يُنظر إلى مدينة الحمام باعتبارها دُرة مدائن الصحراء الغربية، حيث تقع على طريق ساحل البحر الأبيض المتوسط على بعد 65 كيلو متر غربي مدينة الإسكندرية، و ١٦ كيلو متر من برج العرب، يحدها من الشرق برج العرب المدينة الحديثة نسبيًا، والتى شيدت في عهد السير براملى مفتش البوليس بالصحراء الغربية إبان الإحتلال البريطاني، وبنى بها قصره الشهير، بالقرب منها تقع مدينة قديمة من العصر البطلمي قبل ميلاد المسيح، تُدعى "تابوزيريس ماجنا" عاصمة مريوط الثانية، وبجوارها البرج الشهير فنار "برج العرب" المُطل على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
موضوعات مقترحة
صورة لمدينة الحمام
الموقع الجغرافي
تكتسب مدينة الحمام موقعًا جغرافيًا متميزًا، يحدها شمالاً ساحل البحر الأبيض المتوسط وجبل وبحيرة مريوط أو جبل "الحمام" وميناء "مراقية"، والذي يعود تسميته لشعوب المرمريق القديمة، والتى سكنت المنطقة حتى قورينا "برقة"، وسميت المنطقة على اسمها "مرمريكا" وتم تعريب الاسم لمراقيا بعد الفتح الإسلامي، أما جنوبًا فيحدها قصر "القطاجي"، وهو قلعة رومانية قديمة وبالقرب منها آبار سيدي عبدالعاطي وصحراء بحر بلا ماء، ومن الغرب محطة الرويسات وذات العميدين، حيث القلعة الشهيرة، والتي بُنيت في عهد السلطان الظاهر بيبرس البندقداري، سلطان مصر والشام وبرقة؛ وذلك لحماية الحدود الغربية لمصر.
يمر خلال الحمّام سكة حديد الخديوية، والتي تصل الاسكندريه بساحل مارماريكا "مطروح"، والتي شُيدت في عهد الخديو عباس حلمي الثاني، والذي عزم مد خط سكك الحديد حتى عقبة السلوم لمسافة ٥٠٠كيلومتر، وكذلك خط سكك حديد من ميناء براتنيوم "مطروح حاليا" وحتى سيوة ، ولكن لم يسعفه الوقت، حيث عزله الاحتلال البريطاني أنذاك.
وطريق الساحل، طريق أثري قديم سلكه العديد من الغزاة والفاتحين، حيث مر به الرومان والقرطاجيون والإغريق، وسار فيه العرب فاتحين لبلاد المغرب والأندلس، وعاد منه الفاطميون لفتح مصر، وكتب عنه العديد من الكتاب والمؤرخين القدامى وتدل الآثار والنقوش التى اندثر أغلب معالمها على الحضارة والبهاء وغاية العمران في هذه البلدان من الإسكندرية وحتى عقبة السلوم وبرقة، كما مرت به جحافل الجيش البريطاني ووقعت معارك ضارية بين الإنجليز و قوات التاج البريطاني من جهة و القبائل العربية بقيادة السنوسي عام ١٩١٦م.
محطة قطار الحمام حاليا
الأهمية الاقتصادية
تعتبر مدينة الحمام مصدرًا هامًا ومركزًا لتصدير الغلال إلى الإمبراطورية الرومانية، واشتهرت بالزراعات الكثيرة مثل القمح والشعير و التمر وبها طواحين الهواء في جميع أرجاءها، وتشمل مساحات واسعة من وادي مريوط، وتعتبر ملتقى لطريق القوافل التجارية وطريق ركب الحجاج المغاربة، الذي كان يمر ببئر "الحمام" ليتزودوا بالماء والمؤن من سوقها الشهير، ويتجهون جنوبًا إلى بومنا جنوب غرب الإسكندرية، ثم إلى وادي النطرون ومنها إلى مصر.
وتعد المدينة أهم مراكز القسم الشرقي لمحافظة الصحراء الغربية "مطروح" والتي تضم العامرية، إيكينجي مريوط، بهيج، برج العرب، الحمام، العميد؛ لعراقتها وسعة الحركة التجارية فيها، في سوقها يلتقي تجار ليبيا والصحراء الغربية بتجار الوجه البحري والدلتا.
قال عنها الرحالة الأندلسي البكري في كتابه مسالك الممالك:"وذات الحمام هي سوق جامعة بها جامع بناه زيادة الله الأغلبي خلال منصرفه من الشرق إلى إفريقيا، وهو آخر أمراء الأغالبة الحاكمة لشمال إفريقيا من عام ٩٠٢ـ ٩٠٩م بإزائه بير غزيرة طيبة حولها جباب وبساتين وبها قصر خرب يرجع لصاحب مصر وبها يقيم عسكره.
خط سكة حديد الخديو أو خط الصحراء أثناء زيارة الخديو عباس حلمي الثاني لمرسى مطروح
قبائل الحمام
ينتمي أغلب سكان الحمّام إلي قبائل: السناقرة وأولاد خروف (علي الأبيض)، والقنيشات والعشيبات والكميلات (علي الأحمر)، والعراوة والقطيفة والسمالوس (من قبائل السننة)، والشتور (من الجميعات)، من كتاب لهجة إقليم مريوط.
زيارة الملك فؤاد لمدينة الحمام عام 1928م
الاسم خلال العصور
تعد مدينة الحمام واحدة من أهم مدن ساحل البحر الأبيض المتوسط خلال العصور اليونانية الرومانية والإسلامية، فقد عُرفت لدي الإغريق والبطالمة باسم "مينو كامينوس"، وعرفت في العهد الإسلامي بذات الحُمّام (بتشديد الميم)؛ وذلك لأسباب نسردها لاحقا.
هناك أسباب عديدة تتصل باسم الحمام؛ أولها أنه يُنسب إلى طير "الحمام" الذي كان حاضرًا وبكثافة نتيجة لتراكم الحاصلات والحبوب على أرضها، والتي كانت تصدر لأوروبا من ميناء مراقية قبالة أبوصير، وقد كان هذا الحمام يسكن في الآبار الرومانية؛ وبناءً على ذلك أطلق عليها قديما "ذات الحمام" والتي اختصر فيما بعد بـ"الحمام"، حتى تم تحريفها إلى تشديد الميم وأصبحت "الحمّام".
ورجح آخرون العديد من أسباب التسمية، ومنها أنه نسبة لوجود أكثر من 45 بئر حمام للمياه بها، فيما ذكر البعض وجود حمام مشهور بها؛ لإزالة عرق الأسفار في الصحراء.
سوق الحمام قديما أكبر أسواق الصحراء الغربية
بدوره يقول الدكتور عبد العزيز مطر:"وُجد سبب آخر مرجح لدي، لم يذكره أحد من قبل، غير أنه ورد في كتب العديد من المؤرخين مثل البكري المتوفى عام487هـ/ 1094م في كتابه (المسالك والممالك) حيث يقول: وسٌميت ذات الحُمّام؛ لأن كل من شرب من مائها حُمّ إلا من عافاه الله، ولذلك يقول ركب الحجاج والمارين بها من الرحالة والتجار: رب سلمنا من الحجاز وغلاها .. ومن مصر ووباها ومن ذات الحُمّام وحُماها، وأما الحُنْية فهي شطر حنية قائمة في وسط فحص بينها وبين البحر شرب يُقال أنها باب الإسكندرية ، وبين الحُنّية وذات الحمام مائدة رخام أسود يُقال انها مائدة فرعون تحتها جُب "بئر" يعرف بالتيس، سكنها بعد الفتح الإسلامي قوم من بني مدلج من كنانة من قريش وهم قبيلة اشتهرت بقيافة وقص الأثر، وأقوام من البربر.
ترددت الأوصاف الجغرافية والمعلومات التاريخية عن مدينة الحمام في مؤلفات الجغرافيين والمؤرخين المسلمين، فهذا اليعقوبي ت292هـ/ 891م في كتابه "البلدان" يقول:"سكنها أيضا من عرب الفتح بنو قرة الهلاليين، نسبهم من عبد مناف بن هلال، إليهم تُنسب (قبيلة المنفة).
ولهؤلاء "الهلالية" وقائع وأخبار مع الفاطميين، وثورتهم بدأت منذ عام ١٠٠٥م، كما يسكنها منذ مايقرب من ألف عام قبائل من سُليم إثر هجرتهم الكبرى عام ٤٤٢هـ /١٠٥٠م، وتقاسموا بين أبناء عمومتهم الهلاليين الاستحواذ على أكثر مناطق شمال إفريقيا.
وفي الخطط التوفيقية ١٨٨٧م، قال علي باشا مبارك: "وبين الإسكندرية وذات الحمام ثمانية وثلاثون ميلا"، فيما قال برت السياح ان بئر الحمام في الجنوب الغربي للإسكندرية على بعد ٣٤ ميلاً، ثم من ذات الحمام الى الحُنية وهي موضع آخر اسمه من اسم قبة قائمة هناك في وسط الرمل، ويفصلهاعن البحر تل يُقال أنها بوابة الإسكندرية؛ لذلك ظن البعض أنها قد تكون قرية ابوصير ببرج العرب مع أن البعد بين الحنية والإسكندرية إثنان وسبعون ميلا وبين الإسكندرية وأبوصير على ما ذكره الإدريسي عشرون ميلا، فليست الحُنية محل ابوصير، وحول الحُنية عائلات من عرب مزاته البربر يسكنون اخصاص من النبات، وبينها وبين الحُمام حجر من الرخام الأسود، تقول العرب انها سفرة مائدة فرعون وهو الآن غطاء لصهريج يُسمى "جب التيس" .
كتاب الرحلة العياشية
الآثار الإسلامية بمركز الحمام
تحوي مدينة الحمام على الكثير من الآثار الإسلامية، لعل أبرزها:
قلعة العميد
كأغلب مدائن الصحراء الغربية، تتمتع العميد بتاريخ ممتد عبر العهد الروماني والإسلامي، حيث ذكرت العميد باعتبارها محطة رئيسية على الطريق الرئيسي للقوافل، وكذلك درب الحج، والذي يخترق الساحل الشمالي وصولاً للصحراء الليبية.
تقع العميد على ساحل البحر على الطريق الواصل بين ذات الحُمّام (مدينة الحمام حاليا) والعلمين، وذكرت المصادر التاريخية أن سبب التسمية بـ"العميد" أو "العمودين" جاءت بسبب بناء الظاهر بيبرس لعددٍ من القلاع والحصون في مصر والشام وبرقة، مثل: قلعة الجزيرة بمصر، وقلعة السويس، و"قلعة العميدين ببرقة" والتي أشتق منها الاسم لاحقًا، لتعرف بقلعة "العمودين" الموجودين بالقلعة حينئذ، ليتحول إلى الاسم المصغر "العُميد" فيما بعد.
لقد ذهب الظاهر بيبرس على رأس الجيش المملوكي عام 672 هـ /1290م؛ ليفرض الاستقرار بالإقليم، ويقيم الحصون على طول الساحل للدفاع عنه ضد حملات الإفرنج، وقد أورد الرحالة المغربي العياشي في كتابه "الرحلة العياشية" أنه مر على ماء يُقال له "العميدين"، وذلك عام ١٦٩٠م، وهي آبار عدة في صخر بساحل البحر، وجوارها حصن مبنى بناءً محكمًا في غاية الإتقان كهيئة أبراج الإسكندرية، ولقينا عليه أعراب كثيرة معهم حاكم البحيرة".
لم تتوقف خطى الرحالة على العميد جيئة وذهابا، فقد مر بهذا المكان "جان ريمون" الرحالة الفرنسي عام ١٨٢٤م، حيث قال:"وعسكرنا في قصر العميد، وهو قصر عربي يقع على شاطئ البحر، يتكون من طابقين، وهو عبارة عن مربع كبير، وعلى كل جانب يوجد برج قائم الزوايا أيضا، يشكل البرج الجنوبي المدخل الرئيسي للقصر، إن جانبي المدخل وجبهته تتكون من الجرانيت الأحمر، يوجد بهذا القصر مثله مثل الحصون فى العصور الوسطى باب ثان، يتكون من مسطح حجري ضخم يتم رفعه عن طريق سلاسل حديدية وبكرات مثبتة فوق المدخل الرئيسي، يتربع على واجهة القصر سبعان (أسدان) على رصيف بارز مُزدان بخطوط وكتابات عربية لم يبق منها سوى بقايا مشوهة".
ما يُضفي أهمية كبيرة على آثار العميد بالنسبة للتاريخ، هو هذا النقش الذي نحت بشكل بارز على سطحية شبه مستديرة مُزركشة بخطوط عربية رٌسمت بعناية فائقة، تقول : "بسم الله الرحمن الرحيم، أمرنا بأبتناء هذه القلعة السعيد الوالي السلطان الأعظم الملك الظاهر ملك العرب وملك رقاب الأمم، ركن الدنيا والدين أبو الفتح بيبرس، قسيم أمير المؤمنين أعز الله أثاره، بيد العبد الفقير المغفور له أحمد الطاهر اليغموري".
محمية العميد
سبب اختفاء قلعة العمودين
في عام ١٨٧٣م بنيت منارة ملاصقة للقلعة القديمة، وُيقال أن بقايا القلعة قد هُدمت إذ ذاك؛ للحصول على الحجارة لبناء منزل حارس المنارة، هذه المنارة أُطفئت في الحرب العالمية الأولى، وأطفأت بعدها؛ لأن خليج العرب لا يقع على أي خط ملاحي معترف به".
محمية العميد
وتضم العميد محمية طبيعية تزهو بغطاءها النباتي والحيواني منذ أن تم تسميتها ضمن المحميات الطبيعية المصرية عام 1986م، وتقع على السهل الساحلي على بعد 83 كم غرب الإسكندرية، وتتميز بتكويناتها الجيولوجية المتميزة التي تضم الكثبان الرملية، والسفوح الصخرية، وتنشر بها الأودية ذات الأراضي الخصبة، وتضم المنطقة تكوينات الرسوبية والطباشيرية، كما تزهو محمية العميد بنباتاتها البرية والطبية، وتنتشر بها بعض الحيوانات مثل: الغزلان والأرانب البرية، والثعالب، والسحالف، والزواحف، والجرابيع والفئران.
عبد الله إبراهيم موسى
مدير منطقة آثار مطروح للآثار الإسلامية والقبطية
محمية العميد
محمية العميد
محمية العميد
محمية العميد
معبد تابوزيروس ماجنا ببرج العرب
منارة تابوزيروس ماجنا لإرشاد السفن
مدينة الحمام على الطريق الساحلي
الأستاذ عبد الله إبراهيم موسى مدير منطقة آثار مطروح للآثار الإسلامية والقبطية