لم تشهد قمة الرياض العربية الإسلامية أي مفاجآت سلبية أو أحداثًا درامية، إلا أن النقطة الأبرز هي حجم التطور في علاقات الرياض وطهران، وحجم الحرص الإيراني على التجاوب مع السعودية ومصر ودول الخليج، والتيار العام في الدول العربية والإسلامية، والذي يركز على وقف الحرب في غزة ولبنان، واستغلال تصدر القضية الفلسطينية المشهد الدولي، وتزايد الاعتراف الدولي بحقوق الفلسطينيين، وعمل السعودية ومصر وتركيا ودول أوروبية في إطار التحالف الدولي من أجل إقامة الدولة الفلسطينية، وتمسك ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالدولة الفلسطينية لقبول علاقات طبيعية مع إسرائيل.
وفي ذات السياق واصلت الدول العربية والإسلامية طريقها بتوحيد صفوفها، وإقرار مسعى طرد إسرائيل من الأمم المتحدة.
ومن ناحية أخرى لاحظ الخبراء تقارب السعودية وإيران في القمة العربية الإسلامية، وخاصة ما قاله بن سلمان عن إيران، وتوقفت العديد من المصادر العليمة أمام وصف بن سلمان لإيران، فقد طالب المجتمع الدولي أن يُلزم إسرائيل "باحترام سيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشقيقة، وعدم الاعتداء على أراضيها".
وعشية انطلاق أعمال قمة الرياض، زار رئيس هيئة الأركان السعودي، طهران، والتقى نظيره الإيراني، وبحثا فرص تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين في المجال العسكري والدفاعي، بما يسهم في تعزيز الأمن والاستقرار بالمنطقة، وذلك وفقًا لبيان "الدفاع" السعودية.
وفي الوقت نفسه كشف وزير الخارجية السعودية عن وجود تنسيق عالي المستوى بين الدول العربية والإسلامية حول تطورات الوضع في لبنان؛ لبحث كيفية دعم صموده ودعم خروجه من الفراغ السياسي، لكنه شدد على أنه في النهاية هذا قرار لبناني، أما حول غزة، فأكد وزير الخارجية السعودية أن القمة لم تخرج بقرارات محددة؛ لأن السلطة الفلسطينية هي المسئولة عن الأوضاع.
وكشفت مصادر مطلعة عن أن توقيع إيران على البيان الختامي للقمة يعني أنها توافق على، أو على الأقل لا تمانع في، أن تتولى السلطة مسئولية اليوم التالي في غزة.
وهذا التطور يأتي في نفس السياق الخاص بعدم اعتراض طهران على حل الدولتين.
ومن ناحية أخرى ذكرت بعض المصادر اللبنانية أن الأمل معقود هذه المرة على لقاء بايدن-ترامب المرتقب بعد ساعات في البيت الأبيض، عسى أن يمنح تفويضًا مشتركًا هذه المرة، لآموس هوكستين، للعمل بتفويض أكبر من أجل وقف إطلاق النار في لبنان، وكشفت المصادر المطلعة عن أن موجة التفاؤل المبنية على الدور الروسي المسهل، والتي عززتها إيران بموقف مهم، حيث تلقى رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس الأول اتصالًا من رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف، والذي أكد وقوف طهران إلى جانب بيروت، ومؤازرة لبنان بتنفيذ القرار 1701، وأكد بري تمسكه بالموقف الرافض أي زيادة أو نقصان على القرار 1701.
وفي الوقت نفسه تراجع التبشير المتسرع بهدنة قريبة، بعدما تبين أنه لا يستند إلى وقائع، بل إلى تمنيات، أو ربما إلى قراءات خاطئة للتحول على المستوى الأمريكي، ولا يرى وليد جنبلاط أي تأثير للتغيير في البيت الأبيض على الوضع في المنطقة ولبنان.
وقد خفت في الساعات الأخيرة التعويل على زيارة قريبة لآموس هوكستين، في انتظار لقاء الرئيسين جو بايدن ودونالد ترامب، الذي يبحث ملفات دولية عدة، وليس فقط لبنان.
أما المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، فواكب التفاؤل اللبناني بوقف النار بتهديدات أعقبها تنفيذ عشرات الغارات في مختلف المناطق اللبنانية، ولا سيما في الضاحية الجنوبية.
وخلاصة تهديد إسرائيل أنه إذا لم يقبل حزب الله وقف إطلاق النار فستوسع إسرائيل عملياتها البرية، بما في ذلك احتلال أراضٍ إضافية في لبنان.
وفي الوقت نفسه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي اعتبره البعض أنه انتهى سياسيًا بفعل التظاهرات ضد إقالته وزير الدفاع، فقد عاد ثانية لتأليب الشعب الإيراني ضد حكومته، فخصه برسالة جاء فيها: "هناك شيء واحد يخشاه نظام خامنئي أكثر من إسرائيل، وهو أنتم فلا تفقدوا الأمل".
ووسط التحريض على إيران، يشير معسكر التشاؤم إلى أن معظم الأسماء المرشحة لمناصب مهمة في إدارة ترامب هي من الصقور ومؤيدة لإسرائيل، ومع الضغط على طهران.
ويدعم هؤلاء وجهة نظرهم بتصريحات ترامب خلال الحملة الانتخابية، فقد أعرب عن دعمه المطلق لإسرائيل في مواجهة إيران، داعيًا في خطاب له في ولاية كارولاينا الشمالية لشنّ هجوم إسرائيلي على المفاعلات الإيرانية النووية، كما اعتبر ترامب أنه لو كان رئيسًا، لما تجرّأت إيران على اتباع السلوك الذي تتبعه اليوم، ولا تقديم المزيد من الدعم لحلفائها في الشرق الأوسط.
وفي المقابل يقول أنصار معسكر التفاؤل الحذر إنه من المحتمل أن يتراجع ترامب عن هذه الدعوات بعدما يصبح رئيسًا، نظرًا لخطورة انعكاساتها على المنطقة وأسعار النفط في العالم، لكن يبدو واضحًا أنه يحاول أن يهدئ المخاوف الإسرائيلية على الجبهة مع طهران.
وفي الوقت نفسه تراهن طهران على حرص الدول العربية على عدم تفجر المنطقة، وتجاوب الدول الكبرى، وفي مقدمتها مصر والسعودية مع سلوك إيران الجديد، ومحاولتها حث واشنطن على لجم التطرف الإسرائيلي، وقد خيمت الأجواء الحارة بين طهران والرياض على الصحافة الإيرانية، وساد جو من الارتياح ما بين الكتاب الإيرانيين.
ويرى خبير العلاقات الدولية حسن بهشتي بور أنّ الشرق الأوسط فيه الكثير من المشكلات، وأنه يشكَل مع محورية منطقة الخليج أحد أهم النقاط الإستراتيجية في العالم، كما يمثّل منطقة إستراتيجية يجب حلّ مشكلاتها على المستوى الدولي.
وفي افتتاحية صحيفة “آرمان ملي” الإصلاحية، أضاف بهشتي بور أنه إذا تعاونت إيران والسعودية ومصر وتركيا، يمكن لهذه الدول تقليص مناطق الأزمات في المنطقة، لكنها لا تستطيع حل جميع المشكلات؛ لأنَ جزءًا منها بسبب تدخّل القوى الأجنبية.
وقال الكاتب إنّ مشكلات المنطقة لن تُحلّ إلا عبر اتفاقية أمنية إقليمية، محذّرًا من أنّ الخارج سيعمل على محاصرة هذه الاتفاقية؛ لأنها ستمنع الاختلافات التي تشكّل سببًا للتدخل الأجنبي.
وشدّد بهشتي بور على أنّ إسرائيل خلقت أرضية المواجهة الإقليمية، ولن تحل مشكلة إسرائيل إلا عبر اتفاق القوى الدولية على احتوائها.
ولفت الكاتب إلى أنّ خلق شرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية هو خطوة مهمة تمنع سباق التسلّح في المنطقة، داعيًا لإقامة تعاون مستقبلي مرتبط بحل القضية الفلسطينية.
ويبقى أن الموقف العربي والإسلامي واضح، فقد أكدت القمة العربية والإسلامية أنه لا سلام مع إسرائيل من دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وأكدت دعم "الجهود الكبيرة" التي بذلتها مصر وقطر والولايات المتحدة؛ من أجل "إنجاز وقف فوري ودائم لإطلاق النار في قطاع غزة وإطلاق سراح الرهائن والأسرى"، وحمّلت إسرائيل مسئولية فشل هذه الجهود.
ودعت لوقف فوري لإطلاق النار في لبنان، والتنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم "1701" الصادر في العام 2006، والذي وضع حدًّا لحرب بين إسرائيل وحزب الله آنذاك.
ومن جانبها ترفض إسرائيل مساعي السلام، ويرى وزير الخارجية الإسرائيلي المعيّن حديثا جدعون ساعر إن إنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة ليس أمرًا "واقعيًا اليوم".
وقال ساعر ردًا على سؤال بشأن إبرام اتفاقيات تطبيع محتملة بعد إعادة انتخاب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، "لا أعتقد أن هذا الموقف واقعي اليوم، ويجب أن نكون واقعيين".
ومن هنا تبدو الحقيقة المرة وهي أن إسرائيل ترغب في الاستيلاء على مزيد من الأرض، ولا تريد الدولة الفلسطينية، ولاتهتم بالتطبيع مع السعودية، ولا تريد تقديم ثمن السلام، وقبولها في المحيط العربي والإسلامي، وهذه وصفة صدام وتوتر مع محيطها.
وترامب تنتظره أيام صعبة ليس فقط من إسرائيل، بل من تحالف دولي كبير يضم دولًا أوروبية يطالب بدولة فلسطينية، وبرأي عام دولي ضاغط يحاصر إسرائيل، ويعزلها بوصفها دولة عنصرية، وجنائية دولية تريد محاكمة نتنياهو وجالانت وجنرالات إسرائيل بجرائم حرب، وبتحفيز صيني روسي يكسب مزيدًا من الحضور والنفوذ في الشرق الأوسط فقط؛ بسبب انحياز أمريكا، وغضب أصدقاء واشنطن من العرب؛ نظرًا لتطرف إسرائيل وخذلان واشنطن لمصالحهم الحيوية وأمنهم القومي المعرض للخطر بشدة.
وبينما كان مفهومًا من قبل أن تشعر إيران بالخطر من جانب إسرائيل، إلا أن تركيا باتت تعلن أن تل أبيب تهدد أمنها القومي، وآخر علامات التهديد هو احتضان إسرائيل خلال أيام لمؤتمر مهم للبحث والعمل على إقامة دولة كردية في سوريا، وقرب حدود تركيا، وتعاونها مع حزب العمال الكردستاني التركي الإرهابي.
وتشعر مصر والأردن بالغضب والتهديد من خطر ترحيل الفلسطينيين إلى أراضيهم، وتحريض اليمين الإسرائيلي ضدهما، ولا تشعر السعودية بالارتياح وهي وبقية دول الخليج من خطر نشوب حرب إقليمية واسعة، وتهديد خطط الرياض بالتنمية الكبرى والتي تحتاج الاستقرار والسلام، وتنتظر الرياض جهدًا من ترامب يوازي علاقات البلدين الإستراتيجية، ومصالح واشنطن التي على المحك.
وأغلب الظن أن القمة وجهود مصر والسعودية، وحالة الحرص على التهدئة وتجاوب تركيا وإيران.. ربما تدفع لبزوغ رباعية مصر والسعودية وإيران وتركيا بوصفها "رد المنطقة" على تطرف إسرائيل ورسالة مهمة لترامب.