أشعر أنى غريبة عن هذا الواقع الذى أعيشه وكأنى قد أتيت من زمن بعيد له آلياته وقوانينه الخاصة حيث القيمة الحقيقية تكمن فى قلب الإنسان وأحاسيسه ما يجعل للحب مقياسا للتعامل بين الناس وأساسا له، أما واقعى هذا فماديته الصرفة تجثم على روحى، تخنقنى ولا أدر كيف عشت فيه طفولتى وصباى حتى أصبحت زوجة وفى رقبتى أطفال بات محتما على أن أكون لهم الأب والأم بعد وفاة زوجى.
موضوعات مقترحة
أنا التى ولدت ابنة وحيدة لأسرة ميسورة الحال ليس لى فى الحياة غير أمى وأبى وشقيقى فكنت مرفهة إلى حد كبير لا أعرف معنى للمسئولية ولا حاجة لى لبذل جهد للحصول على ما أريد فكل ما أريده ملبى على الفور وتمتد بى الأيام إلى مرحلة الصبا وفتوة الشباب وفتنة أنوثة جعلت منى حلما لفتيان كثيرون يرون أن خراط البنات اجتهد فى صورتى ومات بعدها.
كنت قد حصلت على قسط لا بأس به من التعليم ساعدنى على ممارسة القراءة والغوص فى عوالم وحكايات أخذت منى عقلى وروحى حتى أدمنت قراءة الروايات والقصص الرومانسية وكأن هذه القصص وعوالمها هى عالمى الحقيقى الذى أتيت منه، وعندما طرق بابى رجل كانت هيئته ثرية طالبا يدى كللت رغبته بالقبول فلم يكن هناك ما يعيبه بمقاييس الناس فى العريس المناسب ثراء ونسبا وشبابا وإيجابية فى الحياة فقد أخبرونى أنه إنسان عصامى بنى نفسه بنفسه وحقق مالا انتقل به إلى مستوى إجتماعى أعلى بكثير مما كان يطمح إليه وأنه أتانى لأشاركه حياته وحال أهلى يقول لى أن أمى دعت لى فى ساعة استجابة لأنال هذا العريس ولكن ما جعلنى أقبله أنى توسمت فى هيئته ملامح تتطابق مع الرجل الذى تخيلته بطلا فى روايات القصص الرومانسية.
بدت حياتى معه هادئة تحمل كل أسباب السعادة فلم يكن يبخل على لا بالمال ولا بالاهتمام الزائد إلى حد المبالغة وكأنى غادرت بيت أبى ودفئ الحياة فيه إلى بيت الحنان والدفئ فيه أكثر بكثير وقد لا يتصور إنسان أنى شعرت تجاه زوجى بعاطفة تبدو غريبة بعض الشئ فلم تكن عاطفتى حبا بقدر ما كانت احتواء منه امتلأت به حد السعادة وأنجبت منه طفلا تلو الآخر أعوض وحدة طفولتى فيهم، خمسة أطفال هم كل حياتى وأبيهم درتها ولأنى أراه فارسا أسطوريا كانت رغباته عندى كأنها قدر مكتوب لا مرد له وعندما فاتحنى برغبته فى الزواج من أخرى لم تعترينى غيرة النساء الفطرية واقتنعت أنه يشبع رغبة فى نفسه فى حلال أفضل من أن يزج بحاله للحرام وكان كريما معى فلم ينقص اهتمامه بى ولا سخاءه معى أو أولادى حتى عندما تزوج ثالثة ورابعة كنت أنا أساس البيت عنده ونقطة ارتكاز الحياة لتمضى بنا الأيام على وتيرتها ويختفى زوجى من الدنيا تاركا حملا ثقيلا على عاتقى أشعر بالعجز نحوه فكيف لى برعاية خمسة أبناء فى مراحل عمرية مختلفة وأنا لم أتحمل مسئولية قط، صحيح والدهم ترك لهم ثروة تسترهم فى المعيشة ولكنى وحدى كيف أسوسهم وأفلح فى تربيتهم؟
فى ظل حيرتى ظهر فى حياتى إنسان كان طوق نجاة لى وأبنائى، بعثه الله لى يقف إلى جوارى، يعيننى على حقوق أولادى من صراعات أشقاء لهم من أبيهم وأتاحت لنا الأقدار أن نتزوج ونتشارك الحياة بكل ما فيها من أحوال ولعلى معه وجدت الحب الذى كنت أحلم به فى صباى من فرط ما كان يكنه لى من عاطفة أشعرتنى بأنوثتى كأنى هانم من هوانم الزمن الجميل إلا إنى اصطدمت بطباعه الحادة، خوف على وغيرة مبالغ فيها رغم ثقته المطلقة فى أخلاقياتى ولكنه يرى أنى لا أعرف شيئا عن الدنيا والأطماع التى تسكن نفوس الناس فيها ومع الوقت تخلقت بيننا فجوة كبيرة تكاد تعصف بحياتنا سويا رغم أنى حقا أحبه وأعرف يقينا انه يحبنى ولا أدر كيف أكون له كما يريد وأنا لم يتحكم فى حياتى أحد؟
ر . ه
لعلك يا سيدتى وصفتى حالتك جيدا بانتمائك الطفولى إلى زمن مضى بكل ما فيه من أخلاقيات تغيرت أوصافها ومقتضياتها مع الوقت بشكل ميكيافيلى الغاية فيه تبرر الوسيلة، تطغى المادة على كل شئ وباتت المصلحة تحكم علاقات البشر بينهم وبين بعض فى ظل غياب التراحم والمودة ولعل أزمتك الحقيقية تكمن فى ذلك الأمر فأنت لم تعتادى التكيف مع آليات هذا الزمن حتى عندما تزوجتى كان زوجك الراحل ذكيا فى التعامل معك بالشكل الذى يضمن له الاستقرار الأسرى ومن قوة تأثيره عليكى جعلك طوعا له من غير أن يشعرك بمحاصرته لك والتكم فيكى للدرجة التى تطيعيه فيها عند أى أمر يقدم عليه ولو على حساب كرامتك وعندما تزوجتى من رجل آخر كان حتما عليه أن يعى ذلك الفارق بينه وبين زوجك الراحل ويعمل على إعادة توصيف الحياة الطبيعية بداخلك لتتوافق مع شخصيته هو فما أقدم عليه معك لم يكن إلا تصرفا طبيعيا لأى زوج يخشى على أهل بيته ويعمل على حمايته.
ما رأيته أنت نوعا من التحكم الخانق لروح لم تعتد هذا لا طفلة مدللة فى بيت أبيها ولا زوجة مغيبة فى حياة لا معاناة فيها من أى شئ ابتعدتى فيها عن واقع الدنيا الحقيقى لعالم خيالى تعيشين فيه وكأنه واقع دنياك الحالى فكان الصدام مع حياتك الجديدة والتى تتسم بقواعد عصر تتفاقم فيه المخاوف ما دفع زوجك لإحكام حمايته لك.
و عليكما الآن أنت وهو أن تجلسا ويفتح كل منكما قلبه للآخر وتتقابلا فى منتصف طريق يكون لكما نقطة بداية حقيقية لحياة سوية، مسئولة، ناجحة.