شغل الدكتور "طه حسين" منصب وزير المعارف في حكومة الوفد الأخيرة في الفترة من 12 يناير 1950م وحتى 27 يناير 1952م، سياساته وشكل التعليم في زمنه مسائل قد تكون محل نظر وخلاف بين مؤيد ومعارض، لكن يبقى جانب إيجابي لا يختلف عليه أحد هو شهامة الدكتور "طه حسين" خلال هذه الفترة وقبلها أيضا في دعم الآخرين على اختلاف توجهاتهم ومد يد العون لهم قدر الإمكان ..ولقد حفظ التاريخ صورًا من هذا الدعم والمساندة بما يصلح أن يكون مرشدًا لكل صانع قرار رفعته المقادير لمنصب كبير يستطيع من خلاله مساعدة كل من كان في عثرة أو كبوة وتبني وتشجيع آمال وتطلعات طاقات عظيمة من أبناء أمته.. ونستعرض هذه الصور عبر هذه الحكايات التي تتنوع شخوصها وملامح أحداثها...
عميد الأدب العربي د. طه حسين
الحكاية الثانية: عميد الأدب العربي يدعم تلميذته الفنانة
ورد في العدد 296 من مجلة "الجيل" في 26 أغسطس 1956م تعقيبًا مُفصلاً إثر قرار الأستاذ "أحمد حمروش" بفصل عشرة فنانين وفنانات من العمل بالفرقة المصرية المسرحية من بينهم الفنانة "روحية خالد"، حسناء سينما الأربعينيات، وقد وضع الأستاذ "حمروش" استقالته في كفة وطرد "روحية خالد " في كفة أخرى.
وجاء قرار الطرد مبنيًا على اتهام تردد على أعمدة الصحف بأنها لا تعمل ..جاء تعليق "روحية خالد" على هذا الاتهام الظالم في هيئة تساؤلات مشروعة: "هل امتنعت يوما عن العمل؟!..هل تأخرت دقيقة عن موعد بروفة؟!..هل أسند إلى دور ..أي دور ..وتأففت من أدائه؟!..هل أهملت؟!..هل عصيت؟!..هل تأمرت ؟!..ثم تتشنج وتنهمر دموعها وتصيح في عصبية مؤلمة:«إنني أحسد عم "إمام " فراش الفرقة لأنه باق بها».
روحية خالد مع أنور وجدي
وتصف المجلة العبارة الأخيرة التي تغتبط فيها الفنانة عامل الفرقة الباقي والتضيحة بها خارج الفرقة بالعبارة القاتلة، ذلك أن "روحية خالد " من مؤسسات الفرقة القومية عام 1935م، وكانت أولى طالبات معهد فن التمثيل عام 1931م، كما حصلت على دبلوم المعهد منذ خمس سنوات وبالتالي فالفرقة والمسرح أصبحا جزء من كيانها.
لكن ما علاقة كل هذا بطه حسين؟، حينما أرادت المجلة أن تبرهن على موهبة "روحية خالد" استشهدت بخطاب من "طه حسين" حينما كان وزيرًا للمعارف في 20 يونيو 1950م إلى زميله الدكتور "أحمد بك حسين" وزير الشئون الاجتماعية وقتذاك بشأنها، والواضح أن روحية كانت تعاني البطالة والتضييق عليها وتهميشها منذ فترة ليست بالقصيرة.
روحية خالد بين فريد الأطرش وشقيقته أسمهان
يقول "طه حسين" في خطابه:"صديقي العزيز صاحب المعالي الدكتور أحمد حسين ..يسرني أن أقدم إليك الممثلة الممتازة السيدة روحية خالد، وما أشك في أنك تعرفها من قبل، وإذا كان لرأيي في الفن قيمة فأني أؤكد أنها ممثلة ممتازة بأدق معاني الكلمة وأصدقها .. فقد عرفتها حين كانت تلميذة لي في معهد التمثيل، وشهدتها تمثل في أروع القصص القديمة والحديثة فرضيت عن تمثيلها كل الرضى، وحمدت الله أني استطعت أن أشارك في تكوين ممثلة مبدعة مثلها".
حقا لقد كان "طه حسين " نعم السند والظهير القوي لطلابه في وقت المحن وغروب الأيام وهي من فضائله التي يشهد بها معاصروه.
كان "طه حسين" يُسدي العون المادي أيضا، بينما زوجته "تعاتبه لأنه ينفق من ماله على بعض أرحامه، وكان لا يرد على هذا إلاّ بالصمت"(محمد الدسوقي يستذكر علاقته مع طه حسين ..حوار أجراه نايف النوايسة.. مجلة أفكار، وزارة الثقافة، العدد 205، سنة 2005، ص116)..وبحسب الدكتور "محمد الدسوقي" أيضا في كتابه "طه حسين يتحدث عن أعلام عصره".
روحية خالد مع بدر لاما
عانى "طه حسين" في أواخر حياته من تنكر تلاميذه وأقرانه له في السنوات العشرة الأخيرة من عمره، وكان العميد يُردد دائمًا "إن نكران الجميل شىء فظيع"، ويضرب على ذلك مثالاً برفض "طه حسين" مقابلة إحدى تلميذاته الني حضرت ظهرًا وبغير موعد سابق، وقد درس لها وهي طالبة وأشرف عليها حتى حصلت على درجة الدكتوراة من الجامعة، فلما علت مكانتها وذاعت شهرتها انقطعت عن زيارته أمدًا طويلا ًولم تعد تجامله، متناسية أنه أستاذها فوصفها بالجاحدة العاقة وعلى هذا كان موقفه منها!!..
د. محمد فتحي عبد العال
كاتب وباحث في التاريخ والتراث
روحية خالد.. حسناء سينما الأربعينيات
روحية خالد.. حسناء سينما الأربعينيات
د محمد فتحي عبد العال