الفيلم رحلة داخل الإنسان للبحث عن هويته المفقودة
موضوعات مقترحة
النهاية المفتوحة تعني أن المشكلة لا تزال قائمة دون حل
التصوير داخل القدس وبيت لحم أشبه بالمستحيل
شرف لأي فنان المشاركة بأفلامه في مهرجان القاهرة السينمائي
حالة من السعادة تملكت المخرج الفلسطينى، رشيد مشهراوى، عقب انتهاء عرض فيلمه «أحلام عابرة»، الذى عرض فى افتتاح الدورة الخامسة والأربعين لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى، سعادة مشهراوى لم يكن سببها اختيار الفيلم ليعرض فى الافتتاح، إنما لحالة الحب التى حاصرته والتصفيق الهائل والتهانى التى تلقاها، عقب عرض الفيلم من الجمهور ومن صناع الأفلام المشاركة فى الدورة، الفيلم ناقش حياة الداخل الفلسطينى بشكل هادئ جداً، لكنه وضع يده على نقاط عديدة تبرز معاناة الشعب الفلسطينى، الفيلم بطولة عادل أبو عياش، وإميليا ماسو، وأشرف برهوم.
«الأهرام العربى»، حاورت المخرج الكبير رشيد مشهراوى، عقب العرض الثانى للفيلم، وطرحت عليه العديد من الأسئلة التى أجاب عليها فى الحوار التالى.
> ماذا يمثل فيلم أحلام عابرة فى مشوارك الفنى؟
فيلم «أحلام عابرة»، هو آخر العنقود بالنسبة لى حتى الآن، ويعتبر محطة مهمة فى مشوارى السينمائى الذى بدأ قبل أربعة عقود، ومع كل تجربة جديدة أكتسب خبرات أكثر لأن الثقافة الفنية تراكمية، وكل تجربة تعتبر محطة انطلاق لما بعدها، وأنا أحب أن أعبر عن رأيى بالكاميرا بشرط أن يكون هذا التعبير بشكل إنسانى، وهو ما يستعرضه فيلم أحلام عابرة.
> شاهدنا السعادة على وجهك، فهل سببها اختيار فيلمك للعرض فى افتتاح تلك الدورة؟
أولاً: شرف لأى مخرج، أن يشارك بأفلامه فى مهرجان القاهرة السينمائى، فهو مهرجان عريق وهو الدولى الوحيد فى المنطقة، ويقصده كل فنانى العالم.
ثانيا: أنا لست غريبا على مهرجان القاهرة، فعلى مدار العقود الماضية شاركت بأفلام عديدة فى الدورات السابقة، بعضها فاز بجوائز مثل فيلم «حتى إشعار آخر»، الذى فاز بجائزة الهرم الذهبى، وهناك أفلام عديدة مثل «عيد ميلاد ليلى، وكتابة على الثلج»، وغيره من الأعمال المهمة التى عرضت فى الدورات السابقة، لكن مصدر سعادتى ليس فى اختيار فيلمى للعرض فى الافتتاح، إنما فى تفاعل الجمهور معه، فأنا عندما أبدأ فى تحضير مشروع سينمائى، أضع نصب عينى أهمية رسالة هذا المشروع، وكيفية توصيلها للجمهور، وكيف يستقبلها، عقب عرض الفيلم شاهدت الجمهور، وهو سعيد ويناقش بعضهما البعض، وهناك من جاء ليهنئنى ويسألنى عن بعض التفاصيل داخل الفيلم، وأثناء الندوة كان الجميع متحمسين، ويناقشون رمزيات الفيلم، فشعرت أن الرسالة التى أردتها قد وصلت بشكل كامل، وهو بالنسبه لى قمة النجاح والحمد لله.
> الفيلم يحمل بعض الرموز المهمة مثل الحمامة وتوتر العلاقة بين الأشقاء.. كيف تم توظيف ذلك دراميا؟
بالتأكيد الفيلم به العديد من الرمزيات، كما ذكرت، لكن أنا منذ البداية فكرت فى عمل مشروع يناقش حياة الإنسان الفلسطينى، الذى يعيش تحت الاحتلال، لكن فى نفس الوقت أردت أن أسلط الضوء على علاقة الفلسطينى بالأرض، وعلاقته بأسرته، وزملائه فى العمل، وابتعدت عن علاقته بجنود الاحتلال، حتى أنهم لم يظهروا سوى فى مشاهد قليلة أثناء العبور من بوابة القدس، أو فى المطعم.
أما الحمامة التى ظل الطفل سامى، يبحث عنها فى بيت لحم والقدس وحيفا، فهى فعلاً رمز للسلام، لكن فى الوقت نفسه الحمام يقوم برحلات طائرة بدون قيود بين القرى والبلدان المختلفة، فأردت من وراء ذلك أن يبحث الإنسان الفلسطينى عن وطنه داخل الأراضى المحتلة، خصوصا أن الكيان الصهيونى يسعى بكل قوة، أن يمحو هويتنا ويغير من معالم فلسطين لصالح نفسه، فعلينا أن نبحث عن أرضنا ونتمسك بها ونحافظ على طبيعتها.
أما الشق الآخر فى الفيلم، فيتمثل فى علاقة الأخ بأخته، والخلاف بينهما، وعليك أن تدقق النظر فى هذه الجزئية جيدا.
> لماذا تركت النهاية مفتوحة بوقوف الأشقاء أمام بعضهم دون أن تتم المصالحة.. رغم أنه كان مؤثرا؟
الفيلم يعبر بشكل كبير عن الداخل الفلسطينى، ومعنى وجود نهاية سعيدة أن المشكلة تم حلها، لكن لو نظرت حولك، ستجد أن الخلاف بين الأشقاء على أرض الواقع لازال موجوداً، لذلك تركت النهاية مفتوحة خصوصا أنى أعتبر هذا الفيلم بداية جديدة، وليست نهاية مشوار فى القضية الفلسطينية.
> شاهدنا مشاهد أكثر من رائعة للقدس وحيفا وبيت لحم فهل كانت هناك أريحية أثناء التصوير فى تلك الأماكن؟
على العكس تماما، فالتصوير داخل فلسطين إن لم يكن صعبا، فهو أقرب للمستحيل، فلك أن تتخيل أننى عندما أريد أن أصور فى مكان ما خارجى، لابد أن أضع أكثر من خطة للتصوير، لأن أمن الكيان الصهيونى لا يسمح لنا بذلك، وإن سمح سيرفض دخول أفراد فريق التصوير، بالإضافة لصعوبة التحرك بالمعدات، وهناك أماكن كثيرة لن تستطيع الوصول إليها خصوصا داخل القدس وبيت لحم، لأن هناك جدارا وحواجز وبوابات أمنية، تمنع من يقترب منها، فيكفى أن تعرف أنه فى بعض المشاهد نصورها أنا والمصور فقط، لأن وجود طاقم العمل بالكامل يعتبر من الصعوبة تجميعه فى مكان واحد.
ولا أخفيك سرا أنى منذ البداية، أعرف أن هناك عراقيل سوف أقابلها، ومع ذلك رفضت أن أتقدم لسلطات الكيان الصهيونى، لعمل تصاريح تصوير كى لا يكون لهم أى فضل أو تدخل فى الفيلم .
لكن، الحمد لله، استطعنا تصوير مشاهد جميلة للبلدان الفلسطينية، مثلما رأيت داخل القدس وبيت لحم وحيفا، وتعمدت أن يكون تصوير المشاهد الخارجية بالحجم الكبير، وعن بعد حتى يرى المتفرج روعة وجمال فلسطين التى يصعب عليه الذهاب إليها.
> حدثنا عن أفلام «من المسافة صفر» التى تشرف عليها وتعرض بالدورة الحالية للمهرجان؟
أولاً، لابد أن أتقدم بالشكر لإدارة المهرجان، متمثلة فى الفنان حسين فهمى، لأنه أتاح لنا فرصة عظيمة لعرض القضية الفلسطينية بأسلوب فنى، ومخاطبة العالم بلغة السينما من خلال مهرجان القاهرة، أما بالنسبة للمسافة صفر، فهى عبارة عن مجموعة من الأفلام تعبر عن حقيقة ما يحدث داخل قطاع غزة مع الشعب الفلسطينى، والمعاناة التى يتعرضون لها فى ظل وحشية الكيان وسعيه للتطهير العرقى، الأفلام المعروضة فى المهرجان، صنعها أكثر من 22 شاب داخل قطاع غزة، تم اختيارهم بعناية لعمل مشروعات سينمائية، لتوثق عمليات المقاومة بطريقة فنية، فقد ركزت على الفكرة وكيفية تنفيذها، خصوصا أن غزة بأكملها تحت نيران الكيان الصهيونى، الذى لا يكف عن ضربها بالطائرات والمدافع ليل نهار.
وقد اخترت عنوان «من المسافة صفر»، لأن هؤلاء الشباب يصورون فعلاً من المسافة صفر، ولا يوجد فاصل بينهم وبين المدرعات الصهيونية، وجيش الاحتلال، ونجحنا فى عمل أفلام توضح بشاعة المحتل، ونحن الآن نعرضها للعالم عن طريق القوة الناعمة، كى تصل لأكبر شريحة ممكنة على مستوى العالم، وفى رأيى أن تلك الأعمال تحافظ على الهوية الفلسطينية داخل الذاكرة.