اتفقت الأحزاب الألمانية على حلول وسط لحلحلة الجمود السياسى - ولو جزئيًا – والذى ضرب البلاد عقب انهيار مفاجئ لحكومة ائتلاف إشارة المرور الحالية الأسبوع الماضى، وبعد مفاوضات مكثفة تنازل المستشار أولاف شولتس – الذى فقدت حكومته الأغلبية البرلمانية – عن تمسكه بموعد 25 مارس 2025 لإجراء الانتخابات العامة لتجرى يوم 23 فبراير العام المقبل، ولكن شولتس لم يوافق على طرح الثقة في حكومته على البرلمان – بوندستاج – أمس الأربعاء، كما كان يريد زعيم المعارضة فريدريش ميرتس، ورهن المستشار ذلك بتمرير البرلمان لحزمة القوانين التي وافقت عليها حكومته قبل انهيارها، وتشمل الميزانية العامة للدولة للعام المقبل وبعض قوانين زيادة المعاشات والحد الأدنى للأجور والمساعدات الاجتماعية وإصلاح المستشفيات ونظام التأمين الصحى وقانونًا جديدًا للتجنيد لزيادة عدد الجيش الألمانى وتخصيص حزمة مساعدات مالية لأوكرانيا.
موضوعات مقترحة
وقال شولتس إنه ليس لديه مانع أن يتم طرح الثقة في الحكومة على البرلمان قبل عطلة أعباد الميلاد في ديسمبر- بدلا من 15 يناير - المقبل بشرط التوافق مع أحزاب المعارضة على الانتهاء من تمرير حزمة القوانين العاجلة قبل هذا الموعد.
وعمليًا فإن طرح الثقة في الحكومة على البرلمان يعنى سقوطها رسميًا مع استمرارها كحكومة تسيير أعمال لحين تشكيل حكومة جديدة وفقًا لنتائج الانتخابات.
وإذا كان الاتفاق على تحديد موعد لإجراء الانتخابات العامة المبكرة يشكل خطوة إلى الأمام نحو توافق الأحزاب السياسية الألمانية للحيلولة دون دخول البلاد في صراع سياسى لا تتحمله ألمانيا في هذه الفترة التي تواجه فيها تحديات داخلية وخارجية شديدة الخطورة، إلا أن الحملات الانتخابية والمناورات الحزبية التي بدأت فعلا، ستجعل ألمانيا تعيش شتاء سياسيا ساخنا جدا خاصة أن الألمان اعتادوا على أجواء الانتخابات والحملات المصاحبة لها في فصل الخريف وليس في الشتاء.
فالخطوة التالية تتطلب لإنجازها توافقًا سياسيًا واسعًا وتقديم تنازلات كبيرة، لتمرير حزمة القوانين العاجلة خاصة أن حزب المعارضة الرئيسي وهو الاتحاد المسيحى ومرشحه لمنصب المستشار ميرتس، يحاول بكل الطرق حرمان المستشار شولتس وحزبه الاشتراكى الديمقراطى من تحقيق أي إنجاز ينقذ شعبيته المنهارة قبل العملية الانتخابية.
وفى المقابل يسعى المستشار شولتس لترك بصمة إيجابية لحكومته لدى الشارع الألمانى خاصة العمال وبعض شرائح الطبقة الوسطى، وأرباب المعاشات الذين يزيد عددهم على 22 مليون وذلك من خلال إقرار حزمة القوانين التي تتضمن بعض المكاسب لهذه القئات، وهذا قد يزيد على الأقل من فرص الحزب الاشتراكى في المشاركة في أي حكومة ائتلافية حتى ولو مع الاتحاد المسيحى، كما أن إقرار حزمة المساعدة المالية لأوكرانيا يضيق من فرص المناورة والمزايدة على ميرتس والاتحاد المسيحى الذى يتبنى فتح مخازن الأسلحة الألمانية أمام الجيش الأوكرانى بما فيها الصواريخ الهجومية طويلة المدى.
ولكن رغم كل هذا فإن " البراجماتية" السياسية هي الطابع المميز للديمقراطية الألمانية خاصة أن النظام السياسى في ألمانيا يحتم على جميع اللاعبين السياسيين الكبار الالتزام بهذا المبدأ مهما كانت حدة المنافسة، ذلك أن خصوم الانتخابات الكبار هم حلفاء تشكيل الحكومة فلابد من الإبقاء عللى شعرة معاوية دائمًا.
ألوان الطيف السياسى الألمانى
ويؤكد هذا تاريخ الحياة السياسية في ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية وبعد الوحدة الألمانية حيث يتم انتخاب أعضاء البرلمان الاتحادى (بوندستاج) من خلال الاقتراع العام الحر المباشر بين قوائم حزبية ومستقلين، ويقوم البرلمان بانتخاب المستشار (رئيس الوزراء) من بين أعضائه بالأغلبية المطلقة ويكلفه رئيس الدولة بتشكيل الحكومة لمدة 4 سنوات، وبناء على هذا يحتاج أى مستشار لأغلبية برلمانية مطلقة، ولهذا فإن الممارسات السياسية في ألمانيا على مدى 75 عامًا الماضية غلب عليها نظام الحكومات الائتلافية بين حزبين أو ثلاثة لعدم قدرة أي حزب على تحقيق أغلبية برلمانية مطلقة منفردًا، ومن خلال هذه العملية تشكلت آخر حكومة ألمانية عقب انتخابات 2021 سبتمبر، المعروفة بائتلاف إشارة المرور لأنها تتكون من 3 أحزاب رموزها الانتخابية الأحمر والأصفر والأخضر وهي : الاشتراكى الديمقراطى (وسط ) والذى ينتمى إليه المستشار شولتس، الليبرالى الحر(يمين) الذى ينتمى إليه وزبر المالية المقال كريستيان ليندنروحزب الخضر(وسط يسار) الذى تنتمى اليه وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك وزميلها في الحزب وزير الاقتصاد روبرت هابيك، وهكذا ضمت الحكومة الحالية كل ألوان الطيف السياسى، وأيضًا فإن المعارضة تضم مختلف الأطياف السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، حيث يتزعم المعارضة حاليا الاتحاد المسيحى المكون من حزبين هما الحزب المسيحى الديمقراطى حزب المستشارة السابقة ميركل، والمسيحى الحر الذى يوجد في ولاية بافاريا فقط (كلاهما يمين محافظ ) – ومعه في مقاعد المعارضة أيضا الحزب الشعبوى اليمينى المتطرف البديل من أجل ألمانيا وحزب اليسار الذى انشقت عنه السياسية المخضرمة زهرة فاجن كينبشت لتشكل حزبا ومجموعة برلمانية جديدة وحققت نتائج مذهلة في انتخابات 3ولايات في شرق ألمانيا فى أول معاركها الساسية منذ شهرين فقط، وتتبنى أجندة حزبية تركز فيها على ضرورة انهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا واستعادة العلاقات الدافئة بين ألمانيا وروسيا .
الممارسة الديمقراطية الرشيدة تحتم على كل هذه الأطياف والألوان السياسية والتي تبدو شديدة التباين نسج ائتلاف حكومي خلال الشتاء المقبل قادر على قيادة ألمانيا وسط أنواء وعواصف شديدة من كل اتجاه .