حول توقعات البنك الدولي لمستقبل الاقتصاد المصري خلال الفترة المقبلة، تحدثت روبرتا غاتي، رئيس الخبراء الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالبنك الدولي، في حوار خاص لبوابة الأهرام الإنجليزية "الأهرام أون لاين".
موضوعات مقترحة
ما هي المبررات الرئيسية لتوقعات البنك الدولي الأخيرة للاقتصاد العالمي؟
وفقًا لأحدث توقعات البنك الدولي من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي سينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 2.6% هذا العام، وفي حين أن هذا هو نفس معدل النمو في عام 2023، إلا أنه يعكس زخمًا أضعف مقارنة بالعقد الماضي؛ حيث بلغ متوسط النمو حوالي نصف نقطة مئوية أعلى بين عامي 2011 و2019.
ويعكس هذا التباطؤ معدلات النمو الضعيفة في الاستثمار بسبب السياسات النقدية التقييدية ومعدلات النمو المتوسطة في الاستهلاك.
وفي اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، سوف يتراجع النمو أيضًا إلى 4% في عام 2024 (كان 4.2% في عام 2023) – مما يعكس تباطؤ النمو في الصين وضعف النمو في البلدان المصدرة للسلع الأولية بسبب ضعف الطلب العالمي.
وأثر ضعف الطلب العالمي على اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لا سيما البلدان المصدرة للنفط بالمنطقة. ومن المتوقع أن يبلغ متوسط نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في المنطقة 2.2% في عام 2024، بارتفاعٍ طفيف عن نسبة 1.8% المسجلة في عام 2023.
ويرجع هذا الارتفاع الطفيف إلى بلدان مجلس التعاون الخليجي، التي من المتوقع أن تنمو بنسبة 1.9% في عام 2024، ارتفاعًا من 0.5% في عام 2023، بسبب التوسع في القطاع غير النفطي.
ومن المتوقع أن يتباطأ النمو في بلدان المنطقة غير الأعضاء في دول مجلس التعاون في عام 2024 بسبب مواطن الضعف القائمة، وزيادة عدم اليقين، والتعرض المباشر للتداعيات الناجمة عن الصراعات الإقليمية، بالإضافة إلى الظروف العالمية. وفي البلدان النامية المستوردة للنفط، يبلغ متوسط توقعات النمو 2.1% لعام 2024، انخفاضًا من 3.2% في عام 2023.
كما انخفضت توقعات النمو في البلدان النامية المصدرة للنفط من 3.2% في عام 2023 إلى 2.7% في عام 2024.
وماذا عن توقعات البنك الدولي للتضخم العالمي والتضخم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وديونها؟
وفقًا لتوقعات البنك الدولي، من المتوقع أن يتراجع معدل التضخم العالمي إلى 3.5% في عام 2024 وأن يواصل الانخفاض إلى 2.9% في عام 2025 – وهو سيناريو يتماشى عمومًا مع المستويات المستهدفة من البنوك المركزية. وفي حين تقل هذه الأرقام عن ذروة التضخم التي شهدها عام 2022، إلا أن وتيرة الانخفاض في التضخم كانت أبطأ من التوقعات السابقة.
ولذلك، من المرجح أن تلجأ الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية إلى اعتماد نهجٍ يتسم بالحذر تجاه خفض أسعار الفائدة الأساسية.
وتشهد معدلات التضخم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تراجعًا بالتوازي مع الاتجاه العالمي. ففي عام 2023، انخفض التضخم في المنطقة إلى 3.6% بعد أن كان 5% في عام 2022. ومن المتوقع أن ينخفض بصورة أكبر إلى 2.2% في عام 2024.
ومع ذلك، هناك تفاوتات كبيرة بين بلدان المنطقة؛ حيث تم احتواء الضغوط التضخمية في بلدان مجلس التعاون الخليجي التي تبقي على ربط أسعار الصرف بالدولار.
وفي المقابل، لا تزال معدلات التضخم مرتفعة في البلدان النامية الأخرى المصدرة للنفط، ولا سيما إيران (31.9% في عام 2024)، وفي بعض البلدان النامية المستوردة للنفط.
والبلدان الأخرى هي كما يلي:
- مصر: انخفض معدل التضخم إلى 25.6% في أغسطس 2024 من متوسط بلغ 33.6% في السنة المالية 2024، بعد قرار البنك المركزي في مارس 2024 بالسماح بانخفاض قيمة العملة وزيادة أسعار الفائدة الأساسية.
- لبنان: انخفض معدل التضخم إلى 35% في أغسطس 2024 من 229.8% في أغسطس 2023، ويرجع ذلك أساسًا إلى تأثير ارتفاع خط الأساس بعد قيام البنك المركزي بخفض سعر الصرف الرسمي في فبراير 2023 للمرة الأولى منذ عام 1997.
- الضفة الغربية وقطاع غزة: ارتفع معدل التضخم ليصل إلى 53.2% في أغسطس 2024 بعد أن كان 4.9% في أغسطس 2023. وعانت غزة قيودًا شديدة على حركة البضائع؛ مما أدى إلى ارتفاع كبير في معدل التضخم يناهز 250% في أغسطس 2024، في حين شهدت الضفة الغربية استقرارًا نسبيًا في معدل التضخم بسبب الصدمات الناجمة عن الطلب نظرًا للخسائر الكبيرة في الدخل في كل من القطاعين العام والخاص.
ومن الناحية التاريخية، كان الدين العام لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مرتفعًا.
وفي عام 2024، بلغت نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي في البلدان المستوردة للنفط في المنطقة 88.6% من إجمالي الناتج المحلي، أي أعلى بثلاث مرات تقريبًا من مثيلتها في البلدان المصدرة للنفط في المنطقة (33% من إجمالي الناتج المحلي).
علاوة على ذلك، من المتوقع أن يشهد عام 2024 ارتفاعًا في نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي في 11 اقتصادًا من أصل 19 اقتصادًا في المنطقة مقارنة بعام 2023.
ومن المتوقع أن تشهد ليبيا والضفة الغربية وقطاع غزة والعراق أكبر الزيادات، بسبب السياسات التوسعية على مستوى المالية العامة في ليبيا والعراق، وبسبب تفاقم الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية في خضم الصراع الدائر حاليًا.
ما هي توقعات البنك لديون مصر والعجز الذي تعانيه موازنتها؟
من المتوقع أن تصل نسبة الدين الحكومي إلى إجمالي الناتج المحلي في مصر إلى 94.5% و91.6% في نهاية السنة المالية 2024 ونهاية السنة المالية 2025 على التوالي. ولا تزال احتياجات التمويل الخارجي كبيرة، ولكن من المتوقع سد الفجوة التمويلية في الأجل القصير.
وتقدر الديون الخارجية الرئيسية المستحقة خلال الفترة من يوليو إلى ديسمبر الأول 2024 بنحو 20 مليار دولار، كما تقدر المتأخرات المستحقة لشركات النفط الدولية بنحو 5 مليارات دولار أخرى.
وعلى غرار البلدان النامية الأخرى المستوردة للنفط في المنطقة، من المتوقع أن تسجل مصر عجزًا ماليًا في عام 2024، غير أنه من المتوقع أن يتراجع عجز المالية العامة في مصر إلى 3.6% في السنة المالية 2024 منخفضًا من 6% في السنة المالية 2023. ويعود هذا التحسن بشكل رئيسي إلى مبلغ 12 مليار دولار أمريكي الذي تم تسجيله كإيرادات حكومية (نصف التدفقات الجديدة من استثمارات رأس الحكمة).
وقد أسهمت هذه الزيادة الاستثنائية في الإيرادات لمرة واحدة في توسيع الحيز المالي الضيق جراء ارتفاع مدفوعات الفوائد وانخفاض الإيرادات الضريبية المحلية، مما يعكس التحديات المستمرة في الاستهلاك والنشاط الاقتصادي، خاصةً تأثيرها على إيرادات ضريبة القيمة المضافة.
لذا؛ فإن توسيع قاعدة الخاضعين للضريبة وزيادة الإيرادات عن طريق الحد من الإعفاءات الضريبية لا يزال يمثل تحديًا.
ويشير تحليل الديون الذي اشتمل عليه إصدار أبريل 2024 من تقرير أحدث المستجدات الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى أن ضبط أوضاع المالية العامة يُعد ضرورة لكبح جماح الدين العام في مصر.
ويمكن أن يؤدي الارتقاء بمستوى الشفافية، بما في ذلك ما يتعلق بالإنفاق العام الذي كان في السابق خارج الموازنة، إلى رسم مسارٍ لإدارة سياسة المالية العامة بحيث تتسق مع أفضل الممارسات.
ما هي توقعات البنك الدولي لنمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي لمصر؟
من المتوقع أن ينخفض النمو في مصر من 3.8% في السنة المالية 2023 إلى 2.5% في السنة المالية 2024.
ويأتي هذا الانخفاض في أعقاب الصدمات الناجمة عن الصراع في الشرق الأوسط، والتي أدت إلى اضطرابات تجارية وتراجع حركة الشحن عبر قناة السويس، فضلًا عن الآثار العميقة لأزمة النقد الأجنبي التي امتدت من مارس 2022 حتى عام 2024، مما أدى إلى فرض قيود على الواردات وضعف أنشطة قطاع الصناعات التحويلية بشكل عام.
ومن المتوقع أن يتعافى النمو في مصر تدريجيًا، ليحقق 3.5% في السنة المالية 2025 و4.2% في السنة المالية 2026. وسيكون هذا التعافي مدفوعًا بالتأثيرات الأساسية المواتية وزيادة الاستثمار، لا سيما من الصفقة مع الإمارات.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن تحسن معدلات الاستهلاك الخاص، مدعومًا بانخفاضٍ تدريجيٍ في معدلات التضخم والزيادة المتوقعة في التحويلات المالية، سيسهم في تحقيق هذا التعافي.
ومع ذلك، قد يخفف انخفاض أسعار النفط العالمية من تأثير التحويلات، نظرًا لأن عددًا كبيرًا من المغتربين المصريين يقيمون في بلدان مجلس التعاون الخليجي.
ما هو ترتيب مصر من حيث النمو بين بلدان شمال إفريقيا؟
يبين التقرير أنه على الرغم من أن معدل النمو في مصر في عام 2024 (2.5%) جاء أعلى من المتوسط الإقليمي (2.2%)، هناك إمكانات كبيرة غير مستغلة من جانب بلدان المنطقة، ومن بينها مصر، لتحقيق معدلات نمو أسرع وأفضل.
إن استمرار الجهود الحالية لتحقيق الاستقرار في بيئة الاقتصاد الكلي، وتحديد دور الدولة في الاقتصاد، وتعزيز بيئة أنشطة الأعمال تُعد ضرورة لدعم النمو الذي يقوده القطاع الخاص.
علاوة على ذلك، يخلُص الإصدار الأخير من تقرير أحدث المستجدات الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن سوء توزيع المواهب، سواء داخل القوى العاملة أو خارجها (خاصة فيما يتعلق بانخفاض معدل مشاركة المرأة في القوى العاملة) وبين القطاعين العام والخاص، قد أضر بمستويات المعيشة في المنطقة.
فأولًا، وجدنا أن سد الفجوة بين الجنسين في التوظيف يمكن أن يزيد نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي بواقع 47% في مصر.
وثانيًا، من خلال إعادة توزيع المواهب من القطاع العام إلى القطاع الخاص، يمكن لمصر زيادة الإنتاجية بنسبة 8%.
وأخيرًا، ومن أجل تحقيق المزيد من مكاسب الإنتاجية، يمكن لبلدان المنطقة الاستفادة من موقعها الجغرافي للحصول على المعارف والتطورات التكنولوجية الرائدة عن طريق زيادة أنشطة التجارة الدولية.
كما أن الاستفادة من التطورات التكنولوجية العالمية من خلال زيادة التجارة الدولية وتسهيل تدفق الأفكار والابتكارات مع المزيد من الانفتاح على البيانات -وهو مجال يمكن لمصر أن تحقق فيه تحسينات مهمة وبسرعة كبيرة- سيكون له إسهامه في تسريع وتيرة النمو.
* نقلًا عن بوابة الأهرام الإنجليزي