الرمحُ غالٍ.. والفريسةُ ذُبابةٌ!!

12-11-2024 | 15:34

القوةُ في الإخلاصِ، والغَلَبةُ بالإيمانِ، أما العددُ فـ(في الليمون) كما يقولون.. فُتِحتِ الأندلسُ باثني عشرَ ألفَ فارسٍ، فيما سقطتْ قرطبةُ وحدَها، وفيها مليونُ مسلمٍ!

(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ).. أذلة تعني: قلة، فالنصرُ إذنْ له حساباتٌ تختلفُ. 

إنَّ جميعَ غزواتِ المسلمين وحروبَهم في مواجهةِ الظُلمِ، اتسمتْ بعاملٍ مشتركٍ واحدٍ، هو قلةُ العددِ، وضعفُ العُدةِ، حتى غزوة حنين (8هـ) التي تفاخرَ فيها المسلمون بكثرتِهم، لم يكنْ عددُهم فيها، إلا ثُلثَ عددِ محاربيهم، ورغمَ ذلك، لم تحقق لهم هَذِهِ الكثرةُ (النسبيةُ) التي أُعجبوا بها، النصرَ المنشودَ، إنَّما شاءتْ إرادةُ اللهِ أنْ يتحققَ النصرُ بالمائةِ من الأصحابِ الأخيارِ، الذين أحاطوا بالنبيِّ، "صلى اللهُ عليه وسلمَ"، بعد فرارِ الألوفِ المتفاخرةِ بعددِها، وفي هذا تأكيدٌ واضحٌ، أنَّ العددَ لا يصنعُ عزًا، ولا يُحققُ نصرًا..

وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ.. هَذِهِ قاعدةُ الانتصارِ الأصيلةُ، هو من عندِ اللهِ، واللهُ يُهديه لمَنْ يستحقُه. 

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ.. 

وهذِهِ مقوماتُ النصرِ ( الستة ): 
الثباتُ، ذكرُ اللهِ، طاعةُ اللهِ ورسولِه، عدمُ التنازعِ، الصبرُ، الإخلاصُ وتركُ الرياءِ..
 
قديماً، أدركَ العربُ خداعَ الكم، فقالوا: ترى الفتيانَ كالنخْلِ، وما يُدْريكَ ما الدﱠخلُ!

وكانَ الصالحون يسألون اللهَ تعالي، أنْ يهبَهم الحياةَ العريضةَ، وإنْ لم تكنْ طويلةً، وكانتْ رماحُهم غاليةً، وصيدُهم عظيمًا، واليومَ الرمحُ غالٍ، والفريسةُ ذُبابةٌ!! وهُنا سوءُ التقديرِ..

وفي الأسواقِ، أصحابُ الذوقِ الرفيعِ، يشرون البضاعةَ الحسنةَ، وإن غلا ثمنها، فيما غيرُهم، تُغريهم الكميةُ الكبيرةُ، بالسعرِ الرخيصِ، منبهرين بكثرة العَدَدِ، لا بجودةِ الصنفِ، حتى قالَ الناصحون: "ما يغركش كتره، هترمي نصه"!
 
حتى في البلاغةِ، هُناك الإيجازُ والإطنابُ، وعدَّ العربُ هَذَا الإيجازَ، أشرفَ الكلامِ، والإجادةَ فيه، بعيدةَ المنالِ، لما فيه من لفظٍ قليلٍ، يحملُ معاني كثيرةً، ومثلوا للإيجازِ والإطنابِ، بالجوهرةِ الغاليةِ، وسطَ الدراهمِ الكثيرةِ، فمَنْ يبغِ طولَ الألفاظِ، يؤثرْ الدراهمَ لكثرتِها، ومَنْ يبغِ شرفَ المعاني، يؤثرْ الجوهرةَ الواحدةَ لنفاستِها.
 
فلنبحثْ دومًا عن المَخبرِ، ولا نغترْ بالمظهرِ، ولتكنْ حياتُنا، طويلةً كانتْ أم قصيرةً، أعمالًا صالحةً، وأفعالًا طيبةً.. 
قد ماتَ قومٌ وما ماتَت فضائلُهم، 
وعاشَ قومٌ وهُم في الناسِ أمواتُ.
دَقّاتُ قَلبِ المَرءِ قائِلَةٌ لَهُ،
إِنَّ الحَياةَ دَقائِقٌ وَثَواني...
فَاِرفَع لِنَفسِكَ بَعدَ مَوتِكَ ذِكرَها، 
فَالذِكرُ لِلإِنسانِ عُمرٌ ثاني..

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: