- ليلة الانتخابات ظهر ترامب فى سلسلة من البودكاست ذات الشعبية الجارفة التى تلبى احتياجات جمهور الشباب
موضوعات مقترحة
- ترامب اقتحم هذا العالم بناء على توصيات ابنه «بارون» البالغ من العمر 18 عاما
أعضاء الحملة الانتخابية لدونالد ترامب يعطون البودكاست فضلا كبيرا فى الفوز بالانتخابات ربما تصبح المناظرات السياسة والتجمعات الانتخابية فى المستقبل ممارسات من التاريخ، فالجولات عبر حلقات البودكاست، أثبتت جدارتها بالانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة الأمريكية، لدرجة إطلاق البعض عليها «انتخابات البودكاست». لأنها ببساطة وسيلة أكثر ألفة، نبرات صوت المرشح تخترق أذنك، يجتذب شرائح ربما لا تكترث بالسياسة، حوارات مطولة تمتد لساعات تكشف الوجوه الخفية للمرشح فتقترب منه إنسانيا.
مزايا نجح فى استثمارها الرئيس السابق والقادم دونالد ترامب، بناء على توصيات ابنه الشاب البالغ من العمر 18 عاما، بارون ترامب، مهندس حملة اختراق البودكاست برفقة أصدقائه. وتلقف ترامب الفكرة بنجاح فهو نجم تليفزيون الواقع سابقا، والمولع بمنصات السوشيال ميديا وأباطرتها، وفى مقدمتهم الملياردير إيلون ماسك الذى أكد هو الآخر نجومية ومحورية دور «حلقات البودكاست» بنتائج الانتخابات.
عقب إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ظهرت وجهة نظر شائعة بسرعة البرق، تفيد بأنه يمكن أن يُعزى فوز دونالد ترامب، جزئيا على الأقل إلى حرصه على الظهور فى حلقات متنوعة من البودكاست. ففى الفترة التى سبقت يوم الانتخابات الحاسم ظهر ترامب فى سلسلة من البودكاست ذات الشعبية الجارفة، التى تلبى احتياجات جمهور الشباب من الذكور ذوى الميول اليمينية. وانتهى الأمر بتلك الشريحة السكانية من الذين تتراوح أعمارهم ما بين18 و29 عاما، إلى التصويت لصالح ترامب بهامش 28 نقطة. ربما كان العقل المدبر وراء تلك الخطة المبتكرة الناجحة، بارون نجل ترامب البالغ من العمر 18 عاما، حسبما أشارت مجلة "تايم" الأمريكية.
بحسب التقرير توصل أحد أعضاء فريق ترامب والمستشار السياسى له، أليكس بروزويتز إلى خطة لبث بودكاست فى يوليو الماضي، لكن ترامب طلب منه التشاور أولا مع بارون. وعندما اقترب مستشاره السياسى من القائمة النهائية بأشهر الأسماء التى يعتقد بضرورة ظهور ترامب عبرها قال له دونالد "هل ناقشت الأمر أولا مع بارون؟، وعندما كانت الإجابة بالنفي، طلب منه ترامب التواصل مع بارون ومعرفة فيما يفكر، ثم إخباره وعرض القائمة عليه.
وقد أقر أحد أكبر وأقرب مستشارى ترامب جيسون ميلر بدور بارون ترامب، خلال مقابلة عبر بودكاست Playbook Deep Dive فى أكتوبر الماضى قائلا: "لقد شارك بارون بشكل كبير فى اختيار أو التوصية بعدد من البودكاست التى ينبغى لنا الظهور من خلالها، القبعة لهذا الشاب، لقد تبين أن كل توصية حصلنا عليها منه كانت من ذهب".
ولم يكن بارون هو المراهق الوحيد الذى بدا أن ترامب يستمع إليه. فقد قدم له "بو لودون"أحد أفضل أصدقاء بارون المقربين وابن "جينا لودون" الرئيسة المشاركة السابقة لمنظمة "نساء من أجل ترامب" نصائحه أيضا. وقد ظهر لودون فى برنامج Piers Morgan Uncensored فى أكتوبر، حيث وصفه مورجان، بأنه "القوة الدافعة وراء اقتحام ترامب عالم البودكاست وإقباله عليه".
وقال لودون للمذيع الشهير بيرس مورجان: "تتمثل الإستراتيجية فى مقابلة جمهور ربما لا يتم التعرف عليه أو جمهور يحب ترامب، ولكن لا يعرفه جيدا" كما زعم أنه ساعد فى هندسة ظهور ترامب فى حلقات جو روجان قائلا"لقد تحدثت بالتأكيد إلى بعض الأشخاص حول هذا الأمر".
سبق أن أخبر "بيت ديفيد" رجل الأعمال ومقدم محتوى صوتى، يفتخر دوما به ويصفه بأنه "يستحق المتابعة لقيمته" صرح لصحيفة "تايمز" البريطانية بتفاصيل حول سيناريو انخراطه فى منظومة دونالد ترامب. بدأت بتلقيه بريدا إلكترونيا مفاده"يريد بارون ترامب تناول العشاء معك، لأنه يتابع هذا البودكاست" وأكد ديفيد الذى بدا غير مصدق فى البداية، صدق الدعوة ملبيا إياها وذهب لتناول العشاء مع بارون فى مارالاجو. ويتذكر ديفيد قائلا: "لمدة ساعة ونصف الساعة، شاهدنا بارون يدير العشاء مع رواية قصص وأجواء من الترفيه" وبعد أشهر قليلة ظهر ترامب مع بيت ديفيد فى بودكاست، وقال له: "لقد كان ابنى على حق بشأنك".
فى الأسابيع التى سبقت الانتخابات الرئاسية الأمريكية، كان دونالد ترامب وكامالا هاريس فى كل مكان. ليس فقط فى التجمعات الانتخابية بالولايات المتأرجحة أو الدعاية السياسية والإعلانات والمقابلات عبر شاشات التلفاز التى اعتدنا عليها، بل كانت أصواتهم تخترق آذاننا أيضا على نحو لم يحدث من قبل، وذلك عبر حلقات البودكاست. هذا المحتوى الصوتى المتوافر على الإنترنت، والذى يختلف عن الراديو فى إمكانية سماعه فى أى وقت وليس عند البث المباشر فقط، ويمكن للبودكاست أن يكون فى صيغة صوتية أو فيديو. يمكنك أن تستمع إليه عندما تقود السيارة، أو تتنقل فى المواصلات أو أثناء النشاطات المختلفة، مثل العمل أو ممارسة الرياضة، فهو مرافق لك فى أى مكان أو زمان.
بالنسبة لمحترفى اللاتصالات، فإن الرسالة واضحة "إذا كنت لا تزال تعطى الأولوية لوسائل الإعلام التقليدية، إذن فأنت تخوض معركة من الماضي". وربما يكون من المبكر تحديد مدى تأثير هذا الأمر على الانتخابات. إلا أن تلك ظاهرة تشير إلى تحول جوهرى فى كيفية استهلاك الأمريكيين للمعلومات. كما أن أعضاء الحملة الانتخابية لدونالد ترامب ومن هم فى دائرته المقربة يعطون البودكاست فضلا كبيرا فى الفوز بالانتخابات.
فقد وظف ترامب الظهور فى البودكاست على نطاق أوسع بكثير من كامالا هاريس؛ حيث أحصت مجلة "فوربس" الشهيرة ما لا يقل عن 13 ظهورًا له، وأغلبها يضم أعدادًا كبيرة من الشباب بين مستمعيها. فكانت تلك واحدة من الفئات السكانية، التى حقق ترامب اختراقا لها خلال دورة الانتخابات هذه؛ حيث صوت له أكثر من نصف الشباب من الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا، وفقًا لوكالة أسوشيتد برس. لقد ركز فريق ترامب على البودكاست، لأنه يصل إلى الجماهير الأصغر سنا من الذكور الذين كان يأمل فى استقطابهم، ومن ناحية أخرى كان مضيفو برامج البودكاست، أكثر تقبلا لمساعدة ترامب على الفوز. فى الوقت الذى انخفضت فيه ثقة أمريكا فى وسائل الإعلام التقليدية إلى أدنى مستوى تاريخي. وقد دفع هذا الزواج السياسي-الإعلامى بينهما العديد من المراقبين، إلى تسمية الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 "بانتخابات البودكاست".
يؤكد مو ألبيهاي- محلل بارز فى شركة فورستر-أن هذه الانتخابات أظهرت مدى أهمية القنوات الناشئة فى التواصل مع المرشحين، وأن كلا المرشحين كان يدرك جيدا أن الجمهور يوجد فى تلك المساحات.
ستيف جونسون، الرئيس التنفيذى السابق فى شركة FlexPoint Media"، قال: سيتم تذكر عام 2024 باعتباره عام انتخابات البودكاست، ليس لأن البث الصوتى جديد فهو ليس كذلك؛ ولكن لأن عام 2024 كان المرة الأولى التى استغل فيها المرشحون الرئاسيون البث الصوتى فى حملاتهم بطريقة مؤثرة".
لقد بلغ حجم الإنفاق على الدعاية السياسية هذا العام أرقاما قياسية، بفضل سباق كان متقاربا حتى يوم الانتخابات. لكن المرشحين تواصلوا أيضا مع الناخبين خارج النطاق الضيق للإعلانات، وأدركوا قوة البث الصوتي.
طبقا لتقرير صادر عن مؤسسة إديسون البحثية فى إبريل الماضى، يستمع أكثر من 100 مليون أمريكى لبودكاست واحد على الأقل أسبوعيا، بزيادة قدرها 31 ٪ على عام 2023.
علاوة على ذلك، تشير البيانات إلى أن مستمعى البودكاست، هم جمهور منخرط سياسيا. وفقا لتقرير صادر عن Sounds Profitable نشر فى عام 2022 فإن 81 ٪ من مستمعى البودكاست الذين شملهم الاستطلاع، قد أدلوا بأصواتهم فى انتخابات 2020.
يوما بعد يوم يجتذب البودكاست عددا أكبر من المستمعين الذين يتفاعلوا معه، وبالتالى سيكون من الخطأ أن تتجاهله الحملات الانتخابية المستقبلية، كوسيلة لإيصال رسائل المرشحين. وبغض النظر عن التأثير الذى أحدثه البودكاست على انتخابات 2024، يتفق الخبراء على أنه سوف يؤثر فى دورات الحملات الانتخابية المستقبلية. ومن المؤكد تقريبًا أن المرشحين سيدمجون ظهورهم فى البودكاست فى جولاتهم الإعلامية بالأعوام المقبلة.
وللبودكاست تأثيرات مباشرة على وجدان الشخص ومشاعره، كما أشار مارتن سبينيلي- أستاذ البث الصوتى والوسائط الإبداعية فى جامعة ساسكس إلى أن العديد من الأشخاص يستمعون إليه باستخدام سماعات الأذن، مما يدعوهم إلى مستوى من الألفة، لا يمكن أن تحققه أشكال أخرى من الوسائط، بما فى ذلك الإذاعة. فنبرات المرشح تخترق عقلك بشكل مباشر وأكثر قربا، إنها تجربة فريدة من نوعها فى إثارة التفاعل والمشاعر.
تلك ميزة ذات مردود وفائدة سياسية، خصوصا فيما يتعلق بنوع السياسة الشعبوية، التى تشهد لحظة فارقة الآن؛ حيث يتمتع البودكاست بخيارات خاصة، ويحتل موقعا فريدا لإثارة المشاعر بين الناخبين.
بالنسبة للمرشحين السياسيين، تأتى المقابلات مع مضيفى البودكاست بفوائد تتجاوز التعرض لملايين الناخبين بالتجمعات الانتخابية. فهى وسيلة سهلة نسبيًا، وتسمح للمرشحين باستهداف جماهير محددة. قد يقدم مضيفو البودكاست المتعاطفون مع آراء المرشح معارضة أقل، أثناء المقابلة مقارنة بالصحفى التقليدي. فضلا عن أن المقابلات المطولة، التى يمكن أن تمتد لساعات، توفر المزيد من الفرص للصراحة، مما يسمح للمستمعين بالخروج، وهم يشعرون كأنهم تعرفوا حقًا على المرشح بطبيعته الإنسانية الخاصة غير الرسمية أو المتكلفة بخلاف المناظرات أو وسائل الإعلام التقليدية. وهذا ما فعله ترامب بنجاح وإتقان، فقد اختلط إلى حد الاندماج جيدًا مع المضيفين، وبالتالى خلق نوعا من الشعور بالأخوة، هناك تقارب معين يتطور، عندما تقضى وقتًا طويلاً مع مضيف فى البودكاست.
نقطة أخرى جديرة بالملاحظة، هى أن تلك الحلقات ليست بالضرورة سياسية أو تركز على الأحداث الجارية. بل إن الكثير منها عبارة عن عروض للترفيه أو مجرد دردشة، وبالتالى فهى وسيلة للمرشحين للوصول إلى الأشخاص، الذين لا يبحثون عن محتوى متعلق بالانتخابات.
يذكر أنه من أشهر حلقات البودكاست والمضيفون الشباب الذين ظهر برفقتهم ترامب فى الأسابيع التى سبقت الانتخابات تشمل: لوجان بول، ثيو فون وجو روجان. وعلى ما يبدو سيحمل المستقبل دورًا أكثر اتساعا وأعمق تأثيرا لتلك الأسماء، لتصبح "جولات البودكاست" إحدى أهم أدوات الانتخابات ولا يمكن للمرشحين تجاهلها، فهى أسرع وأقصر طريق إلى عقل وقلب الناخبين.