Close ad

بعد 30 شهرًا من الصراع.. ديمتري بريدجيه: «الردع النووي» سلاح روسيا لمواجهة الدعم الغربي لأوكرانيا

26-11-2024 | 18:09
بعد  شهرًا من الصراع  ديمتري بريدجيه ;الردع النووي; سلاح روسيا لمواجهة الدعم الغربي لأوكرانياديمترى بريدجيه
هانى فاروق
الأهرام العربي نقلاً عن

التاريخ يعيد نفسه.. الاتحاد السوفيتى هزم ألمانيا النازية عام 1943 فى حرب الدبابات بمقاطعة كورسك

موضوعات مقترحة

استعداد روسيا للتفاوض مع كييف خطوة مهمة بعد فترة طويلة من الصراع العسكرى المباشر

أمريكا تستفيد من إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا.. والدول الغربية غير متحمسة لإبرام اتفاق سلام لإنهاء النزاع

فى ضوء ما كشفت عنه صحيفة «نيويورك تايمز» أخيرا عن إعلان الرئيس الأمريكى جو بايدن، إعطاء الضوء الأخضر لكييف باستخدام صواريخ بعيدة المدى من طراز (ATACMS) لضرب العمق الروسي، وتقرير صحيفة «لوفيجارو» بأن فرنسا وبريطانيا سمحتا لكييف باستخدام صواريخ «ستورم شادو» و«سكالب» بعيدة المدى لضرب العمق الروسى، عادت الحرب الروسية - الأوكرانية مرة أخرى إلى صدارة المشهد العالمي، لتأخذ منحى تصاعديا، ينذر بتفجر المشهد العالمي، ويهدد بتحول الصراع إلى مواجهة أكثرة حدة، وذلك بعد الرد الروسى على هذه التقارير، بتأكيد ليونيد سلوتسكى، رئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس الدوما، أن أى استهداف للعمق الروسى سيؤدى حتما إلى تصعيد خطير فى الصراع القائم ستكون عواقبه وخيمة.

ديمترى بريدجيه، الباحث فى الشأن السياسى الروسي، أكد لـ«الأهرام العربي» أن الرئيس فلاديمير بوتين، حذر فى شهر سبتمبر الماضى من خطورة استخدام صواريخ بعيدة المدى ضد أهداف فى روسيا، لأن ذلك يعنى انخراط الولايات المتحدة الأمريكية فى الحرب.

بريدجيه، وصف هذا التصاعد الدراماتيكى فى المشهد السياسي، قائلا: ما أشبه اليوم بالبارحة، حيث يكرر التاريخ نفسه، فما يجرى منذ السادس من أغسطس الماضى فى أكبر هجوم خارجى على روسيا منذ الحرب العالمية الثانية، يجعل البعض يتذكر معركة 1943 فى مقاطعة كورسك، وكيف تصدى الاتحاد السوفيتى لألمانيا النازية آنذاك.

ديمترى بريدجيه، أكد أن معركة كورسك أجبرت الرئيس بوتين على تغيير العقيدة العسكرية للجيش الروسي، وهو الأمر الذى يلقى بظلاله الوخيمة خصوصا بعد الإعلان عن الدعم الأمريكى الأوروبى لكييف بصواريخ بعيدة المدى لاستهداف العمق الروسي، مشيرا إلى أن ذلك قد يدفع موسكو لتوسيع الردع النووى، ليشمل المزيد من الدول الأوروبية المتاخمة لحدودها، فى ضوء استمرار الدعم لأوكرانيا فى هذه المعركة، الذى قد يؤدى أيضا لتفجر المشهد الراهن عالميا.

ففى تحليله للعملية العسكرية الخاصة فى أوكرانيا، يؤكد بريدجيه أن ذلك الأمر يتطلب نظرة عميقة فى تصريحات الرئيس الروسى فلاديمير بوتين منذ بداية العملية العسكرية عندما كانت محدودة، ووصل الجيش الروسى إلى تخوم ريف العاصمة الأوكرانية كييف، وبعدها انسحابه فى شهر مارس من عام 2022م، وبعدها بدأت العمليات الأوكرانية وازداد الدعم لأوكرانيا من الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي، وتغيير موازين القوة، وسيطرت روسيا على المزيد من الأراضى (ماريوبا، ومقاطعة دومباز، زاباروج، ليخرسون)، وضمتها إلى الاتحاد الروسى وفقًا للاستفتاء الذى أُجْرِيَ آنذاك، فتغيرت الكثير من الأمور.

الاقتصاد الأمريكى المستفيد

ويقول ديمترى بريدجيه، إن روسيا دائمًا كانت منفتحة للحوار مع الدول الغربية وأوكرانيا، حتى إنه فى عام 2022م كانت هناك مفاوضات، لكن وفق ما تحدثت عنه وسائل الإعلام الروسية أن الغرب ضغط على أوكرانيا كى لا تتفاوض مع روسيا، والرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، تقبل الفكرة بألا يتفاوض مع الطرف الروسي، فالولايات المتحدة الأمريكية تستفيد من إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا، فصفقات الأسلحة تفيد الاقتصاد الأمريكي، لذلك دائمًا تصريحات بوتين تؤكد استعداد روسيا للتفاوض مع كييف هى خطوة تمثل تغييرًا مهمًا فى إستراتيجية موسكو بعد فترة طويلة من الصراع العسكرى المباشر.

وأشار بريدجيه إلى أنه يمكن تحليل هذا المشهد من خلال عدة محاور رئيسية:

أولًا: فرص عقد مفاوضات سلام. وثانيًا: دور الدول الغربية. وثالثًا: دور الوسطاء فى دول الخليج الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ودولة قطر. ورابًعا: التهديدات الغربية وخامسًا: العقيدة النووية لموسكو والسيطرة على شرق أوكرانيا.

ويؤكد أن هذه المحاور مهمة لفهم الحدث، فتصريحات الرئيس الروسى فلاديمير بوتين عن استعداد بلاده للتفاوض، بعد التوغل الأوكرانى فى إقليم كورسك، يمكن القول إن هذه التصريحات تعكس إرادة روسيا لإنهاء الصراع العسكري، وربما تحقيق مكاسب سياسية فى الوقت نفسه. وبالنظر إلى تاريخ المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا يمكن القول: إن فرص عقد مفاوضات للسلام مرهونة بالعديد من العوامل، بما فى ذلك توازن القوى على الأرض لأن روسيا حتى الآن لم تحقق السيطرة الكاملة على الأراضى التى ضمتها فى شرق أوكرانيا، وبالنظر إلى الديناميكيات العسكرية المتغيرة فإنها قد تكون حريصة على تجنب المزيد من الخسائر، فالخسائر كبيرة لدى الطرفين، والهدف الآن وفقًا لتصريحات بوتين هو تحرير مقاطعة دومباز بشكل كامل من القوات الأوكرانية.

الضغط الدولي، من الدول الأوروبية بالأخص، قد يلعب دورًا فى دفع الطرفين نحو طاولة المفاوضات، خصوصًا الطرف الأوكرانى الذى يراهن على خسارة روسيا للحرب، والطرف الروسى يراهن أيضًا على خسارة أوكرانيا، ولن يذهب الطرفان إلى المفاوضات دون أن تكون لهما ورقة ضغط وأن يكون معهما منطق القوة وبالأخص الرئيس الروسى فلاديمير بوتين كونه خريج مدرسة المخابرات السوفيتية.

رهان الحل الدبلوماسي

ويشير ديمترى بريدجيه، إلى أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، دفعتها إلى البحث عن حل دبلوماسى للحد من تأثير الحرب على الاقتصاد الروسي، وهذه أحد الأسباب، لأن استمرار الحرب وذهاب الاقتصاد نحو العمليات العسكرية، يكلف خسائر كبيرة للاقتصاد الروسي، رغم أن موسكو وجدت منصات اقتصادية أخرى مثل بريكس، ودول منظمة معاهدة الأمن الجماعي، ودول الاتحاد السوفيتى السابق، ودول آسيا، والقارة الإفريقية التى بدأت روسيا تتوغل فيها عبر شركة بارنر من خلال إبرام اتفاقات تجارية واقتصادية، والقاعدة الروسية الموجودة فى سوريا، واتفاقية الموانئ الروسية  فى الساحل السورى مع الموانئ الروسية فى شبه جزيرة القرم، التى تساعد روسيا فى فك العقوبات الغربية، واستخدام العملة الرقمية دون السياسات الروسية.

ويضيف: إذا تحدثنا عن دور السياسات الغربية، نجد أن معظم هذه الدول غير متحمسة الآن لإبرام اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا، خصوصًا وأن اتفاق اسطنبول كان يهدف إلى وضع أسس لإنهاء هذا النزاع، وتضمن هذا الاتفاق بنودًا تمنع كييف من بناء قواعد عسكرية غربية على أراضيها، وفى ظل الظروف الراهنة الدول الغربية قد تكون غير متحمسة لإحياء هذا الاتفاق لعدة أسباب، كما أن اتفاقية ميرسك كانت تجبر أوكرانيا على تغيير الدستور وإجراء تعديلات عليه والتفاوض مع المتمردين فى شرق أوكرانيا وما يسمى بجمهورية دونيستك ولوجانيسك الشعبية، لكن لم يتوصلوا إلى أى حل فى ذلك الوقت فى عام 2013 و2014.

كما يؤكد بريدجيه، أن التهديدات الروسية المتزايدة تشكل أحد العوامل الرئيسية التى قد تجبر على وجود مفاوضات، لكن الدول الغربية لا تزال ترى أن روسيا تشكل تهديدًا للأمن الأوروبى، خصوصًا التدخل فى الانتخابات الداخلية، أيضًا الاتهامات وموضوع الصراع النووى التكتيكي، وبالتالى فإن الدول الغربية قد تعارض أى اتفاق يقلل من قدرة أوكرانيا على بناء دفاعات عسكرية قوية بالتعاون مع الناتو، لأن أوكرانيا أيضًا إذا ما خسرت الحرب بشكل كامل، فإن ذلك سيسبب مشكلة أو خللا لدول الاتحاد الأوروبى والقادة الأوروبيين الجدد، وأيضًا الديمقراطيين وهم فى الأساس فى أزمة فى الولايات المتحدة الأمريكية، علاوة على التوترات مع الناتو فروسيا قد تستخدم منع بناء القواعد العسكرية كذريعة لتعزيز نفوذها فى المنطقة وهو ما يعارضه الغرب.

خطة النصر الأوكراني

أما إذا تحدثنا عن خطة النصر الأوكرانى وتأثير مسارها على الحرب، يوضح ديمترى أنه لا توجد أية خطة واضحة لدى الأوكران، فالرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، تحدث عن خطة النصر فى عدة مناسبات  التى تعتمد على زيادة الدعم الغربى، وتصعيد العمليات العسكرية للسيطرة على الأراضى التى ضمتها روسيا، وبالطبع تأثير هذه الخطة على مسار الحرب، يعتمد على مدى التزام الغرب بالدعم أولًا، وحاليًا هناك المزيد من الدعم والأسلحة تٌقَدَّم، وهذا يفيد الشركات المصنعة للأسلحة والولايات المتحدة الأمريكية فى تقوية قدراتها العسكرية وتجربة السلاح، فدائمًا الحروب تعتمد على تجربة السلاح الجديد.

وأشار إلى أن هناك سيناريو لتراجع الدعم الغربي، فى حال استمر الوضع على ما هو عليه، ففى حال التراجع بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية فى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، فإن هذه الخطة قد تواجه عقبات كبيرة خصوصًا فى ضوء ما سمى بخطة النصر الأوكرانى أو الهجوم المضاد، فعلى الرغم من المطالب التى عبر عنها زيلينسكى بزيادة الدعم لكييف نجد أن هناك تراجعًا فى الدعم الغربى لأوكرانيا فى عدة مناحٍ، تفسر أسباب هذا التراجع تأتى فى مقدمتها الأزمات الاقتصادية فى أوروبا، والانتخابات، وارتفاع أسعار الطاقة فى أوروبا والتضخم نتيجة العقوبات المفروضة على روسيا، والإرهاق السياسى نتيجة الحرب المستمرة والضغوطات المستمرة، كل ذلك دفع بعض الدول الأوروبية بإعادة النظر تجاه حجم الدعم الموجه لأوكرانيا وتراجعه، خصوصًا مع ظهور اليمين المتطرف فى الحياة السياسية فى عدد من الدول الأوروبية، كل ذلك يؤدى إلى التخوف من التيارات الليبرالية.

وأشار إلى تعامل روسيا مع تهديدات الناتو، فطالما نظرت إلى توسع هذا الحلف باتجاه حدودها على أنه تهديد وجودي، فالتهديد بإنشاء قواعد عسكرية للحلف متاخمة للحدود الروسية، دفع ذلك موسكو إلى اتخاذ خطوات تصعيدية وزيادة الهجوم على المدن الأوكرانية الكبرى مثل كييف وخاركاييف وأدياس وألفوف وغيرها كمحطة الكهرباء والمراكز الإستراتيجية المهمة. وقد تعزز روسيا القوات العسكرية وتجهز المزيد من القوات واتضح ذلك فيما أصدره الرئيس الروسى بوتين بزيادة أعداد التجنيد فى الجيش الروسى إلى المليون ونصف المليون جندي، بالإضافة إلى جلب عدد كبير من الأجانب من القارة الإفريقية والشرق الأوسط للتجنيد وفق القرار الذى وقع عليه بوتين للقتال ضمن الجيش الروسى والحصول على الجنسية الروسية ومنح تسهيلات أخرى.

السلاح النووى لردع الغرب

ويقول ديمترى بريدجيه، إن روسيا قد تلجأ إلى تعزيز قواتها على الحدود الأوكرانية، فحاليًا بدأ تشكيل فرق عسكرية روسية فى كورسك وبيلجورود وبريانسك، للدفاع عن هذه المدن، لأن ذلك لم يكن موجودًا فى السابق. وقد تلجأ موسكو أيضًا إلى الرد الدبلوماسى من خلال الضغط على حلفائها فى المنطقة للتصدى لحالة التوسع فى نفوذ الناتو، وصَوَّت 67 % فى أحد الاستفتاءات التى أجراها أحد البرامج براديو موسكو لأهمية تجديد العقيدة العسكرية بسبب التهديدات الغربية بإنشاء قواعد عسكرية واستعمال السلاح داخل الأراضى الروسية، وهو الأمر الذى قد يتسبب فى تغيير العقيدة العسكرية الروسية، فهناك عدة سيناريوهات منها التهديد باستخدام السلاح النووى كوسيلة ردع للتهديد الغربي، فروسيا قد تلجأ لتوسيع نطاق الردع النووى ليشمل المزيد من الدول الأوروبية المتاخمة لحدودها.

ولفهم ما يحدث، يشير إلى أن هناك أهدافا لدى موسكو للسيطرة على شرق أوكرانيا، أهمها الأهمية الاقتصادية لهذه المناطق، فمنطقة دومباز غنية بالموارد الطبيعية، والصناعات الثقيلة تعد محورية لاقتصاد أوكرانيا، فسيطرة روسيا على هذه المناطق تقطع أهم شريان اقتصادى لأوكرانيا، والأهمية الإستراتيجية أيضًا لهذه السيطرة أنها تعطى لروسيا نفوذًا جيوسياسيًا كبيرًا فى أوكرانيا وتمكنها من فرض شروطها على المفاوضات المستقبلية.

وبالطبع الانفصاليون فى السابق ساعدوا روسيا على السيطرة على هذه المناطق، فغالبية هؤلاء الانفصاليين جاءوا من مناطق مختلفة فى روسيا من (القوزاق) والمخابرات الروسية الخارجية (الكيرو)، واستلموا المناصب هناك، وبالطبع الانفصاليون الموالون لروسيا فى شرق أوكرانيا يلعبون دورًا كبيرًا حتى الآن فى تسهيل العمليات العسكرية، ويقدمون الدعم اللوجيستى والاستخباراتى للقوات الروسية، كما أنهم يمثلون قاعدة شعبية للسيطرة على الأراضى التى تسيطر عليها روسيا حاليًا، فمن قرر أن تكون هذه  المناطق ضمن الاتحاد الروسى، هناك عدة أسباب منها الدعم اللوجيستى والتأييد السياسى، تؤكد دور الانفصاليين الموالين لروسيا أو ما يسمى بـ نوفا روسيا أو روسيا جديدة فى داخل أوكرانيا، الذين يرون أن أوكرانيا خانتهم، وأن أوكرانيا الغربية ليست جزءًا من ثقافتهم، وأن الجزء الثقافى التاريخى لهم هى روسيا وعاصمتها موسكو.

وأوضح بريدجيه أن الإستراتيجية الروسية الآن مهمة للدفاع عن أراضيها، فالأمن القومى الروسى مهدد، والوضع القائم صعب لكن روسيا ما زالت صامدة فى المجال الاقتصادي، فحتى الآن الاقتصاد الروسى يعطى نتائج إيجابية، وأيضًا إتمام السيطرة على مناطق وقرى فى مقاطعة دومباز، حيث يبدو أن التوغل الأوكرانى فى كورسك حتى الآن لم يُعطِ أية نتيجة فى إضعاف الجبهات لصالح القوات الأوكرانية فى شرق أوكرانيا، فحتى الآن لم يتغير أى شيء فى هذه المناطق، وأوكرانيا لم تستفد أى شيء حتى الآن من سيطرتها على هذه المناطق.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة