كلما حان أجل عزيز؛ وبدأت إجراءات الدفن مرورًا بصلاة الجنازة وانتهاءً بدفن الفقيد والدعاء له بأن يجعل الله قبره روضة من رياض الجنة، وأن يثبته الله عند السؤال، وتبدأ مرحلة تالية تذكٌر من رحلوا عن دنيانا؛ والترحم عليهم.
إلا أن الأهم؛ ماذا سيحدث بعد الرحيل؟ سؤال يظل يلح علي؛ ويتكرر فى نفس الموقف المتكرر؛ فكلنا راحلون ولكل أجل كتاب؛ لا يعلمه إلا الله.
على مدى عمرى رحل عني كثيرون من الأقارب والمعارف.. إلخ؛ ما زالت هناك ذكريات عزيزة وغالية لا تذهب عن مخيلتي، خاصة للأقرب والدي رحمة الله عليه؛ نعم من فضل الله أني أدعو له كل يوم في كل سجدة؛ وأسعد كلما حلت سيرته الطيبة بالخير؛ ويبدأ الحضور في سرد الذكريات الطيبة عنه؛ وعن شهامته؛ وينتهي الحوار بالدعاء له بالرحمة.
ومن المؤكد أن هذه المواقف تتكرر مع حضراتكم أيضًا؛ ولكن ماذا سيحدث بعد الرحيل؟
هذا سؤال لنا جميعًا؛ كيف ستأتي سيرتك؛ بالخير؛ فيترحم عليك الناس؛ أم بالسوء؛ فأضعف الإيمان تجنب الكلام احترامًا لجلال الموت؛ أم ينتهي بالدعاء على الراحل؛ وهذا موقف مررت به منذ فترة؛ حيث جاءت سيرة شخص متوفى؛ فوجدت من بين الحاضرين من يدعو عليه بالهلاك؛ فحينما استفسرت كانت الإجابة مزعجة "لقد كان ظالما؛ آكلًا لحقوق الناس"، من المؤكد أن نهاية مثل ذلك الشخص سيء الذكر أكثر سوءًا من سيرته.
ولكن ألم يتعظ أو يعي هو ومن على شاكلته أن النهاية محتومة؛ وأن الأجل قادم لا محالة؛ وأن حساب الدنيا أفضل من حساب الآخرة؛ ورد المظالم والتعامل مع الناس بما يرضي الله؛ مآله الجنة.
هكذا الدنيا؛ وجاء اسمها الدنيا؛ لأنها الأكثر دونية؛ تزينت لبني آدم بكل المغريات؛ وبات طريق النار مملوءًا بكل المشهيات؛ كل الموبقات والمتع الزائلة الخمر والميسر والنساء.. إلخ.
وبات طريق الجنة مفروشًا ببعض الصعوبات؛ منها الالتزام الديني واجتناب ما يغضب الله؛ والابتعاد عما حرمه؛ وهنا؛ كلما التزمت وأجدت وأخلصت في عبادتك؛ كان الجزاء أكثر رفعة من رب الجزاء؛ وبكل تأكيد العكس صحيح تمامًا.
الحياة قصيرة تمامًا مهما طالت؛ والآخرة خلود؛ ورغم يقين الناس بأن الآخرة دار البقاء؛ تلهيهم الدنيا بزهوها وبريقها؛ فينشغلون؛ منهم من يفيق مبكرًا؛ ومنهم من يظل مشغولًا بالدنيا عن الآخرة.
بعد الرحيل سينقطع عملك إلا من ثلاث.. ولد صالح يدعو لك؛ وقد يكون ابنك؛ صديقًا؛ قريبًا.. وهذا يحدث مع بعضنا، تأخذنا الأحاديث؛ حتى تأتي سيرة شخص نحبه؛ فنقول "الله يرحمه" أو شخص لا نحبه وقد رحل؛ فتمر سيرته دون توقف.
أما الثانية؛ علم ينتفع به؛ فهل يترك الإنسان خلفه شيئًا نافعًا يتذكره به الناس؛ فيدعون له؛ أم شيئًا ضارًا؛ فيدعون عليه؟
والأخيرة؛ صدقة جارية؛ وهى متنوعة ومتعددة؛ ولها فروع كثيرة؛ لكن استمرار جريانها بالخير؛ بمثابة مداد من الحسنات يتدفق عليك فى آخرتك.
اللهم أحسن ختامنا؛ وأحسن أعمالنا؛ واجعلنا ممن إذا رحلوا وجدوا من يترحم عليهم و يدعون لهم بالخير والرحمة.
[email protected]