شهدت العاصمة الهولندية أمستردام، مساء الخميس الماضي، أحداثًا لافتة تضع حدًا فاصلًا جديدًا بين توجهات الشعوب والحكومات في الغرب، حيال ما يجري في الأراضي الفلسطينية من حرب إبادة وتطهير عرقي للشعب الفلسطيني طوال عام كامل من قبل الاحتلال المدعوم أمريكيا وبريطانيا وألمانيا وفرنسيا ومن معظم القوى الغربية.
فالأحداث التي وقعت قبل مباراة فريقي أياكس ومكابي تل أبيب بالدوري الأوروبي، حين أقدم عدد من مشجعي الكيان المحتل، بأعمال استفزازية من خلال تمزيق الأعلام الفلسطينية المرفوعة على واجهات منازل يقطنها مغاربة يقيمون في المدينة، حتى أقدم شباب هولانديون ومغاربة على معاقبتهم وإلقاء بعضهم في النهر بعد إجبارهم على الهتاف (فلسطين حرة)، والاعتداء عليهم وركلهم، تؤكد تلك الأحداث أن هذه التداعيات من المتوقع أن تزداد وتيرتها وتتسع لتطال أماكن أخرى في أوروبا في ظل استمرار الحرب الشيطانية القذرة على الأبرياء والعزل في غزة والضفة ولبنان، مع الإمعان في العجز الدولي عن إيقافها، بل إن ما يحدث العكس دائمًا، وتقديم مزيد من الدعم للكيان المحتل.
وهناك عدة ملاحظات جديرة بالتأمل في هذه الوقائع، أولا ارتباطها باللعبة الشعبية الأولى على مستوى العالم، والتي لا يحد من انتشارها ومتابعتها أي موانع سياسية، بل يكاد يكون مشجعو كرة القدم على قلب رجل واحد، وتكاد تكون اللعبة دولة مستقلة تجمع أطياف الشعوب في كل بقاع الأرض، ومن هنا يمكن فهم إصرار مشجعي الكرة واللاعبين في دولة مثل تشيلي على رفع أعلام فلسطين سواء في الملعب أو المدرجات، ومنع السلطات في أوروبا لهذه الصور من التشجيع، هذا الترابط منح الحادث اهتمامًا جماهيريًا كبيرًا أسهم في اطلاع عدد إضافي من المتابعين للقضية الفلسطينية، على مواقع التواصل، وصار المهتمون من صناع المحتوى الرياضي، بأخبار نجوم الكرة والفرق العالمية، يتطرقون إلى الحادث عبر منصاتهم المستهدفة لجماهير اللعبة، والذين بدورهم تداولوا الأحداث وتبعاتها على صفحاتهم لتكتسب القضية الفلسطينية نوعًا جديدًا من التدويل، وتجدد سؤال قديم حول السبب الذي يجعل الاحتلال يشارك تحت مظلة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، على الرغم من وقوعه، ولو تزييفًا، على الحدود مع الأردن ومصر.
الأمر الذي ينتقل تلقائيًا إلى الملاحظة الثالثة، حيث يقف الإعلام الغربي الرسمي، على الجانب الآخر موقف حكوماته في الغباء السياسي ومعاندة الواقع والطبيعة والحقائق، لدرجة وصف ما حدث في أمستردام بأنها أعمال معادية للسامية، فالشرطة الهولندية التي أكدت أن التوترات تصاعدت بالفعل قبل المباراة، بحرق مشجعي مكابي العلم الفلسطيني بميدان دام المركزي وخربوا السيارات، هي التي قالت أيضًا إن ردود فعل المنحازين للقضية الفلسطينية أفعال تعادي السامية، كذلك قال ديك سخوف رئيس الوزراء الهولندي إنه شعر بالفزع من الهجمات المعادية للسامية التي تعرض لها مواطنون إسرائيليون"، في محاولة رخيصة لكسب رضا الاحتلال الذي يحرك الغرب كله وفق أهوائه، وهو الأمر الذي تكرر من قبل قناة بريطانية رسمية كبيرة، وصفت مراسلتها عبر تقرير على منصة إكس بالفيديو والصور ما حدث من العنف الذي مارسه مشجعو فريق الكيان المحتل، وهتافاتهم بعبارات عنصرية معادية للعرب، ومشجعة للحرب على غزة، منها "لا مدارس في غزة لأنه لم يتبق أطفال"، تحذف القناة المنشور بعد ذلك وتعيد نشره بنسخة مغايرة، وبتقرير جديد يبدأ بالحديث عن "معاداة السامية".
وبالنظر إلى تلك المواقف غير النزيهة، فإنها تطابق التوجه الغربي في التعامي التام عن جرائم المحتل، الذي تكتلوا للدفع به في وطن ليس له فيه ناقة ولا جمل، فاطمأن إلى عدم المحاسبة ليزداد إجرامه دون رادع في حرب لا تتوقف في بث حي ومباشر، لكن تجارب التاريخ تؤكد أن صوت الشعوب دائمًا الأعلى والأقوى، وقد أظهرت الشعوب ملامح لما قد يحدث مستقبلا من أحداث عنف شبيهة، في مدن أخرى حول العالم تضم جاليات يهودية كبيرة، فما حدث يمثل أحد إفرازات ممارسات الاحتلال البشعة التي يقترفها في غزة ولبنان، ليؤجج عداءً عالميًا واسع النطاق، ويضاعف من الكراهية ضد الصهاينة، الذين لن يكونوا بمأمن لا في فلسطين المحتلة ولا في أي مكان بالعالم، فيما يشبه اللعنة التي تطال الاحتلال وأعوانه جراء التدمير والقتل الممنهجين، وحرب الإبادة المستمرة منذ أكثر من عام.