تساءلت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية عما إذا سيتمكن الرئيس الأمريكي المنتخب "دونالد ترامب" من إعادة إشعال فتيل الصداقة بين واشنطن وبيونج يانج التي انطفأت في قمة هانوي عام 2019، خاصة بعد التقارب الكبير بين الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والذي تكلل مؤخرا بمصادقة كوريا الشمالية على معاهدة التعاون الدفاعي مع روسيا.
موضوعات مقترحة
وذكرت المجلة الأمريكية أنه من بين العديد من الأسئلة المحيطة بالسياسة الخارجية المستقبلية لولاية ترامب الثانية، والتي تتضمن مصير حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وأوكرانيا، وغزة، والحروب التجارية العالمية، يبرز بكل تأكيد السؤال المتعلق بكوريا الشمالية، وعما إذا سيرسل ترامب مرة أخرى ما وصفته المجلة بـ "رسائل حب" إلى كيم جونج أون على أمل إبرام صفقة كبرى يمكن أن تضع العلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية على أساس مختلف. وإذا كان الأمر كذلك، فما هي الصفقة المحتملة؟ ومع تغير الظروف كثيرا خلال السنوات الخمس الماضية لدرجة أن عقد قمة جديدة أصبح غير وارد، فماذا سيحدث لشبه الجزيرة الكورية ومنطقة شمال شرق آسيا؟
وتعليقا على ذلك، يؤكد فيكتور تشا، رئيس مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، أن "الفارق الأكبر على الجانب الكوري الشمالي حاليا هو أن كيم يتمتع بعلاقة (وطيدة) مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي طالما أرادها مع الصين. لم يكن هذا هو الحال من قبل (وقت عقد قمة هانوي في 2019)، عندما وضع كيم كل بيضه في سلة القمة، وكان ذلك فشلا ذريعا".
وأضافت المجلة أن كوريا الشمالية أيضا نمت أيضا في عهد كيم في القدرة، وليس فقط في الثقة، مع وجود داعمين جدد، ما يجعل من الصعب على أي إدارة أمريكية تقديم الحد الأدنى من الحوافز في مقابل الحصول على تنازلات من بيونج يانج.
وفي هذا الصدد، تؤكد جيني تاون، مديرة برنامج كوريا الشمالية في مركز ستيمسون الأمريكي للأبحاث، "لقد تغير الكثير خلال السنوات الخمس الماضية، ولا يمكن استئناف الأمور من حيث توقفت. إذا كان أي من أفراد إدارة ترامب يعتقدون أنهم يستطيعون إعادة تقديم ما عرضوه في هانوي، فإن حساباتهم خاطئة. ناهيك عن أن كوريا الشمالية حققت تقدماً كبيراً في تطوير أسلحة الدمار الشامل، والاتجاهات الجيوسياسية تعمل لصالحهم".
وتابعت المجلة،أنه من الواضح أن كيم اليائس الذي التقى ترامب قبل سنوات ليس كيم الواثق والمدعوم جيدا اليوم. فلأكثر من عامين، (ووفقا للمجلة الأمريكية)، زودت كوريا الشمالية روسيا بالذخائر التي تحتاج إليها بشدة لشن حربها في أوكرانيا؛ وعلى مدى الشهر الماضي، أرسلت بيونج يانج بقوات من النخبة إلى روسيا. كما تم التصديق على اتفاقية الدفاع المشترك بين روسيا وكوريا الشمالية، التي تم الإعلان عنها في يونيو الماضي، والتي يحصل كيم بموجبها على الغذاء والمال والنفط، والتكنولوجيا العسكرية المتقدمة.
ورأت المجلة أن عقودا من استعداد كوريا الشمالية للتخلي عن الأسلحة النووية مقابل الاعتراف الأمريكي والتطبيع وتخفيف العقوبات أصبح حاليا دربا من الماضي.
وفي هذا الإطار، يرى سكوت سنايدر، الرئيس والمدير التنفيذي للمعهد الاقتصادي الكوري في أمريكا، أن "الموقف الكوري الشمالي واضح. إذا عادوا إلى الانخراط (في المفاوضات مع أمريكا)، فسيكون ذلك على أساس إسقاط نزع السلاح النووي من الأجندة".
ومع ذلك، فإن المجلة الأمريكية ترى أن هناك أيضا بعض الأشياء الواضحة، أو التي تبدو واضحة، حول ترامب، حيث يعتقد أنه يتمتع بعلاقة شخصية جيدة مع كيم، ويحب عقد الصفقات، ويحب أيضا أن يعتقد أنه يستطيع إنهاء الحروب، علاوة على أنه لم يكن أبدا من محبي ضمان أمن كوريا الجنوبية من خلال وجود حوالي 28500 جندي أمريكي هناك على حساب الولايات المتحدة، لذا فإن احتمالات عقد قمة أخرى بين ترامب وكيم وإن كانت بعيدة، فإنها ليست مستحيلة.
وأشارت "فورين بوليسي" إلى أنه في المقابل، يجب مراعاة أن بوتين يشكل جزءاً رئيسيا من كتلة متنامية من الدول المناهضة للغرب والتي تسعى بنشاط إلى خلق بديل للنظام الذي تقوده الولايات المتحدة. لذا، فإن الواقع، في ضوء العديد من المتغيرات، يشير إلى أن الولايات المتحدة في عهد ترامب قد تعرض الاعتراف الضمني بوضع كوريا الشمالية كقوة نووية بحكم الأمر الواقع، خاصة وأن بيونج يانج تمتلك بالفعل أكثر من خمسين رأسا نوويا، بالإضافة إلى الصواريخ التي تحملها.
ونوهت المجلة إلى أنه في حين أن ترامب ربما يكون على استعداد لهذا الاعتراف، إلا أن الأمر الأقل وضوحا هو ما إذا كان من حوله (الإدارة الأمريكية والمؤسسات الفاعلة)، الذين يعطون الأولوية للمصالح الأمنية الأمريكية في آسيا، سوف يفعلون الشيء نفسه، ناهيك عن الجزء الأكبر من المؤسسة الأمنية الأمريكية التي تظل ملتزمة بمنع الانتشار النووي.
ولفتت المجلة الأمريكية إلى أنه من بين التساؤلات المطروحة أيضا، حجم التأثير الذي قد تخلفه المبادرة الدبلوماسية الكبيرة الأخرى التي وعد بها ترامب والمتعلقة بإنهاء حرب روسيا في أوكرانيا، على الوضع في شمال شرق آسيا.
ويرى بعض المراقبين، أن العلاقات العميقة مؤخرا بين روسيا وكوريا الشمالية هي ثمرة الاعتماد الروسي على الأسلحة الكورية الشمالية، وقد يعني انتهاء الحرب نهاية هذه العلاقة. ولكن بالنسبة لآخرين، فإن العلاقات بين كوريا الشمالية وروسيا لم تتشكل في الخطوط الأمامية في مقاطعة كورسك الحدودية الروسية، حيث إن المصالح المشتركة بين الجانبين تتجاوز المصلحة العسكرية وتشمل رؤية لعالم جديد، مع بدائل للدولار، ووضع حد للهيمنة الأمريكية، وإنشاء نظام متعدد الأقطاب.
ونبهت "فورين بوليسي" إلى تحول خطير للزعيم الكوري الشمالي، يتمثل في أنه لم يعد يتحدث عن التعايش السلمي للكوريتين، بل عما وصفته بـ "التعايش العدائي" وأن كوريا الجنوبية "دولة معادية"، فيما تترك خطاباته منذ عام 2022 الباب مفتوحا أمام حرب نووية ضد جارته الجنوبية.
وأوضحت المجلة أن هذا لا يعني أن كيم، الذي أصبح أكثر جرأة وقوة، سيبدأ حربا في شبه الجزيرة الكورية، ولكن ما يعنيه ذلك أن كيم تخلى عن أي أمل في إعادة التوحيد. وبالنسبة لكوريا الجنوبية، فإن مثل هذا الوضع، يثير تساؤلات خطيرة حول موثوقية مظلتها الأمنية، خاصة وأن أصواتا من سيول تحدثت لسنوات كثيرة عن أهمية إنشاء قوة ردع نووية خاصة بهم.
وفي النهاية، فإن سيول ستتابع وتراقب عن كثب خلال الفترة المقبلة مدى قدرة ترامب على إنهاء الحروب، وعما إذا كانت حربها الطويلة مع بيونج يانج قد تنتهي وكيف سيحدث ذلك.