مع البحث عن ملاذ آمن للمدخرات، يزداد الطلب على شراء العقارات فى مصر، ويشهد القطاع العقارى نموا كبيرا فى مصر وارتفاعا فى أسعار الوحدات أيضا، مما يجعل البعض يخشى حدوث «فقاعة عقارية»، لكن خبراء ومحللون أكدوا لـ«الأهرام العربى»، صعوبة حدوث ذلك لأسباب كثيرة، منها حجم الطلب المتزايد على العقارات، وضخامة حجم السوق قياسًا بعدد السكان، وارتفاع حجم المبيعات خلال العام الجارى، مقارنة بالسنوات السابقة، كل هذه الدلالات تشير إلى أن القطاع العقارى سيبقى محركًا رئيسيًا للنمو والتنمية فى الفترة المقبلة، وأكثر الأوعية الادخارية حفظاً للقيمة.
يشير مصطلح «الفقاعة العقارية»، إلى حالة من الارتفاع المفرط والسريع فى أسعار العقارات بشكل يتجاوز قيمتها الحقيقية، بسبب عدة عوامل مختلفة، من بينها تزايد الطلب وعمليات المضاربة، والسيولة النقدية، مما يؤدى إلى تضخم أسعار العقارات وركود فى حركة البيع والشراء، وهو ما تطرق إليه الخبير الاقتصادى الدكتور أحمد خطاب، عضو مجلس الأعمال المصرى - الكندى، مشددًا على أن تلك العوامل، إذا ما توقفنا أمامها نستطيع القول إن الفقاعة العقارية لن تحدث فى مصر، وأضاف: دولة تعداد سكانها يتجاوز 106 ملايين نسمة، من البديهى أن يظل الطلب على العقارات فى ارتفاع ليتماشى مع احتياجاتهم، كما أن ثقافة الشعب المصرى، تميل دوما إلى تفضيل العقار كـ «ملاذ آمن»، لحفظ مدخراتهم.
وأوضح أن المعارض العقارية التى تقام فى مصر تشهد حضورا كبيرا من الشركات، والجمهور الذى يعقد صفقات فورية، وتشير فى النهاية إلى أن الطلب متوافق مع العرض، كما نشهد استثمارات عقارية على نطاق واسع، وجهود حكومية للتوسع العمرانى، عبر إحياء مناطق لم تكن مستغلة من قبل مثل العلمين الجديدة، ورأس الحكمة، فضلا عن مشروعات أخرى مزمع إقامتها على ساحل البحر الأحمر، بالإضافة إلى ما تشهده منطقة الساحل الشمالى الغربى، حتى السلوم من تطوير مستمر، فضلا عن تنامى حركة البناء والتعمير فى المدن الجديدة بجميع أنحاء الجمهورية، كما أن المستثمرين العرب والأجانب يهتمون بالاستثمار العقارى فى مصر.
حجم الطلب
هناك اهتمام كبير من قبل الحكومة المصرية، بدعم وتوفير مناخ الاستثمار المناسب، لنمو وازدهار القطاع العقارى، على مدار السنوات العشر الماضية، واعتباره ركيزة أساسية فى النمو الاقتصادى، وتحقيق التنمية المستدامة تارة، عبر التوسع فى إنشاء المدن الجديدة ضمن خطة مدن الجيل الرابع، وأخرى عبر إصدار عدد من التشريعات التى عرضتها الحكومة على مجلسى النواب والشيوخ، وتمت مناقشتها أخيرا، وتستهدف تنشيط القطاع العقارى، وفى طليعتها قانون التصالح على مخالفات البناء وقانون الاستثمار العقارى، فضلا عن منح الجنسية المصرية لكل أجنبى، قام بشراء عقار بمبلغ لا يقل عن 300 ألف دولار، يحول من الخارج وفقًا للقواعد المعمول بها فى البنك المركزى، أو أن يكون المبلغ قد دخل مصر من خلال أحد المنافذ الجمركية وتم إثباته جمركيا.
من جهته حرص، المهندس شريف الشربينى، وزير الإسكان على طمأنة المستثمرين فى بيان صادر أخيرا من أن السوق المصرية، بعيدة كل البعد عن الفقاعة العقارية، حيث إن معدلات النمو السكانى فى مصر، التى تبلغ نحو مليونى نسمة سنويًا، تضع على عاتق الوزارة مسئولية توفير نحو 200 ألف وحدة سكنية سنويًا، سواء من خلال القطاع الخاص أم مشروعات الدولة.
كما سبق للدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، أن نفى توقعات البعض بحدوث فقاعة عقارية فى مصر، قائلا: موضوع الفقاعة العقارية أثير أكثر من مرة على مدار الـ20 عاما الماضية، لكن الإجابة إن شاء الله لا، لافتا النظر إلى أن أى قطاع استثمارى، يمر بفترات ارتفاع وتباطؤ خلال دوراته، وإن قيمة العقار فى مصر لا تنخفض فى أوقات التباطؤ، بل تظل مستقرة ولا تشهد حدة فى النزول، كما يحدث فى بعض الدول، كما أن الزيادة السكانية فى مصر، تجعل الطلب على العقار كبيرا ومستداما.
ما ذهب إليه رئيس الوزراء، ومن قبل وزير الإسكان، يتماشى مع ما شهدته أسعار العقارات فى مصر أخيرا، لاسيما فى مدن الجيل الرابع (العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة)، من تنامى حجم الطلب وارتفاع سعر الوحدة العقارية خلال الفترة الماضية، وهو ما يشير إليه الخبير الاقتصادى الدكتور عز الدين حسانين، لافتا النظر أن أسعار وحدات العاصمة الإدارية الجديدة، انعكست على أسعار جميع الوحدات، فى جميع مشروعات المطورين العقاريين، فارتفعت أسعار الوحدات السكنية والتجارية والسياحية إلى مستويات عالية، إذا ما قورنت بالأسعار قبل عام 2022، الأمر الذى أدى إلى ارتفاع أسعار مواد البناء بصورة غير متوقعة، متأثرة بارتفاع سعر الصرف، وهو العامل الأصيل والأساسى فى التقييم من قبل المطور العقارى، وكذلك صعود سعر الفائدة الذى كان فى عام 2017، حسب بيانات البنك المركزى 19.75% للإقراض، حالياً، فقد قفز إلى 28.25%، كل ذلك يأتى مع انفتاح شهية المستثمرين المحليين، والأجانب للاستثمار فى القطاع العقارى خلال العامين الماضيين، بسبب زيادة الطلب المحلى والعربى، وتزايد وجود الوافدين من السودان وسوريا، وبعض الدول الأخرى، وإقبالهم على شراء العقارات، ناهيك عن حرص فريق من المصريين للتحوط ضد التضخم وارتفاع الأسعار، الأمر الذى أدى إلى توسع المطورين العقاريين فى أنشطتهم داخل السوق المصرى، فازدادت عدد الوحدات المطروحة للبيع، وتم البيع بالتقسيط لفترات تصل إلى 10 سنوات وأكثر، ودخلت البنوك لتمويل هذه المشروعات، من خلال تمويل مباشر للمطور العقارى وتمويل المشترين، ودائما هناك مشروعات جديدة، يجرى الإعلان عنها من قبل الشركات العقارية فى المدن الجديدة والساحل الشمالى الغربى، وهو ما يعنى أن الفقاعة العقارية لن تحدث فى مصر خلال الفترة المقبلة.
المدن الجديدة
ثمة شواهد وتقارير من مؤسسات دولية، ترجح نموا لافتا للنظر فى مؤشرات القطاع العقارات والبناء فى مصر خلال الفترة المقبلة، فى طليعتها وكالة فيتش سوليوشنز، والتى رجحت فى تقرير “آفاق قطاع البنى التحتية والتشييد فى مصر” نموا متوقعا، سيشهده القطاع بنحو 7.9% خلال العامين المقبلين، على أساس سنوى، وأنه بتلك النسبة يتفوق على معدلات نمو القطاع العقارى، فى بقية دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حتى 2033، وأرجع التقرير ذلك إلى توافر ركائز أساسية تدعم نموه، على رأسها التدفقات المالية الخارجية، وفى مقدمتها الاستثمارات الأجنبية الوافدة، وتنامى الطلب المحلى القوى على السكن المدعوم بتزايد عدد السكان، فضلاً عن النشاط السياحى، الذى يحفز الطلب على مشاريع البنية التحتية، والتطوير العقارى المرتبطة بالسياحة والفنادق إلى جانب وجود مشاريع كبرى قيد التنفيذ، فى المدن الجديدة والساحل الشمالى الغربى.
مخاوف البعض من حدوث الفقاعة العقارية، كان يرتكز على ارتفاع نسب التضخم، لكن البيانات الصادرة حديثا عن البنك المركزى المصرى، تشير إلى استقرار المعدل السنوى للتضخم العام والأساسى عند نحو 26.4%و25.0% على الترتيب فى شهر سبتمبر 2024، ومن المتوقع أن ينخفض بدءا من الربع الأول من عام 2025، وهو ما يعنى انفراجة كبيرة فى مختلف القطاعات الاقتصادية، ووفقا للبيانات الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامـة والإحصاء، فقد بلغ إجمالى الوحدات السكنية المنفذة فى مصر 239.9 ألف وحدة، خلال العام المالى (2022/2023) باستثمارات قدرها 262.1 مليار جنيه، وجاء الإسكان الاقتصادى فى المرتبة الأولى، طبقا لنوعية البناء بعدد 89.6 ألف وحدة بنسبة 37.4%، يليه الإسكان الاستثمارى بعـدد 59.8 ألف وحدة بنسبة 24.9%، ويليه الإسكان المتوسط بعدد 49.8 ألف وحدة بنسبة 20.8%، ويليه الإسكان الفاخر، بعدد 31.8 ألف وحدة بنسبة 13.3%، ثم الإسكان فوق المتوسط بعدد 8.1 ألف وحدة بنسبة 3.4%، ثم الإسكان المنخفض التكاليف، بعدد 802 وحدة بنسبة قدرها 0.3% من الإجمالى العام.
دلالة أخرى على تنامى حجم الإقبال على العقارات فى مصر، تكشف عنها أعداد عقود التمويل العقارى والتى بلغت 5854، عقدًا بقيمة 12.9 مليار جنيه خلال الفترة من يناير إلى يوليو، من عام 2024 مقابل 2559 عقدًا بقيمة 4.8 مليار جنيه خلال الفترة المماثلة من العام الماضى بنسبة نمو 128.8% فى عدد العقود، 168.1% فى قيمة العقود.
ويرى الدكتور سيد خضر، الخبير الاقتصادى، أنه فى ظل تنامى حجم الطلب على السكن فى مصر، تارة بسبب حالات الزواج سنوياً، وأخرى بسبب وجود عدة ملايين من الوافدين، واللاجئين جميعهم يبحثون عن الإقامة والاستقرار، فحدوث فقاعة عقارية فى مصر خلال الفترة المقبلة، أمر مستبعد تماما، كما أن توجه الدولة نحو مشاريع التنمية المستدامة، التى تتناسب مع متطلبات السوق وتراعى الاستدامة، يساعد على تقليل مخاطر حدوث الفقاعة العقارية فى المستقبل القريب.