحلة الحالية على الصعيدَين الإقليمي والدولي، وهو بلا شك نجاح كبير للسعودية وثمرة لبراعتها في إدارة واحد من أهم ملفاتها الخارجية.

 ويرى كثير من الخبراء أنه بالنظرِ إلى التحولاتِ في المشهدِ الدولي والإقليميِ، قد تَتَخِذُ سياساتُ ترامب تِجاَهَ المملكة منحىً مختلفًا عمّا كانت عليه سابقًا، على سبيلِ المثال، مع استمرارِ التنافسِ مع الصين وروسيا، قد يسعىَ ترامب إلى تعزيزِ التحالفاتِ في الشرقِ الأوسطِ، بما في ذلك مع السعوديةِ، لاحتواءِ نفوذِ هذه القوى الصاعدةِ، بالإضافةِ إلى ذلك، التَّحَدّياتُ الاقتصاديةُ العالميةُ والتحولاتُ في أولوياتِ السياسةِ الخارجيةِ الأمريكيةِ قد تدفعُ بترامب إلى إعادةِ تقييمِ إستراتيجياتِ التعاونِ مع السعودية، خصوصًا في مجالاتِ الطاقةِ والاستثمارِ، وقد يؤدي هذا إلى تعزيزِ الشراكاتِ الاقتصاديةِ، والبحثِ عن فرصٍ جديدةٍ للتعاونِ المشتركِ.

ووفقًا لتقديرات الخبراء في الغرب فإنه على الأرجح أن يُرَكِّزَ ترامب على تعزيزِ التعاونِ مع الرياض في مجالاتِ الدفاعِ والاقتصادِ، مما قد يُعيدُ تشكيلَ العلاقاتِ بين السعودية وواشنطن، وقد تسعى السعوديةُ إلى تعزيزِ اتفاقياتٍ دفاعيةٍ مع الولاياتِ المتحدةِ في ظِلِّ التهديداتِ المتزايدةِ من إيران، والتحدياتِ الإقليمية الأخرى.
 
في الوقتِ نفسهِ، العلاقاتُ الاقتصاديةُ والتجاريةُ بين السعودية والصين قد تؤثرُ أيضًا على دينامياتِ العلاقة مع  واشنطن؛ فقد تَسْعى السعوديةُ إلى الحفاظِ على توازنٍ دقيقٍ بين تعزيزِ علاقاتِها مع الولاياتِ المتحدةِ وحمايةِ مصالحهِا الاقتصاديةِ مع الصين، خاصة في ظل التوترات التجارية بين واشنطن وبكين، في المجملِ ستحتاجُ الرياضُ إلى توازنٍ دقيقٍ في علاقتهِا مع الصين لمواجهةِ التحدياتِ التي تَفرِضُها المنافسةُ بين القوى الكبرى.

كما قد يكونُ من الصعبِ على ترامب إقناعُ السعودية بإعادةِ العلاقاتِ الدبلوماسيةِ مع إسرائيل في ظِلِّ التَّحَولاَتِ الأخيرةِ في السياسةِ الخارجيةِ السعودية، بما في ذلك التقاربُ مع إيران وتحفظاتهُا تجاه السياساتِ الأمريكية الحالية، هذا يمكنُ أن يَحُدَّ من فعاليةِ إستراتيجية ترامب ويجعلُ تحقيقَ اتفاقيةِ تطبيعٍ شاملةٍ أكثر تعقيدًا.

ومن المهم أن نسجل هنا أن علاقات واشنطن والرياض تعرضت لاختبارات كثيرة من قبل، ولكن تمكنت الدولتان من الحفاظ على علاقتهما. وحتى في ظل توتر غير مسبوق مع إدارة بايدن فقد تعالت أصوات بعض الحكماء فى واشنطن وحذرت من أن الخلاف الأمريكى السعودى خرج عن السيطرة، وهناك حاجة إلى وقفة صارمة تمنع استمرار التدهور في علاقات الدولتين. 

وربما لم يستوعب الأمريكان لأول وهلة حجم التغيير الجاري في السياسة السعودية، وأسَّسوا قناعاتهم على الأفكار القديمة، وعلى طابع العَلاقات التاريخية التي كانت تتدفق خلالها المصالح في اتجاه واحد، وعلى فاعلية الضغوط، 
ونجحت الجهود وجرى "تعايش صعب"، وذلك نظرًا لأن واشنطن والرياض تجمعهما أهداف فى الحفاظ على أمن الشرق الأوسط وإمدادات النفط، وقضايا أمن الخليج. 

ولا يعتقد الخبراء السعوديون أنه يمكن أن يكون توثيق العلاقات مع الصين وروسيا بديلا للمظلة الأمنية الأمريكية، ولا يعتقد الخبراء الأمريكيون أن الطاقة الخضراء جاهزة لتحل محل النفط في أي وقت قريب، كما تؤمن النخبة السعودية بجاذبية النموذج الأمريكي علميًا وتعليميًا واقتصاديًا وعسكريًا واستثماريًا مقارنة بنظيره فى روسيا أو الصين، من هنا ترتبط النخبة السعودية بالولايات المتحدة بصور معقدة وقوية. 

وفي الوقت الذي استمرت فيه العلاقات باردة ما بين الرياض وواشنطن، لم يكن لدى السعودية إلا التطلع لتغيير في البيت الأبيض، ورحيل بايدن وهاريس؛ للحفاظ على إستراتيجية العلاقات في المستقبل، وقد وفرت الانتخابات وفوز ترامب فرصة لشراكة جديدة تراعي الزمن الجديد، وفيما يبدو أن الولايات المتحدة قد بدأت تستوعب بداية سوء تقديرها وحساباتها تجاه السعودية الجديدة، وثانيًا سوء تقديرها لأهمية السعودية باعتبارها شريكًا وحليفًا إستراتيجيًّا، لا سيَّما في ظل الواقع وتغيُّراته الجارية التي أظهرت أن الرياض حليفٌ مُهمٌّ لا غنى عنه إذا ما أرادت الولايات المتحدة الحفاظ على نفوذها الإقليمي ودورها الرائد على الصعيد الدولي، وخاصة في ظل تقلبات وتطورات النظام الدولي، ومصالح السعودية المستجدة، والحقوق والمصالح العربية التي جرى تجاهلها كثيرًا، وضرورة إقامة الدولة الفلسطينية، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، ومصالح السعودية وحقها في سعر عادل للبترول، والسلام والاستقرار من أجل التنمية ورخاء شعبها والشعوب العربية، وذلك كله شروط لا مفر منها للحفاظ على علاقات استثمر فيها الطرفان السعودي والأمريكي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى الآن.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: