شخصية الأستاذ "أبوالخير" تلك الشخصية التي جسدها الفنان الراحل "توفيق الدقن" في فيلم قديم عنوانه "مراتي مدير عام" هذه الشخصية التي استحقت التركيز عليها والوقوف أمامها طويلًا بعد أن أصبحت نموذجًا متكررًا وسائدًا في مجتمعنا بكل أسف.
شخصية صاحب الألف وجه، شخصية متناقضة متلونة، تغير مواقفها قولًا وفعلًا بحسب مصالحها، تتصرف من منطلق إشباع احتياجاتها ورغباتها، فهى شخصية مريضة بمرض -النفاق الاجتماعي- المتبرعة بالتلصص مجانًا، من أجل تحقيق هدف واحد يثبت براعتها هو.. إشعال الفتن.
هناك شخصيات تجيد العزف على كل الأوتار، حاضرة ومؤثرة في جميع الأزمنة. تلك هى المرة الثانية التي أجدني أتحدث فيها عن دور جسده الفنان الراحل توفيق الدقن، لست أدري إن كانت تلك مصادفة قدرية بحتة، أو أن هذا الفنان العبقري تمكن بأدائه من ترك أثر باق حتى يومنا هذا، وربما هذا ما جعلني أتوقف ها هنا للكتابة عن أدواره التي جسدها لشخصيات قام بتقمصها بإتقان، قدمها ببراعة لا تنكر، على هذا النحو المبهر.
كثيرون هم من حولنا، من هم على شاكلة هذا الرجل- أستاذ أبوالخير- هؤلاء الذين تبرعوا بوقتهم وجهدهم اختيارًا؛ من أجل تحقيق رغبتهم في تتبع أخبار الغير، غاية متعتهم تأتيهم وهم يوقعون هذا في ذاك، يغزلون خيوطهم ويشبكونها بمكر ودهاء، ينافقون كما يتنفسون، وفي نهاية الأمر وبعد إصابتهم لكل هدف خططوا له، تراهم يحتفلون بعد أن حالفهم حظهم فنجحوا، بعد أن بارك الشيطان أعمالهم، وانحنى لهم مثنيًا على جهودهم.
المفارقة هنا أتت في اختيار اسم الشخصية، أبوالخير اسمًا لشخص لا يحمل نصيبًا من اسمه ولا يحمل في قلبه خيرًا للغير، يمكننا وصف ذلك بالمفارقة المتعمدة، المفارقة الأكبر من تلك هى التي نجدها في حياتنا الواقعية، حين تختلف الصفة تمامًا عن الموصوف بها، كأن تجد طيبًا غير طيب، محسنًا غير محسن، صادقًا غير صادق، إن الحياة ما زالت مليئة بالمفارقات فهى كما قال عنها ووصفها الفنان القدير يوسف وهبي: "ما الدنيا إلا مسرح كبير".
أبوالخير في عصر العولمة أصبح أكثر حظًا من ذي قبل فقد وفر له زماننا ومعطياته الفرصة وكل السبل لتحقيق أهدافه بنجاح ساحق، قلص مجهوداته وبارك مساعيه؛ بعد أن هيأت له ظروف حياته وفرة لمحطات سريعة تمكنه من تنفيذ خططه وبلوغ أهدافه بأقصى سرعة ممكنة، فقد وفرت له وسائل التواصل الاجتماعي الفرصة كاملة لعرض بضاعته بشكل أوسع مما كان يتخيله في الماضي أو يحلم به.
لو دققنا النظر حولنا سنجدهم، سنكتشف أنهم أصبحوا يثرثرون أكثر، يملأون فضاءنا طنطنة فارغة بحديث تافه يشبههم، سنتأكد على الفور من وجود مئات أبوالخير، فهو ما زال بيننا يتحرك ويسعى، إنه حي يرزق.