صاحب الامتياز في وصف "صداع" هو كبير خبراء الاقتصاد اليابانيين بمعهد داي-إيتشي للأبحاث، هيديو كومانو، في معرض تحليله للمخاوف من الرسوم الجمركية الأمريكية على السلع المستوردة، بقوله نصا: "لابد أن رئيس مجلس الوزراء الياباني، إيشيبا شيجيرو، هو الذي يشعر بأشد صداع بسبب فوز ترامب".
في أثناء حملته الانتخابية، قال ترامب نصا: "الرسوم الجمركية هي أجمل كلمة في القاموس". وتوقع الرئيس المنتخب أن تسعى حكومته إلى اتخاذ تدابير تقييدية-كما كان الحال مع رسوم الصلب بموجب المادة 232 من أحكام الرسوم الجمركية- مع تسريع فك الارتباط مع الصين، وإحداث المزيد من التحول في سلاسل التوريد.
بنك جولدمان ساكس الاستثماري الأمريكي توقع-أيضا- أن تتعرض كوريا الجنوبية واليابان والصين، وغيرها من دول ومناطق آسيوية أخرى، لتأثيرات تجارية سلبية في حالة تنفيذ الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، لتعهداته الانتخابية، بفرض تعريفات جمركية قد تصل لنسبة 60% على المنتجات الصينية، وبنسب قد تتراوح فيما بين 10%-20% على جميع السلع المستوردة، من مختلف أنحاء العالم.
كبير الاقتصاديين في البنك لشئون منطقة أسيا والمحيط الهادئ، أندرو تيلتون، أوضح أن العجز التجاري الأمريكي مع الصين انخفض- إلى حد ما- منذ حكومة ترامب الأولى، لكن العجز مع دول ومناطق أسيوية أخرى-وتحديدا كوريا الجنوبية وفيتنام وتايوان- زاد بشكل كبير، وهو ما سيلفت انتباه الحكومة الأمريكية المقبلة.
مع العودة الوشيكة لترامب إلى البيت الأبيض في شهر يناير المقبل، خفض المعهد الكوري للتنمية توقعاته لنمو الصادرات الكورية لعام 2025 إلى 2.1%، وهو انخفاض كبير عن النمو المتوقع للعام الحالي 2024، بنسبة 7%، في ظل التهديد بفقد المكانة المتميزة في سلسلة توريد أشباه الموصلات، ونشوب حروب تجارية، بالإضافة إلى عدم اليقين بشأن التحولات المحتملة في السياسات الأمنية الأمريكية.
في عام 2023، سجلت الولايات المتحدة عجزا تجاريا قدره 44.5 مليار دولار في التجارة مع كوريا الجنوبية، بارتفاع حاد من العجز البالغ 13.2 مليار دولار في عام 2018. ويمثل مبلغ 44.5 مليار دولار أعلى فائض تجاري- على الإطلاق- تسجله كوريا الجنوبية في تجارتها الثنائية مع الولايات المتحدة. وقد بلغ الفائض للأشهر التسعة الأولى من عام 2024، حوالي 39.9 مليار دولار، وفقا للبيانات الحكومية.
حسب تقرير صادر عن المعهد الكوري للسياسات الاقتصادية الدولية، فإن سياسة الرسوم الجمركية الأساسية الشاملة، البالغة 10%، إذا ما تم فرضها، يمكن أن تؤدي إلى خفض صادرات كوريا الجنوبية بنحو 44.8 مليار دولار سنويا، وقد تؤدي -أيضا- لانكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة تصل إلى0.67%.
الباحث في معهد هيونداي للأبحاث جو وون يقول: "إن مثل هذا الاستخدام الواسع النطاق للرسوم الجمركية سيؤثر سلبا على حجم الاستثمارات والتجارة العالمية،
وتنتقل العدوى بصورة خطيرة إلى الاقتصاد الكوري الجنوبي، المعتمد -أساسا- على التصدير، في حين أنه من المتوقع –بالفعل- أن تتباطأ الصادرات الكورية الجنوبية خلال النصف الأول من العام المقبل، 2025، تماشيا مع دورة أشباه الموصلات".
خلال فترة ولايته الأولى (2017-2021)، أحدث دونالد ترامب اضطرابا عميقا في العلاقات الاقتصادية مع الصين، من خلال شن حرب تجارية معها، بسبب ما وصفه، وقتها، بالممارسات الصينية غير العادلة، مثل التلاعب بالعملة وسرقة التكنولوجيا، ولإجبار بكين على شراء منتجات أمريكية، وإعادة التوازن لميزان التبادل التجاري.
الخبراء يشيرون إلى أنه في حالة عودة ترامب -مرة أخرى- إلى هذه السياسات المتشددة ضد الصين، فإن ذلك سيؤدي إلى اتخاذ إجراءات انتقامية من جانب بكين، بما يعني حدوث مزيد من التباعد في التجارة والاستثمار بين البلدين، وهو ما سيؤدي -بالضرورة- إلى مزيد من التشرذم الاقتصادي والجيوسياسي في العالم.
في اليابان، أعرب محللون عن مخاوفهم من أن الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة على السلع الصينية واليابانية والكورية قد تؤدي إلى زيادة التضخم في هذه الدول، بالإضافة إلى حتمية تصاعد الضغوط التضخمية، وضعف الطلب المحلي في الولايات المتحدة، نفسها، وأشاروا إلى أن إدارة ترامب قد تطالب اليابان –أيضا- بزيادة إنفاقها الدفاعي، أو دفع شركاتها إلى توسيع مصانعها بالولايات المتحدة.
عدم القدرة على التنبؤ، وضبابية استمرارية السياسات التجارية الأمريكية، دفع -بطبيعة الحال- إلى زيادة التقلبات في سوق صرف العملات الآسيوية، وتحديدا الوون الكوري الجنوبي، الذي انخفض إلى أدنى مستوى له، وكذلك الين الياباني، الذي تراجع - بشدة- فور إعلان نتائج الانتخابات الأمريكية، في حين ارتفعت عملة "بيتكوين"، وسط توقعات بأن إدارة ترامب ستخفض ضوابط العملات المشفرة.
"صداع ترامب" المنتشر في العديد من العواصم الآسيوية لم يتوقف عند هذا الحد، بل امتد -أيضا- إلى شيوع حالة من عدم اليقين بشأن تحولات محتملة في السياسات الأمنية الأمريكية، بمنطقة أسيا والمحيط الهادئ عموما، وفي شبه الجزيرة الكورية تحديدا، لاحتمال إحياء دبلوماسية ترامب الشخصية، مع الزعيم كيم جونج أون.
هنا أتوقف لرصد عدد من التحليلات والتوقعات المتداولة في الميديا الأمريكية، عما تنتظره إدارة ترامب من تحديات، وألغام، وهي تقترب -من جديد- من الملف النووي والصاروخي الكوري الشمالي، الذي يؤرق مضاجع العديد من الشعوب الأسيوية.
عقب الإعلان عن فوز ترامب، نشر موقع ناشيونال إنترست National Interest الأمريكي تحليلا قيما للكاتب هاري جيه كازيانيس ربط فيه بين إمكانية حل المشكلة النووية والصاروخية الكورية الشمالية وبين إنهاء الحرب الأوكرانية.
يقول الكاتب كازيانيس نصا: "ما لم يتم إغلاق صنبور تدفقات بمليارات الدولارات من موسكو إلى بيونج يانج، مقابل قيام الأخيرة بتزويد روسيا بملايين قذائف المدفعية، وإرسال آلاف الجنود في حرب أوكرانيا، (أكرر ما لم يتم ذلك)، فسوف يصبح كيم جونج أون غير متحمس للاستماع إلى ترامب، فقد تزود الزعيم بالموارد المالية التي يحتاجها، كما أصبح بإمكانه تخفيف جميع العقوبات الدولية، بالإضافة لحصوله على المزيد من المساعدات الروسية -المالية والتقنية- لتقوية جيشه".
أما أندرو يو، الزميل البارز في مؤسسة بروكينجز، فيرى أن ترامب تفاخر بأن لديه علاقات قوية مع بوتين وكيم، وإذا أشار الأخير إلى الرغبة في إحياء علاقتهما "الرومانسية"، ورد ترامب بالمثل، فقد يؤدي ذلك إلى إغضاب حكومة كوريا الجنوبية، خاصة إذا لم تتشاور -مسبقا- واشنطن مع سول. لذلك، أكدت كوريا الجنوبية -مرارا وتكرارا- أنه "إذا انخرطت إدارة ترامب في أي حوار مع بيونج يانج، فسوف يكون من الضروري أن يتم تضمين موقف سول في أية محادثات".
[email protected]