Close ad

الزمبليطة في الصالون!!

25-11-2024 | 11:50

في فيلمِ لحن الخلود، للمطربِ الكبيرِ فريد الأطرش، قالَ الخادمُ النوبيُّ الطيبُ البشوشُ، لسيدةِ المنزلِ عندَ دخولِها، الجملةَ الشهيرةَ: الزمبليطة في الصالون! تعبيرًا عن جو المرحِ والغناءِ والطربِ..
 
واستنادًا لهَذِهِ العِبارةِ، وتركيزًا على كلمةِ الزمبليطة تحديدًا، نُدركُ أنَّ الزمبليطةَ هَذِهِ، أضحتْ ضيفًا دائمًا علينا، حتى كِدنا نظنُه، صاحبَ الدارِ.
 
ما من موضوعٍ، أو حادثةٍ، أوخبرٍ، أو ما شابه، صغيرًا كانَ أم كبيرًا، إلا ونُسجتْ حولَه الرواياتُ، وسيقتِ التحليلاتُ، من الخبراءِ الإستراتيجيين اللوذعيين! وكلٌّ يعتقدُ، أنَّه وحدَه يمتلكُ، دونَ غيرِه، الحكمةَ وفصلَ الخطابِ! وهو أيضًا وحدَه، دونَ غيرِه، الوكيلُ الحصريُّ للمعلومةِ! حتى أصبحَ المجتمعُ كلُّه (مكلمةً كبيرةً) لا تتوقفُ، ليلًا أو نهارًا.
 
ويُعدُ هَذَا الأسلوبُ، هو الأنسبَ للإلهاءِ، وشغلِ الناسِ بما لا ينفعُ، وهي طريقةٌ قديمةٌ، لم تفقدْ تأثيراتِها مع مرورِ الأيامِ، بل ازدادتْ قوةً وعنفًا. 

شوف يا مولانا، خدنا قد إيه، في طلاق المطربة والملحن، وقد إيه في عرض جنيفر لوبيز، وقد إيه في ضربة الجزاء التي لم تحتسب، والتسلل الظالم الذي ألغى هدفًا مؤكدًا، وارجع كده يا فلان من أول اللعبة! لأ كمان شوية، أيوا، حط الخط بقى، شايف أهوه، مشط رجل المدافع، سابق!!! 

يقول الفيلسوف الأمريكي تشومسكي Avram Noam Chomsky's، في كتابِه (أسلحة صامتة لحروب هادئة) SILENT
WEAPONS QUIET WARS.

إنَّ طُرقَ السيطرةِ على الشعوبِ والرأيِّ العامِ، تتضمنُ معاملةَ الشعوبِ بوصفِهم أطفالاً، واستثارةَ عاطفتِهم، بدلاً من فكرِهم ؛ لتعطيلِ التحليلِ المنطقيِّ، والحسِ النقديِّ لديهم، وإبقائِهم في حالةٍ من الجهلِ، والشعورِ بعدمِ الاستقرارِ، فأغلبُ ما يُقالُ في وسائلِ الإعلامِ، ومواقعِ التواصلِ الاجتماعيِّ، مغايرٌ للحقيقةِ. 

ويُضيفُ : حافظوا على تحويلِ انتباهِ الرأيِّ العامِ، بعيداً عن الهمومِ الاجتماعيةِ الحقيقيةِ، وألهوه بمسائلَ تافهةٍ، لا أهميةَ لها، وأبقُوا الجمهورَ مشغولاً، دونَ أنْ يكونَ لديه وقتٌ للتفكيرِ، فقط عليه العودةُ إلى المزرعةِ، مع غيرِه من الحيواناتِ الأُخرى !
وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَا تَسْمَعُواْ لِهَٰذَا ٱلْقُرْءَانِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ..
والمعني: تكلموا بالضارِ من القولِ {لَعَلَّكُمْ} إنْ فعلتم ذلكَ {تَغْلِبُونَ}، وهَذِهِ شهادةٌ من الأعداءِ، وأوضحُ الحقِ، ما شهدتْ به الأعداءُ، بأنَّ نصرَهم مزيفٌ لن يتحققَ إلا باللغوِ والخديعةِ، لا بالحقِ، فالحقُ غالبٌ غيرُ مغلوبٍ، يعرفُ هَذَا، أصحابُ الحقِ وأعداؤه.
وزيرُ إعلامِ هتلر، جوزيف جوبلز، كانَ له مُقامٌ رفيعٌ، في سياسةِ تغييبِ الوعيِّ الجماهيريِّ، هو مَنْ قالَ: اعطني إعلامًا بلا ضميرٍ، أُعطِك شعبًا بلا وعيٍّ، وقالَ: كلما سَمِعتُ كلمةَ مثقفٍ، تحسستُ مسدسي.. 
وقالَ: اكذبْ، ثم اكذبْ، حتى يُصدقَك الناسُ..
وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ..
وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ..
وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا.. 
نواهٍ من اللهِ تَعَاَلي، متعددةٌ ومتنوعةٌ عن اللغو، تأكيدًا على خطورتِه على الفردِ والمجتمعِ..

وتأتي سيرتُه العطرةُ، صلى اللهُ عليه وسلمَ، لتُفصلَ ما أجملَه القرآنُ الكريمُ: 
قلتُ يا رسولَ اللهِ ما النَّجاةُ، قال: أمسِكْ عليكَ لسانَكَ، وليسعْكَ بيتُك، وابكِ على خطيئتِكَ..

إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ، فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ: اتَّقِ اللهَ فِينَا فَإنَّما نَحْنُ بِكَ، فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعوَججْنا..
إذا قالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهو أهْلَكُهُمْ..
وهل يَكبُّ الناسَ في النارِ على وجوهِهم إلا حصائدُ أَلسنِتِهم؟
الكلمةُ أمانةٌ، الكلمةُ شرفٌ، الكلمةُ مسئوليةٌ.

سبَ أحدُهم أعرابيًا، وقالَ له، يا أعرابيُ، هأنذا، أسبُك وأشتُمك، فقالَ الأعرابيُّ، يا هَذَا، لا تُغرقْ فيَّ سبًا، ودعْ للصُلحِ موضعًا، فإني أبيتُ مشاتمةَ الرجالِ صغيرًا، فلنْ أفعلَها كبيرًا، وإني لا أُكافيُ من عصى اللهَ فيَّ، بأكثرَ من أنْ أُطيعَ اللهَ فيه..
 
يا سادة، ظمأُ القلوبِ لا ترويه قطرةُ ماءٍ، يكفي كلمةٌ طيبةٌ، هي ليستْ سهمًا، لكنَّها قادرةٌ على اختراقِ هَذِهِ القلوبِ.
 
الكلمةُ الطيبةُ تُبلسمُ الجراحَ، وتبعثُ على الارتياحِ.. وصدقَ الملاذُ والأستاذُ والعكازُ (صلى الله عليه وسلم): اتَّقوا النَّارِ ولو بشِقِّ تمرةٍ، فإنْ لم تجِدوا فبكلمةٍ طيبةٍ..

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: