لسنوات طويلة ظلت مشكلة العلاقة بين الملاك والمستأجرين للوحدات السكنية وفق ما يسمى عرفا "قانون الإيجارات القديمة" بدون حل جذري، ورغم تصدر الحكومات المختلفة على مدار أكثر من ثلاثة عقود لهذا الملف إلا أن الخوف من تأثير أى حل على الاستقرار الاجتماعي لعشرات الآلاف من الأسر المستأجرة حال دون إصدار تشريعات حاسمة تحقق قدرًا كبيرًا من العدالة بين طرفي العلاقة الإيجارية.
وجاء حكم المحكمة الدستورية الأسبوع الماضى بعدم دستورية الفقرة الأولى في كل من المادتين الأولى والثانية من القانون رقم 136 لسنة 1981 (الخاص بأحكام تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر) ليفتح هذا الملف الشائك ويعيده لبؤرة الاهتمام؛ خاصة أن حكم الدستورية طالب البرلمان بسرعة إجراء تعديل تشريع يقضي على العوار الدستوري فى المادتين،
ولكن ما هما الفقرتان اللتان تم الحكم بعدم دستوريتهما وحيثيات الحكم؟
الفقرة الأولى في المادة الأولى تنص على أنه "لا يجوز أن تزيد الأجرة السنوية للأماكن المرخص فى إقامتها لأغراض السكن اعتبارًا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون على 7% من قيمة الأرض والمباني للعقار المؤجر".
أما الفقرة الأولى من المادة الثانية فتنص على "تقدر قيمة الأرض بالنسبة للأماكن المنطوي عليها في المادة السابقة وفقا لثمن المثل عند الترخيص بالبناء، وتقدر قيمة المبانى وفقًا للتكلفة الفعلية وقت الإنشاء".
ولتوضيح معنى الفقرتين نضرب مثالا لذلك.. فلو أن وحدة سكنية مستأجرة مثلا من 50 سنة وتكلفة إنشائها كأرض ومبانٍ وقت الإنشاء منذ 50 سنة كان مبلغًا قدره 1000 جنيه فقط، فإن الزيادة السنوية فى قيمة الإيجار تبلغ وفق هاتين المادتين (70) جنيهًا سنويًا فقط لاغير، المحكمة الدستورية رأت أن الزيادة السنوية فى القيمة الإيجارية وفق هذا المعيار لا تحقق العدل بين طرفي العلاقة الإيجارية؛ لأن هذه الزيادة لا تتناسب مع الواقع.
إذن الكرة فى ملعب البرلمان لتعديل هاتين المادتين؛ بوضع تعديل تشريعي يحدد الزيادة السنوية فى القيمة الإيجارية بشكل أكثر عدلا حتى لا يجور طرف على آخر، ومنح حكم المحكمة الدستورية مجلس النواب مدة لا تجاوز 8 أشهر لتنفيذ الحكم، وألا تكون المادة المطعون عليها كأن لم تكن، ويجوز للملاك إقامة دعاوى طرد ضد المستأجرين.
مجلس النواب بعد صدور حكم المحكمة الدستورية أكد في بيان رسمي أن المجلس كلف لجنة الإسكان بإعداد دراسة عن ملف قوانين الإيجار القديم، وأكد أنه سيناقش القوانين الاستثنائية لإيجار الأماكن، والتعديلات التشريعية اللازمة لتنفيذ حكم المحكمة الدستورية بروح من التوازن والعدالة، ملتزمًا بحماية مصالح جميع الأطراف دون تغليب مصلحة طرف على حساب آخر.
وإلى جانب حكم المحكمة الدستورية وبيان مجلس النواب فإن القضية لها أبعاد كثيرة ومختلفة، أهمها -من وجهة نظري- كيفية الحفاظ على هذه الثروة العقارية التى لا تقدر بثمن، والتى ضربها الإهمال؛ نتيجة غياب الصيانة والتجديد لعقود طويلة؛ لأن القيمة الإيجارية السنوية للعقار بالكامل لا تكفي إصلاح "ماسورة سباكة"، نتج عن ذلك إتلاف الفيلات والعمارات القديمة ذات الطراز المعماري النادر في مناطق مثل مصر الجديدة والمهندسين والمعادي.. وغيرها، تحولت إلى خرابات وبيوت متهالكة، ورغم أن القيمة الإيجارية الشهرية السوقية للوحدة السكنية فى تلك المناطق اليوم تتجاوز آلاف الجنيهات فإن إيجار العقار بالكامل بكل وحداته السكنية قد لا يجاوز ألف الى ألفي جنيه، لذلك يجب أن يكون ملف الصيانة حاضرًا عند دراسة موضوع العلاقة بين المالك والمستأجر فى البرلمان، وأقترح أن يشمل أي تشريع جديد وضع صيغة إلزامية لإنشاء صندوق صيانة تابع للدولة وتحت إشرافها، ويفرض على المستأجرين في العقارات القديمة سداد قيمة تعادل 5% على الأقل من القيمة البيعية السوقية للوحدة السكنية المستأجرة بسعر اليوم كوديعة صيانة، وتتولى الدولة ممثلة فى وزارة الإسكان والهيئة الهندسية إدارة صناديق هذه الودائع وتكليف شركات متخصصة لصيانة كل العقارات، صيانة شاملة مثل التى تمت لعمارات القاهرة الخديوية؛ بحيث تعيد العمارات والفيلات لأصلها، وتجدد مداخلها وواجهاتها وشبكات المرافق بها لإطالة أعمارها والقضاء على القبح الذي يعتريها الآن، على أن يتضمن هذا التشريع إجراءات لتيسير إقراض المستأجر الذي لا يملك سداد قيمة ال5% رسوم الصيانة بتسهيلات فى السداد، على أن يحول البنك المقرض مبلغ الصيانة لصندوق الصيانة بنفسه مباشرة، ولا يعطي المستأجر المقترض المبلغ نقدًا؛ وذلك لضمان وصوله للغرض الذى جعل القرض من أجله.
أما الجزء المتعلق بنسبة الزيادة السنوية، فيجب أولا أن يتم رفع القيمة الإيجارية لكل وحدة سكنية على الأقل بما يعادل 25% من القيمة الإيجارية السوقية الفعلية بسعر اليوم بدلا من الجنيهات الحالية التى لا تكفى لسداد أجر حارس العقار، وبعد رفع القيمة الإيجارية للنسبة المقترحة أو لأي نسبة يراها المشرع فى البرلمان تبدأ الخطوة التالية وهي تحديد نسبة زيادة سنوية عادلة تكون نسبة من القيمة الإيجارية المعدلة التى تم زيادتها، وليس كما هو فى الفقرتين اللتين تم الحكم بعدم دستوريتهما، ولتكن 10% إلى 15% سنويًا من قيمة الإيجار المعدل، هذا المقترح الذى نراه يحقق جزءًا كبيرًا من العدالة للمؤجر؛ حيث تصل القيمة الإيجارية إلى 25% من قيمتها السوقية الحالية، مع زيادة سنوية من 10 إلى 15 في المائة، وهذا الوضع وإن كان لا يلبي طموح المؤجرين، ولكنه أفضل بكثير جدًا من الوضع الحالي، وأيضًا فإن المقترح يركز على مراعاة البعد الاجتماعي للمستأجرين من عقود طويلة كان فيها تكلفة العقار قليلة جدًا، ولذلك لا يجوز مطلقًا رفع القيمة الإيجارية للأسعار السوقية الحالية، أو تحرير العلاقة الإيجارية بين الطرفين.