دأب دونالد ترامب، الذى سيعود إلى البيت الأبيض فى 20 يناير 2025، على الزعم بأنه قادر على إنهاء الحرب فى أوكرانيا “فى يوم واحد”، دون أن يوضح بالتفصيل كيف سيفعل ذلك، لكن من المتوقع أن يتضمن ذلك اتفاقاً، يلزم كييف بالتنازل عن جزء من أراضيها لموسكو، وهو تنازل من المستحيل تصوره على الجانب الأوكرانى.
موضوعات مقترحة
إحدى الأفكار المقترحة داخل مكتب ترامب الانتقالى، تتضمن تعهد كييف بعدم الانضمام إلى الناتو لمدة 20 عامًا، على الأقل مقابل إغلاق خط المواجهة بشكل أساسى مع روسيا، وسيتعين على الجانبين الاتفاق على منطقة منزوعة السلاح، بأيد أوروبية بمساحة 1300 كيلومتر مربع، وهو خيار يتعارض مع “خطة النصر”، التى يريدها الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، والتى من أهم نقاطها الدعوة الرسمية للانضمام إلى حلف الأطلنطى، فضلا عن تعزيز المساعدات العسكرية.
بعيدا عن كل ذلك، يتفق المحللون على أن السياسات الأمريكية فيما يتعلق بأوكرانيا، على وشك الخضوع لتغييرات كبيرة، مما قد يعيد تشكيل مسار الصراع مع روسيا، فرغبة ترامب فى إنهاء الحرب، كانت محورًا رئيسيًا لحملته الانتخابية، حيث روج لعلاقاته الوثيقة مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، باعتبارها رصيدًا رئيسيًا فى أية مفاوضات، ما جعل كييف وقادتها يشعرون بالقلق بشكل واضح، بشأن خطط ترامب، التى يبدو أنها تهدد بتعطيل الأهداف الإستراتيجية لأوكرانيا بالكامل.
فأوكرانيا دولة موالية للولايات المتحدة، وتعتمد بشكل كبير على دعمها العسكرى والمالى والسياسى فى الحرب ضد روسيا، كما أن هذه الحرب أيضا هى حرب بالوكالة بين حلف شمال الأطلنطى، الذى تقوده الولايات المتحدة وروسيا، وبالتالى فمن المحتمل جدًا أن يحاول ترامب وقف الحرب فى أوكرانيا، وخفض المساعدات الأمريكية لأوكرانيا بشكل كبير، ما يجعل من ولاية ترامب الثانية، إنذارا بصعوبات خطيرة بالنسبة لأوكرانيا التى تنتظر أوقاتا عصيبة بسبب هذا النبأ السيئ.
هل يستطيع ترامب إنهاء الحرب فى أوكرانيا؟
يتفق الخبراء على أن ادعاء ترامب، بأنه سينهى الحرب فى يوم واحد، هو أمر مبالغ فيه، لكن الحل يمكن أن يحدث بالفعل خلال فترة ولايته، ففرص حدوث ذلك، هى أكثر ترجيحًا مقارنة ببايدن أو هاريس، وعلى الرغم من أن ترامب لا يتمتع بنفوذ كبير، على بوتين فإنه يمكنه إقناع زيلينسكى بالموافقة على وقف إطلاق النار، وسيطرة روسيا الفعلية على الأراضى المحتلة والمضمومة من روسيا، وذلك وفق رأى الخبراء السياسيين.
برغم أن الجهود الرامية إلى “تجميد” الحرب، يجب أن تبدأ قريبًا فإن فريق ترامب للسياسة الخارجية، يبدو غير متأكد من النهج الأفضل الذى يجب اتباعه، فالطريق الأكثر قابلية للتطبيق لوقف الأعمال العدائية مع الحفاظ على المصالح الأمريكية والأوكرانية، سيكون إستراتيجية “السلام من خلال القوة”، وهو النهج الذى كانت تفتقر إليه إدارة بايدن فى تعاملها مع الوضع، حيث أثبت نهج إدارة التصعيد، الذى يقوده جيك سوليفان مستشار الأمن القومى لبايدن، عدم فاعليته فى ردع العدوان الروسى على نطاق واسع.
بعض المحللين السياسيين شككوا فى خطط ترامب، باعتبار أنه ليس لديه رؤية واضحة لإنهاء الحرب، كما أنه لم يقرر بعد ما ستكون عليه سياساته، فضلا عن أن بعض مستشاريه لا يرى فى روسيا تهديدا، ولا يرى أن دعم أوكرانيا مهم بالنسبة للولايات المتحدة، وحلف شمال الأطلنطى، أما الآخرون فيرون أن روسيا عدوانية، وأنها تشكل تهديدا وأنها تعمل أيضا فى شراكة مع كوريا الشمالية والصين.
ولذا ففيما يتعلق بخيارات ترامب الوزارية، إذا تعلق الأمر بفريق من الصقور الآسيوية، فهذا ليس فى صالح أوكرانيا، لأن أوكرانيا عندئذ ستصبح أقل أولوية، وفيما يتعلق بإمكانية إجراء مفاوضات بين أوكرانيا وروسيا، فلا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت موسكو مهتمة حقا لأنها تتمتع حاليا بوضع قوى على الأرض.
وبرغم أن الأجواء العامة فى أوكرانيا مثيرة للقلق، فإنه لا يزال هناك الكثير من الناس الذين يجدون بصيص أمل فى تحدى بوتين، بمعنى أنه لو أظهر الروس عدوانية، وعدم احترام للولايات المتحدة، فإن هذا قد يزعج ترامب إلى درجة أنه يمكن أن يدعم أوكرانيا، بما فيه الكفاية بحيث يكون لديها فرصة للفوز، لأن ترامب فى هذه الحالة سيشعر بالقلق من أن يبدو وكأنه خاسر لأنه وعد بإنهاء سريع للصراع، وبالتالى سيغمر أوكرانيا بالأسلحة الأمريكية لاستعادة بعض الأراضى على الأقل للضغط على بوتين، وبشكل عام، فإن إرغام كييف على الاستسلام من شأنه أن يقلل بشكل كبير من مصداقية أمريكا، كشريك أمنى فى جميع أنحاء العالم. فالصينيون والتايوانيون يراقبون الأمر عن كثب، والولايات المتحدة ترغب بدورها فى الحصول على شىء يمكنها تقديمه على الأقل للجمهور الأمريكى، كاتفاق سلام يصمد لفترة طويلة، فبالنسبة لدونالد ترامب يعد هذا الصراع “عملًا سيئًا”، ويريد ألا تكون الولايات المتحدة متورطة فيه لفترة أطول.
ماذا يمكنه أن يفعل؟
هنا تكمن الشكوك، هل يفرض الاستسلام على أوكرانيا أم أنه سيجبر بوتين على التفاوض بالشروط التى اختارها، وإلا استثمر أموالا ضخمة لهزيمته؟
الاختيار الثانى، ربما يكون بعيدا كل البعد عن طبيعة شخصية ترامب، وعليه، فإن الاختيار الأول هو الأقرب للواقع، وذلك بحجة الضمانة الأمريكية، لكن لو تم ذلك سيستولى بوتين على نحو 20 % من الأراضى الأوكرانية، فى الوقت التى ستسحب فيه الولايات المتحدة دعمها العسكرى، وبالتالى فلن يتمكن الأوروبيون من تولى زمام الأمور، فخطة ترامب المعلنة لوقف الحرب كشفتها الصحافة الأمريكية جزئياً، وهى تجميد الصراع وإنشاء منطقة عازلة، ونشر قوات عسكرية دولية، لكن كل ذلك سيتم فى ظل حقيقة، مفاداها أنه لن يفضل المصالح الأوكرانية - والأوروبية بل إنه سيحاول بشكل خاص إظهار احترامه لبوتين لأنه لا ينوى شن حرب ضده.
من المعروف أن تجميد الصراع، من شأنه أن يؤدى إلى انتصار مؤكد لروسيا، وبالتالى لحليفتها الصين عدو دونالد ترامب، وبالتالى فإن السؤال يدور حول إمكانية أن يلعب هذا دورًا فى النهاية المحتملة لهذا الصراع.
والاجابة هى أن الصين لم تكن متورطة بشكل ملموس قط فى أوكرانيا على عكس كوريا الشمالية، فالصين اتخذت خطوة للوراء إذ بدت أقرب الى موقف المتفرج.
وفى حوار أجراه موقع “لاكروا” الفرنسى مع البروفيسور سام جرين الأستاذ فى جامعة كينجز كوليدج فى لندن، شكك فيه بشدة فى رغبة ترامب بالتخلى عن أوكرانيا، فرغم أنه صانع الصفقات وهو الذى يريد انهاء هذه الحرب، لكن ما الذى سيكسبه من التخلى عن أوكرانيا لصالح روسيا، فالهدف من الصفقة هو أن يكون هو المستفيد، وفلاديمير بوتين لا يستطيع أن يقدم لترامب شيئاً، فى مقابل جعل هذا الاتفاق مقبولاً، ولهذا فمن شأن اتفاق كهذا أن يخلق الكثير من الاستياء فى واشنطن بما فى ذلك داخل حزبه، والواقع أن العديد من المسئولين الجمهوريين المنتخبين فى الكونجرس ما زالوا ملتزمين بدعم أوكرانيا، ومع ذلك وعلى الرغم من أنه قد يكون هناك تفاهم معين على المستوى الشخصى مع بوتين فإن الولاية الأولى لدونالد ترامب من 2017 إلى 2021 أظهرت أنه لم يكن هناك تقارب فى المصالح بين روسيا والولايات المتحدة.
أما بالنسبة للمساعدات فحتى وإن بدا أن قطع المساعدات العسكرية عن أوكرانيا، والتى تبلغ عشرات المليارات يكفى لتبرير هذه الصفقة بالنسبة لدونالد ترامب، فإن هذا الادخار يشكل مكسباً هامشياً ولا يتناسب مع التكلفة الواضحة المترتبة على السماح لروسيا بسحق أوكرانيا، وبالتالى فإن هناك مفاوضات تجرى بين الولايات المتحدة وأوروبا بشأن المساعدات لأوكرانيا، ومفاوضات أخرى تجرى بين الولايات المتحدة وكييف بشأن الضمانات الأمنية التى يمكن أن تقدمها واشنطن على المدى الطويل وسيسعى ترامب إلى تحقيق “النصر” من خلال انتزاع تعويضات كبيرة من الأوروبيين والأوكرانيين، مقابل المساعدات التى سيوافق على تقديمها خاصة أنه طالما سعى لرؤية أمريكا تحرر نفسها من دورها كحامية لأوروبا اذ أن هذا هو موقفها الأقدم والأكثر ديمومة، وقد عبر عنه دونالد ترامب لأول مرة عندما كان رجل أعمال فقط وبعيدا كل البعد عن السياسة عام 1987 حتى قبل سقوط الاتحاد السوفيتى.
ومع ذلك فوفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال، فإن هناك معسكرات مختلفة للتأثير على السياسة الخارجية للجمهوريين، ومن المرجح أن يضغط المزيد من الحلفاء التقليديين مثل مايك بومبيو وزير الخارجية السابق الذى يترشح حاليًا لقيادة البنتاجون من أجل التوصل إلى تسوية، لا يبدو أنها تمنح موسكو نصرًا كبيرًا، أما ريتشارد جرينيل المرشح الرئيسى لقيادة وزارة الخارجية أو مستشارا للأمن القومى، فيرغب فى إعطاء الأولوية لرغبة ترامب فى إنهاء الحرب فى أقرب وقت ممكن، حتى لو كان ذلك يعنى إجبار كييف على تقديم تنازلات كبيرة، ما يعنى أنه من الصعب توقع سياسات دونالد ترامب، لأن حاشيته تتألف من أشخاص لديهم آراء مختلفة تمام.