قاموس الخائفين من الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب يحتوى على مفردات متناقضة: الخوف، الخطر، الغضب، الانكسار، الحزن، الهزيمة، الضياع، الصدمة، الرعب، الدهشة.
بعض هذه المفردات استعملها الصحفي الشهير بوب وودوارد في وصف ترامب وعصره المخيف.
واللوم يقع على الخائفين، والخائفون طيف ممتد، يمثل أفرادًا وجماعات ودولًا، وجدوا أنفسهم ساعة الامتحان دون استعداد، غرورًا أو ادعاءً، استهانوا بحركة « ماجا».
و«ماجا» هي الحروف الأولى من كلمات «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى»، تجاهل المرتجفون الحاليون الجنين الذي كان ينمو ببطء في الأحشاء الأمريكية منذ الأربعينيات، ويولد في نهاية عصر جيمي كارتر في السبعينيات، ويكبر مع رونالد ريجان في الثمانينيات، ويرعاه بيل كلينتون في التسعينيات، ويتبناه دونالد ترامب في ثلاثينيات القرن الحادى والعشرين، ويجعل منه عصا موسى التي تلقف أفاعي النظام الدولي.
الخائفون من «ماجا» أنواع؛ الأول أوروبا، تخشى من تحطيم نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، ومن غياب مظلة الحماية، ومن استعادة الميراث الدامي على أراضيها، أليست صاحبة الملكية الفكرية في اندلاع الحروب العظمى، والتمدد في أراضي الغير؟
الثاني، الدول والأمم التي صاغتها أمريكا فيما بعد الحرب العظمى، وكفلت وجودها، وضمنت بقاءها، وعبثت بأنظمتها متى شاءت، وتخشى من كسر الروتين المعتاد، وغياب الكفالة والحماية، وقد تجد نفسها في العراء دون حماية الدرع الأمريكية الحامية إلا بأثمان باهظة.
الثالث، الجماعات التي آمنت بأمريكا السماوية، تقود العالم؛ حيث تشاء، وترتبط معها بحبال وظيفية وسرية، تقوم على تدفق المال مقابل التبشير، تعبث بأنظمتها المحلية ساعة الإشارة، وتخشى أن تتخلى «ماجا» عن خدماتها، وتتركها في طريق مقفرة.
الرابع، أفراد، اختاروا أمريكا عن يقين، واختارتهم عن إدراك، يخشون من نهاية التقاعد عن الأحلام، فالمظلة الكبيرة ستغلق فوق رءوسهم، ولا شيء يقيهم من المطر الغزير.
الخامس، الأعراق الملونة، والمهاجرون، ومعتنقو الديانات والمذاهب المختلفة، ويخشون من خوض حرب وجودية لا تشبه أي واحدة أخرى، كانوا يعتقدون أن أرض الأحلام نهاية المطاف، تتسع للجميع من كل فج، ويقال إن ما يحدث هو مجرد رد فعل على انتخاب باراك أوباما الإفريقي الملون رئيسًا لأرض البيض.
قبل الخامس من نوفمبر، يوم الانتخابات الأمريكية، كتبت عن «عودة ترامب الشاقة»، بعض الأصدقاء قالوا: لا تكن واثقًا ومغامرًا هكذا، وكنت على يقين بأنه آت لا محالة، فهو حاصل جمع حركة «ماجا» التى لم ينشئها هو، إنما ورثها عبر أجيال، بينما كان كثير من الناس مطمئنين إلى فوز كامالا هاريس، بوصفها تمثيلًا للمؤسسات الأمريكية المعتادة حسب الادعاء المطمئن، والمؤسسات أقوى من الأفراد، هكذا قالوا، كما اعتادوا.
جاءت «ماجا» بترامب، كالنار فى الهشيم، حصدت مقعد الرئاسة في التصويتين: الشعبي، والمجمع الانتخابي، والأغلبية في مجلس الشيوخ، وكذلك في مجلس النواب، وأتت بحكام الولايات، وأعضاء المحكمة العليا.
بعض الخائفين يمنون النفس بأن ترامب هو مجرد جملة اعتراضية، تطول لأربع سنوات، ثم تعود المياه الأمريكية إلى مجاريها، وأيًا كانت الأحلام أو الكوابيس للخائفين، فإن «ماجا» ولدت كحجر ضخم ألقي في بحيرة العالم الراكدة.
من «ماجا» يولد نظام دولي جديد، وعلينا نحن الذين نعيش في العالم القديم، خارج «أرض الأحلام» أن نغادر الأفكار الجاهزة والمحفوظة، ونبدأ فى طريق مختلفة، فرواية ما بعد الحرب العظمى، بأحداثها وأشخاصها، أسدلت الستار وكتبت كلمة النهاية في الخامس من نوفمبر 2024.