قبيلة البياضية من القبائل العربية العريقة لها السهم المُعلّى فهي صاحبة التاريخ المجيد والماضي التليد، ولها انتشار واسع في كثير من البلدان العربية، حيث تمتد جذورها إلى بلاد اليمن السعيد، فهي قبيلة أنصارية جشمية خزرجية أزدية قحطانية يمنية.
وتنسب القبيلة إلى بياضة بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن ثعلبة بن غسان بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
وتضم قبيلة البياضية العديد من العشائر أهمها: المرازقة، الربايعة، الموالكة، الأبايضة، الحفشيات، التوابتة، الزوايدة، الكريمات، الدراهسة، الهروش، السموح، العواصية، العقابات، وغيرها من العشائر.
أبناء قبيلة البياضية في القرن العشرين
سمات قبيلة البياضية المتوارثة
هناك سمات تمتاز بها قبيلة البياضية ورثتها كابرًا عن كابر كالإيثار، وسماحة النفس، وكرم الأخلاق، والأنفة والكبرياء ، مع حرصهم على العلم والمعرفة، ليجمعوا بذلك بين السيادة والعلم.
بنو بياضة في الإسلام
كان بنو بياضة من بين أوائل بطون الانصار التي بايعت الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الهجرة من مكة إلى المدينة، حين بايعه الصحابي الجليل زياد بن لبيد البياضي ـ رضي الله عنه ـ الذي حطّم جميع أصنام قومه حين أسلم قبل أن يبايع النبي في بيعة العقبة الثانية مع سبعين رجلاً من الأنصار، وهذا الصحابي وغيره من قومه من بني بياضة، شاركوا مع النبي في غزوات عِدة، وقد روى زياد العديد من الأحاديث الصحية عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
وقد ناصر بنو بياضة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ واستقبلوه خير استقبال، فقد أورد ابن إسحق في سيرته أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أسس في إقامته ببني عمرو بن عوف مسجد قباء وصلى الجمعة في بني سالم في بطن الوادي، فخرج معه رجال منهم: وهم العباس بن عباده، وعتبان بن مالك، فسألوه أن ينزل عندهم ويقيم فيهم، فقال: خلو الناقة فإنها مأموره، فقال: وسار والأنصار حوله حتى أتى بني بياضة، فتلقاه زياد بن لبيد، وفروة بن عمرو فى رجال من بني بياضة فدعوه للنزول فيهم وكانوا أهل منعة وأهل عدة وعتاد فقال: دعوها فأنها مأمورة، فأتى دور عدي بن النجار، وهم أخوال عبد المطلب، فتلقاه سليط بن قيس، ورجال من بني عدى، فدعوه إلى النزول والبقاء عندهم، فقال: دعوها فإنها مأمورة، ومشى حتى أتى دور بني مالك بن النجار، فبركت الناقة في موضع المسجد، وهو مربد تمر لغلامين يتيمين، وكان فيه نخل وحرث وخرب وقبور للمشركين، فلم ينزل عن ظهرها، فقامت ومشت قليلا، وهو صلى الله وعليه وسلم لا يهيجها، ثم ألتفتت فكرت الى مكانها وبركت فيه، فنزل عنها، فأخذ أبو أيوب الأنصاري رحلها فحمله إلى داره، ونزل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في دار أبى أيوب، فلم يزل ساكنًا عند أبى أيوب حتى بني مسجده وحجراته في المربد.
شاركت قبيلة البياضية أيضا في حروب الردة خلال عهد سيدنا أبوبكر الصديق، وكانوا صُبرا فى اللقاء عن سجية فيهم، وعن وصية لأبيهم، عامر بن زريق لبياضة فيُقال: (وبالصبر وصى عامر بياضة).
بنو بياضة ودورهم في حركة الفتوحات الإسلامية
شارك بنو بياضة في فتوح الشام والعراق، وشاركت قبيلة البياضية في فتح مصر٢٠هـ/ 641م، واستقرت في صحراء سيناء، ثم انتشرت في ربوع مصر، كما شاركت أيضًا في فتح شمال إفريقيا وبلاد الأندلس، واستقروا بها، كما استقرت عشائرهم في الشام والعراق من قبل.
وقد ذكرت بعض المصادر أن هناك قرية تابعة لإقليم غرناطة في جنوب الأندلس، والمعقل الأخير للمسلمين فيها كانت تسمى "بياضة"، إلى جانب تواجدهم في فاس ومكناس بالمغرب فقد كان منهم العلماء البارزين، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر:العالم الجليل أبو الحسن علي بن أبي القاسم بن علي بن محمد بن أحمد البياضي الأنصارى، وكان منهم الولاة الذين تولوا بعض الولايات في المشرق الإسلامي، إلى جانب تبوءهم لمنصب القضاء، هذا بالإضافة لدخول القبيلة في أحلاف مختلفة عبر الحقب التاريخية أقدمها وأشهرها حلف حرب، ومن نافلة القول أن آخر هذه الأحلاف هو الحلف القائم مع بني عمومتها من القبائل القحطانية وهي:"الأخارسة ـ العقايلة ـ والعياييدة، قُبيل فترة من الزمن".
والمتتبع للتاريخ الحربي والبطولي لبني بياضة يجده ضاربًا في القدم وهو يعود للعهود الأولى ومنذ الجاهلية بدءا من الحروب الدامية التي كانت بين الخزرج والأوس وحتى آخر المعارك التي تزعمها بنو بياضة وعلى الخزرج إبان ذلك عمرو بن النعمان البياضي، ومن نافلة القول أن هذه المعركة "يوم بُعاث" كانت الأشد وطأة.
وقد شاركت قبيلة البياضية مع صلاح الدين الأيوبي في طرد الصليبيين من مصر، وكذلك كان لهم دورهم المؤثر في درء خطر التتار في معركة عين جالوت عام 658هـ/ 1260م.
وقد استعان المماليك بقبيلة البياضية لتأمين طرق القوافل التجارية والحجيج عبر صحراء سيناء، وقد ظل هذا الدور موجودا خلال العصر العثماني.
الشيخ سالم الهرش أفشل المخطات الإسرائيلية في مؤتمر الحسنة
دور قبيلة البياضية في مناهضة الاستعمار
وحين مزقت مخالب الاستعمار جسد الوطن، تصدت قبيلة البياضية للمستعمر الفرنسي والإنجليزي، فواجهوا نابليون حين انطلق بحملته من مصر قاصدًا بلاد الشام في صحراء سيناء ، ومنح محمد علي قبيلة البياضية العديد من الامتيازات؛ نظرًا لدورهم في تأمين الحدود الشرقية للبلاد.
ولاننسى دور البطل المرحوم محمود اليماني، الذي واجه الإنجليز بكل قوة، فقام الإنجليز بنفيه إلى جزيرة القطاوية التابعة لمركز أبو حماد الآن؛ نتيجة موقفه الوطني بالتصدي لهمن ثم الدور الذي قام به اللواء محمد اليماني والشيخ سالم الهرش حينما أفشلوا محاولات الاحتلال الإسرائيلي بتدويل سيناء؛ وذلك في مؤتمر الحسنة، الذي عُقد في وسط سيناء يوم 31 أكتوبر عام 1968م.
د. سليمان عباس البياضي
البطولات لم تقتصر على رجال بني بياضة بل امتدت لنسائهم، فالشيخة فهيمة الهرش، كانت تجمع المعلومات لتزود بها القوات المصرية الرابضة خلف خطوط العدو. وهكذا ظلت قبيلة البياضية تمارس دورها السياسي الهام على امتداد الزمان، فكان منهم النواب الذين مثلوا الأمة في العديد من المجالس النيابية ممثلين عن شمال سيناء ومحافظة الشرقية.
ومن أشهر أعلام قبيلة البياضية، الفريق أحمد محمد صادق، وزير الحربية الأسبق في عهد الرئيس السادات، واللواء محمد اليماني، والنائب سالم اليماني والشيخ سالم الهرش، واللواء محمد الزملوط محافظ الوادي الجديد، وشيخ النواب الحاج سليمان الزملوط، وكاتب السيناريو محمد سليمان عبد الملك، والأستاذ الدكتور عبد الحليم ضيف الله رئيس جامعة الخليج، والأستاذ الدكتور سليمان علي حسن عميد كلية الطب بجامعة العريش والعديد من المستشارين والكتاب والقضاة العرفيين وكثير من العُمد والمشايخ وأساتذة الجامعات وغيرهم.
هذا غيض من فيض وموجز سريع وقشور مختصرة نعرضها للقارئ عن هذه القبيلة التى كانت ففي جاهليتها كانت ذات سير أدبية وشعرية وملاحم حربية وسيادة سنية، وزادها إسلامها شرفًا وعزًا، فأنجبت القضاة والرواة والعلماء وأبطال الجهاد، مما يعز على الكاتب سرد فخرها، فهى بمثابة النهر الجار الفياض من أعلام وسير إسهامات حضارية عبر العصور لترسم جميعًا شجرة متينة الأصل مُثمرة الفروع عبر الزمان.
د. سليمان عباس البياضي
عضو اتحاد المؤرخين العرب