هل يتصور عاقل أن أربع سنوات أو أي مدة زمنية، من شأنها تغيير مسار في تفكير وخطط دونالد ترامب، تجاه أي من القضايا والأزمات الدولية، وخاصة القضية الفلسطينية؟ أغلب الظن أن الرئيس الأمريكي الذي جاء على أنقاض ممثلي الديمقراطيين، جو بايدن، الذي تسبب في خيبة أمل من دعمه من الناخبين، ومن بعده كامالا هاريس مرشحة الوقت الضائع،، سيسعى جاهدًا لاستكمال ما بدأه خلال ولايته السابقة في 2020، فضلا عن نزعة الانتقام التي ظهرت في التغييرات المتوالية والسريعة في المواقع والمناصب المختلفة، بمساعديه الذين بدا أنه كان جاهزًا للدفع بهم، ولدى كل منهم ما يريده ترامب، ومنهم الضابط السابق في الحرس الوطني الأمريكي ومقدم البرامج في شبكة "فوكس نيوز" بيت هيجسيث، الذي لاقى اعتراضًا ملحوظًا في الأوساط الأمريكية، لكن ترامب قال عنه إنه أمضى حياته بأكملها كمحارب من أجل القوات والبلاد، وأنه قوى وذكى ومؤمن حقيقى بسياسة أمريكا أولا، ومن هذه الرؤية المتعلقة بسياسة أمريكا، إضافة إلى أن هيجسيث كان ضابط مشاة في الحرس الوطني للجيش وخدم في العراق وأفغانستان، فضلا وكذلك خليج جوانتانامو بكوبا. ما يشير إلى أمكانية البحث عن إدارة المعارك، مع تأكيد سياسة الدفاع الأمريكية، المتضمنة للدعم غير المشروط وغير المحدود للكيان المحتل الذي يخوض معاركه الآن أمام المقاومة في لبنان وبشكل محدود المقاومة في غزة، مع استمرار عملياته في القطاع المنكوب.
على جانب آخر هناك ترحيب كبير من قبل رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو ورجاله، بعودة "المجنون"، الذي تناول خلال مناقشات أثناء ولايته الأولى ضم أجزاء من الضفة الغربية، وقد صرح بتسلئيل سموتريتش وزير مالية الاحتلال بعد انتخاب ترامب، بأنه يأمل بأن يوسع الكيان سيادته لتشمل الضفة الغربية المحتلة في 2028، وعلى الحكومة التوصل مع ترامب لدعم واشنطن والاعتراف بمسعى فرض السيادة الكاملة على الضفة، ومؤكد أن هذه الثقة في الرئيس الأمريكي العائد، وهذا التوجه الواضح لم يأت من فراغ فقد أثار ترامب في أغسطس الماضي الجدل أثناء لقاء له مع الجالية اليهودية بأمريكا، حين تساءل عن طريقة للحصول على المزيد من الأراضي للكيان المحتل، ما يؤكد النية المبيتة بل والخطوات التي تُستكمل بدم بارد في ضرب عرض الحائط بأي شرعية أو حدود او خرائط، وهو الذي اعترف سابقًا بالقدس عاصمة للاحتلال، ونقل سفارة الولايات المتحدة إلى هناك. وتبدأ ولايته الثانية على إيقاعات الحرب الشرسة والطاحنة، وبعد مكاسب مهمة لصالح القضية الفلسطينية، مثل الاحتجاجات الشعبية وخصوصا في أوروبا وأمريكا لوقف حرب الإبادة، ومثل اعتراف دول أوروبية بدولة فلسطين، ومثل اعتراف محكمة العدل الدولية بأن استمرار الكيان في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني، وأن المنظمات الدولية بما فيها الأمم المتحدة ملزمة بعدم الاعتراف بشرعية الوضع الناشئ عن هذا الوجود غير القانوني، ما ترتب عليه اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 124 عضوًا قرارًا بأن ينهي الاحتلال وجوده غير القانوني في الأراضي الفلسطينية خلال 12 شهرا.
لكن ما يحدث على أرض الواقع يجعل من كل هذه المكاسب -وإن كانت ذات جدوى مستقبلا- مكاسبَ نظرية، حيث لا تزال الحرب قائمة من جيش مسلح أمام شعب أعزل، وتواصل قوات الاحتلال إلى هذه اللحظة جرائمها وارتكاب المجازر، وتجاوز الحرب الأربعمائة يوم وبلغ الشهداء نحو 45 ألف شهيد وأكثر من 100 ألف مصاب، وامتدت الحرب إلى لبنان التي سقط فيها آلاف الشهداء والجرحى، تلك الحروب والتجاوزات التي لم يتحدث عنها ترامب، سوى كوسيلة لكسب التأييد في تصريح خطابي بالعمل على وقف الحرب، لكن بالطبع ليصل من خلال ناخبيه إلى القدرة على إحياء ما أسماه بصفقة القرن، أو الضلوع في تطويرها بصيغ جديدة، تسهم في تمكين أكبر للكيان المحتل على حساب الأبرياء وعلى أنقاض القانون والشرعية الدولية، فهو القائل ولن ننسى، "سأقدم لإسرائيل الدعم الذي تحتاجه للانتصار، لكنني أريدهم أن ينتصروا بسرعة".