Close ad

انعقدت في وقت يتصاعد فيه التوتر.. هل تنجح مجموعة العشرين في إعادة التوازن لـ«النظام العالمي»؟

23-11-2024 | 14:37
انعقدت في وقت يتصاعد فيه التوتر هل تنجح مجموعة العشرين في إعادة التوازن لـ;النظام العالمي;؟د.فتحي السيد- د.شيماء العربي- د.شيرين ماهر
محمد الطماوي
الأهرام العربي نقلاً عن

د. فتحي السيد: 3 أزمات تهيمن على قمة G20 الديون، الصراعات، والتضخم

موضوعات مقترحة
د.شيماء العربي: مشاركة مصر في المنتديات العالمية تعكس مكانتها الإقليمية والدولية
د.شيرين ماهر: تمويل ميسر ونقل التكنولوجيا والعدالة المناخية أهم أولويات الدول الإفريقية

عقدت قمة مجموعة العشرين لعام 2024 في مدينة ريو دي جانيرو، البرازيل، يومي 18 و19 نوفمبر، في لحظة حرجة تشهد تحولات جذرية في السياسة والاقتصاد العالمي، القمة هذا العام تُعتبر حدثًا محوريًا، حيث اجتمع قادة أكبر الاقتصادات العالمية لمناقشة قضايا ذات أبعاد استراتيجية تشمل التغير المناخي، التحول نحو الطاقة المتجددة، تعزيز التعاون الاقتصادي، والتحديات التي تواجه النظام العالمي في ظل التصعيد الجيوسياسي والاقتصادي بين القوى الكبرى.

جاء الاجتماع في وقت تصاعد فيه التوتر بين الغرب وروسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، بالإضافة إلى التنافس الاقتصادي والتكنولوجي الحاد بين الولايات المتحدة والصين، وقد أثرت هذه التوترات بشكل كبير على الجهود العالمية لتحقيق استقرار اقتصادي وإيجاد حلول للتحديات البيئية، إلى جانب ذلك، تُركز القمة على تعزيز التعاون بين الشمال والجنوب العالمي، في ظل قيادتها من قبل البرازيل، التي تجمع بين موقعها كعضو في مجموعة الاقتصادات الكبرى (G20) ودورها كصوت للجنوب العالمي عبر عضويتها في مجموعة البريكس.

من بين العوامل الجديدة المؤثرة على قمة 2024 هو دخول الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مرة أخرى في الساحة السياسية، عودة ترامب، المعروف بمواقفه المتشددة تجاه العولمة والتجارة الدولية، قد تُعيد إشعال الجدل حول السياسات التجارية والمالية داخل مجموعة العشرين، كما أن مواقفه تجاه التغير المناخي قد تصعّب التوصل إلى اتفاقيات ملزمة بشأن أهداف الاستدامة.

على الرغم من تطلعات الرئيس البرازيلي لويس لولا دا سيلفا إلى تعزيز دور بلاده كقائد للجنوب العالمي، فإن الموازنة بين تطلعات الدول الإفريقية وضغوط الدول المتقدمة تمثل تحديًا كبيرًا، قمة مجموعة العشرين العام تُعد اختبارًا لقدرة الاقتصادات الكبرى على تجاوز الخلافات لتحقيق تعاون عالمي فعال، في وقت يشهد فيه العالم تحديات متزايدة تتطلب جهودًا جماعية أكثر من أي وقت مضى.

التحديات الدولية

في البداية، أكد الدكتور فتحي السيد يوسف، الخبير الاقتصادي ومدرس الاقتصاد بكلية التجارة بجامعة بنها، أن هناك مجموعة من التحديات الكبرى التي تواجه مجموعة العشرين (G20)، منها ما هو داخلي مرتبط بالدول الأعضاء بالمجموعة، ومنها ما هو خارجي يعكس تأثيرات الأزمات العالمية، موضحاً أن هذه التحديات تشمل تباطؤ النمو العالمي، تنامي الاضطرابات التجارية، وارتفاع عدم اليقين الناتج عن التوترات والصراعات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب قضايا أخرى متعلقة بالنمو العالمي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وأشار الدكتور فتحي إلى أن التحدي الأول الذي يواجه دول مجموعة العشرين يتمثل في تباطؤ النمو العالمي، واستشهد بتقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي في يوليو 2024 بعنوان "الاقتصاد العالمي في مأزق"، الذي أشار إلى أن النمو الاقتصادي العالمي قد يصل إلى 3.2% في عام 2024 مقارنة بنحو 3.3% في عام 2023،  موضحاً أن التراجع في النمو يعود إلى مجموعة من العوامل المترابطة، أهمها استمرار معدلات التضخم عند مستويات أعلى من مستهدفات البنوك المركزية حول العالم، استمرار ارتفاع مستويات التضخم، مما يثبط جهود تحقيق التنمية الاقتصادية التي تقع على عاتق مجموعة العشرين، صعوبة استعادة السياسات النقدية العادية نتيجة استمرار السياسات الانكماشية، مثل أسعار الفائدة المرتفعة التي يُتوقع أن تستمر لفترة أطول، رغم تخفيض الفيدرالي الأمريكي لسعر الفائدة بمقدار 0.25 نقطة خلال الأسابيع الماضية.

وأضاف أن التحدي الثاني يتمثل في تنامي الاضطرابات التجارية بين دول مجموعة العشرين وعلى المستوى الدولي، مشيرًا إلى أن توقعات استمرار الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، وتزايد حدتها، تمثل عاملًا مقلقًا. وأوضح أن فترة رئاسة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" الأولى شهدت تصاعدًا في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، حيث فرضت الولايات المتحدة تعريفة جمركية بنسبة 10% على الواردات الصينية بقيمة 250 مليار دولار عام 2018، وزادت هذه النسبة إلى 25% بقيمة 200 مليار دولار أخرى عام 2019، وعلى الجانب الآخر، ردت الصين بفرض تعريفة جمركية بنسبة 10% على الواردات الأمريكية بقيمة 110 مليارات دولار عام 2018، ورفعت النسبة إلى 25% على واردات أمريكية بقيمة 60 مليار دولار عام 2019.

وأشار إلى أن هذه الاضطرابات تؤدي إلى تعقيد التنسيق بين دول المجموعة، مما يزيد من صعوبة إصلاح نظام الحوكمة العالمية وإصلاح النظام الدولي، وهو ما قد يضر بكثير من الدول، وخاصة دول العالم النامي.
وفيما يتعلق بالتحدي الثالث، أشار الدكتور فتحي إلى أن ارتفاع عدم اليقين بسبب التوترات والصراعات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، واستمرار التهديدات في تايوان والحرب الروسية الأوكرانية، يُلقي بظلاله على العولمة، معدلات نمو التجارة الدولية، والاستثمارات الأجنبية، موضحاً أن هذا الأمر يدفع نحو التحول للتعاون مع البلدان الصديقة وتكتلات مثل مجموعة بريكس، مما يسعى إلى إعادة التوازن العالمي وتقليل هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية وعملتها الدولار،ـ مؤكداً أن التحديات الخارجية تشمل مشكلات المديونية الخارجية، وأسعار الصرف، وقضايا العدالة الاجتماعية العالمية، والتبعية الخارجية، مما يعقّد جهود تحقيق أهداف التنمية المستدامة العالمية 2030.

وحول القضايا التي تضعها مجموعة العشرين على أجندة عملها في الاجتماع القادم، أوضح الدكتور فتحي أنها تشمل قضايا التغير المناخي وعدم المساواة الاقتصادية. وأشار إلى الأدوات والآليات التي يمكن للمجموعة التعاون من خلالها، ومنها، تفعيل توصيات مؤتمرات المناخ، بدءًا من اتفاق باريس 2015 بشأن خفض انبعاثات الكربون لدول المجموعة، تفعيل توصية صندوق الأضرار والتعويضات الذي يُلزم الدول الأكثر تلويثًا للمناخ بدفع 100 مليار دولار للدول الأكثر تأثرًا، التعاون بشأن تكنولوجيا الرصد والتكيف مع التغيرات المناخية.

 وفيما يتعلق بالدول النامية، أكد الدكتور فتحي أن هذه الدول، وخاصة الإفريقية، يمكنها تحقيق العديد من الفوائد من التعاون مع مجموعة العشرين، منها:توفير التمويل اللازم لاستكمال برامج التنمية بالدول الإفريقية والنامية، وتشجيع الاستثمارات من دول مجموعة العشرين لجذب تكنولوجيا الطاقة الجديدة والمتجددة وتخفيض الاعتماد على الوقود الأحفوري، واستكمال أهداف التنمية المستدامة لتحقيق الرخاء والتقدم العالمي.

واختتم الدكتور فتحي السيد يوسف، الخبير الاقتصادي، تصريحاته بالتأكيد على أن مواجهة هذه التحديات تتطلب إصلاحات جذرية في النظام الاقتصادي العالمي، إلى جانب تعزيز التعاون الدولي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي العالمي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

المشاركة المصرية

من جانبها، قالت الدكتورة شيماء سعيد العربي، الخبير الاقتصادي وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع، إن مجموعة العشرين (G20)  التي تأسست في عام 1999، وتضم 19 دولة إلى جانب الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، مشيرةً إلى أن أعضائها يمثلون نحو 85% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وأكثر من 75% من التجارة الدولية، بالإضافة إلى ثلثي سكان العالم.

وأوضحت د. شيماء العربي أن صناع السياسات في مجموعة العشرين يهدفون إلى بناء مستقبل أكثر ازدهارًا وإنصافًا، مع التركيز على تعزيز التعاون الدولي لتحقيق التنمية المستدامة، وفيما يتعلق بالقمة المقبلة، أشارت إلى أن القمة التاسعة عشرة لمجموعة العشرين ستُعقد في مدينة "ريو دي جانيرو" بالبرازيل يومي 18 و19 نوفمبر 2024، تحت شعار "بناء عالم عادل وكوكب مستدام،  مضيفة أن القمة المقبلة في عام 2025 ستُعقد في جنوب إفريقيا، مما يعكس تنوع الأجندة العالمية وتوجهها نحو دعم الدول النامية.

وأضافت أن العالم يواجه تحديات متزايدة مثل الصراعات الجيوسياسية، اضطراب سلاسل الإمداد، تزايد معدلات الجوع والفقر، تراكم الديون، وتأثيرات التغير المناخي، وترى أن "القمة تمثل منصة حيوية لتفعيل التعاون الاقتصادي، وتعزيز التجارة الدولية، وتوظيف إمكانات الذكاء الاصطناعي لنقل التكنولوجيا إلى الدول الأقل نموًا."

وحول مشاركة مصر في القمة، أكدت أن هذه المشاركة تعكس المكانة الإقليمية والدولية الكبيرة لمصر، مشيرةً إلى أن هذا هو الحضور الرابع لمصر بعد مشاركتها في قمة الهند 2023، وأضافت: "تتيح القمة فرصة لتوقيع اتفاقيات تعاون جديدة مع الدول الصناعية الكبرى، وجذب الاستثمارات في قطاعات مثل الطاقة المتجددة، وتعزيز الدعم الدولي للإصلاحات الاقتصادية."

وأشارت إلى أن القضايا المطروحة على أجندة القمة تشمل "القضاء على الفقر والجوع، التحول للطاقة المتجددة، مواجهة التغير المناخي، تعزيز الحوكمة العالمية، ومناقشة الحلول للنزاعات الإقليمية والدولية، واختتمت تصريحاتها بالتأكيد على أن "مشاركة مصر في القمة تسهم بشكل كبير في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، وتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية، ودعم خطط التنمية المستدامة وفق رؤية مصر 2030."

إفريقيا والدول النامية

من جانب آخر، قالت الدكتورة شيرين ماهر، المدرس المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، إن الدول الناشئة تسعى من خلال مشاركتها في مجموعة العشرين (G20) إلى تحقيق توازن في النظام الاقتصادي العالمي بما يتوافق مع احتياجاتها التنموية المتزايدة. وأكدت أن هذه الدول تركز بشكل كبير على قضايا أساسية تتعلق بالتمويل، التكنولوجيا، الحوكمة العالمية، والاستدامة، مشيرةً إلى أهمية هذه القضايا لضمان تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة.

وأوضحت د. شيرين أن انضمام الاتحاد الإفريقي كعضو دائم في مجموعة العشرين يمثل خطوة فارقة لتعزيز مشاركة الدول النامية، خاصة الإفريقية، في صياغة القرارات الاقتصادية العالمية، وأضافت أن قمة 2024 التي ستُعقد في البرازيل تحت شعار "بناء عالم عادل وكوكب مستدام" ستتناول قضايا جوهرية تخص الدول النامية، حيث أشارت إلى أن الدول النامية تطالب بإعادة هيكلة آليات التمويل الدولية، مع تحسين الإطار المشترك لمعالجة الديون الذي تقوده مجموعة العشرين. وأضافت: "يركز هذا الإطار على تقليل التأخير في المفاوضات وزيادة مشاركة الدائنين من القطاع الخاص، مما يساعد الدول على تجنب الأزمات المالية المتكررة وتعزيز قدرتها على تحقيق التنمية الاقتصادية."

وفيما يتعلق بالتكنولوجيا، أوضحت أن تسريع نقل المعرفة من الدول المتقدمة يدعم التحول الرقمي والطاقة المستدامة، وقالت: "التكنولوجيا تُعد أداة حاسمة لتعزيز الإنتاجية، وتحقيق الأمن الغذائي، والقضاء على الفقر، خاصة من خلال الذكاء الاصطناعي وتقنيات الطاقة المتجددة، مؤكدة أن تحسين الوصول إلى الأسواق العالمية وتطوير مناطق التجارة الحرة، مثل منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA)، يمثلان أساسًا لتعزيز التكامل الاقتصادي وإطلاق إمكانات الاقتصادات الناشئة."

وأشارت إلى أن الدول الناشئة تدعو الدول المتقدمة للوفاء بالتزاماتها المالية والمناخية لدعم جهود التكيف مع التغيرات المناخية، وأضافت، "تحقيق العدالة المناخية يتطلب شراكات دولية لمساعدة الدول النامية على مواجهة التحديات البيئية المتزايدة."

ترى ماهر أن "إصلاح المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يُعد ضرورة لضمان شمولية السياسات الاقتصادية العالمية." وأضافت أن هذه الإصلاحات تسهم في تعزيز مشاركة الدول النامية في اتخاذ القرارات التي تؤثر على الاقتصاد العالمي.

وفيما يتعلق بتداعيات الأزمات الاقتصادية المتعاقبة، أكدت د. شيرين أن التعاون العالمي الشامل أصبح ضرورة للتعامل مع التشرذم الجغرافي-الاقتصادي. وأضافت: "من المهم تحقيق إصلاحات جذرية في النظام الاقتصادي الدولي، بما يشمل تعزيز قدرة الدول النامية على توفير التمويل اللازم للتنمية، تخفيف أعباء الديون، ودفع جهود توطين الصناعات ونقل التكنولوجيا."
واختتمت د. شيرين تصريحاتها بالتأكيد على أن "قمة العشرين تمثل فرصة للدول الناشئة لتعزيز قدراتها الاقتصادية، تحقيق العدالة في النظام العالمي، وضمان شمولية التنمية المستدامة التي تلبي احتياجات الشعوب."

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة