الصحفى إيلون بيرى يزعم حصوله على معلومات استخباراتية إسرائيلية عن خطة للمقاومة الفلسطينية لتهريب الرهائن الإسرائيليين إلى إيران
موضوعات مقترحة
خبراء أمن يرون هذه التقارير تحمل بصمات حملة تضليل واسعة النطاق شنتها مصادر فى الحكومة الإسرائيلية
الغموض الذى يكتنف ملكية الصحيفة يثير الشكوك حول استخدامها للترويج لأجندة سياسية
الوثائق السرية التى تم تسريبها لدهاليز الصحافة، من أدراج مكتب رئيس وزراء الكيان الصهيونى، بنيامين نتنياهو، والمتهم الرئيسى فيها إيلى فيلدشتاين، والذي سبق أن كان متحدثا بمكتب نتنياهو، يكتنفها الغموض وتكمن خلفها ألغاز، تعود بدايتها إلى شهر سبتمبر الماضى عندما قامت صحيفتا «ذا جويش كرونيكل»، فى لندن و»بيلد»، الألمانية بنشر تقريرين، استنادا إلى وثائق عسكرية سرية، خاصة بمفاوضات إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين.
قام على إثرها جهاز الاستخبارات الداخلية»الشين بيت»، بفتح تحقيقات خاصة بتلك التسريبات، وقامت صحيفة «ذا جويش كرونيكل»، بالتراجع عن قصتها، لكن من وجهة نظر خبراء الأمن القومى، وعدد من المراقبين، فإن سلسلة الوثائق التى تم تسريبها، ونشرها بالصحيفتين المذكورتين، تدعم مطالب نتنياهو فى المحادثات، وذلك بحسب ما ذكرته وكالة «أسوشيتد برس»، وكانت تلك التقارير محط تداول ونقاشات بالاجتماعات العائلية لأسرة نتنياهو، والأدهى ما ذكرته صحيفة «نيويورك تايمز»، عن الملكية الغامضة لصحيفة «ذا جويش كرونيكل»، التى تتستر خلف لافتة «الهيئات الخيرية»، وهى بوق للأصوات الإسرائيلية اليمنية المتشددة، فما قصة تلك الصحيفة الغامضة التى انطلقت من بين صفحاتها الشرارة الأولى للتسريبات؟
"ذا جويش كرونيكل"، هى صحيفة بريطانية يهودية، كما يعلن اسمها، عمرها 180 عاما تعج بالخلافات والأسرار، وعندما استقال عدد من صحفييها أخيرا على خلفية نشر مقالات إخبارية كاذبة، أثاروا ضجة واسعة النطاق بشأن ملكيتها.
على مدى عقود من الزمن، اعتاد أفراد من السكان اليهود ببريطانيا على تسجيل أهم الأحداث فى حياتهم، من خلال نشر إشعارات فى صحيفة "ذا جويش كرونيكل"، وهى صحيفة أسبوعية، تأسست عام 1841 وتصف نفسها بأنها أقدم صحيفة يهودية فى العالم. المواليد، حفلات الزفاف والوفيات، كلها يتم تسجيلها بدقة أسبوعيا، فى تلك المطبوعة المجتمعية التى وصفها جوناثان فريدلاند - الذى كان يكتب حتى وقت قريب، عمودا صحفيا ثابتا عبر صفحاتها -ذات يوم بأنها"القلب النابض لليهود البريطانيين".
لذا عندما أعلن السيد فريدلاند، وعدد آخر من الصحفيين المعروفين الآخرين فى شهر سبتمبر الماضى، بأنهم سيتوقفون عن المساهمة فى صحيفة "ذا جويش كرونيكل"، بدا الأمر وكأنه قطيعة عائلية أكثر من كونه تفككا لشراكة تجارية، وكانت الشرارة وراء تلك الخطوة سلسلة من المقالات حول غزة، تم نشرها بالصحيفة، واتضح فيما بعد أنها ملفقة.
اعتذر محرر "كرونيكل"، جيك واليس سيمونز عن المقالات الملفقة، بعدما افتضح أمره، وقام بحذفها من موقع الصحيفة، وقام بقطع العلاقات التى تربطه بالصحفى المستقل، الذى كتبها "إيلوى بيرى"، وكتب عبر منشور له بوسائل التواصل الاجتماعى: "أتحمل المسئولية الكاملة عن الأخطاء التى تم ارتكابها"، لكنه امتنع عن الرد على التعليقات على منشوره!
بالنسبة للسيد فريدلاند وزملائه المساهمين فى تلك المقالات، لم تكن تلك الحلقة استثناء، بل كانت بمثابة ذروة مزعجة لفترة، كما يصفونها "تحول صحيفة "جويش كرونيكل" من صحيفة مجتمعية إلى بوق للسياسيين الإسرائيليين اليمنيين، وإن كانت طوال تاريخها لم تتردد فى التطرق بنظرة محافظة إلى القضايا الجيوسياسية الشائكة".
وقال فريدلاند، صاحب أحد الأعمدة الصحفية بـ"الجارديان"، البريطانية أيضا، فى مقابلة أجريت معه إنه اتخذ قرار بإنهاء علاقته بصحيفة "ذا جويش كرونيكل"، "بقلب مثقل"، مشيرا إلى أنه كتب فيها منذ عام 1998، بينما كان والده المؤلف مايكل فريدلاند، يكتب بها منذ عام 1951، وأضاف قائلا: “فى السنوات الأخيرة أصبحت الصحيفة أكثر ميلا إلى اليمين، والتوجه الذى تتبناه الصحيفة فى تجسيدها الحالى، لا يعكس مختلف الآراء”.
منذ أن نجت صحيفة “ذا جويش كرونيكل”، من الإفلاس عام 2020، وتم إنقاذها من قبل مجموعة من المستثمرين، أصبحت ملكية الصحيفة محاطة بالغموض، مما أدى إلى تعميق القلق، بشأن اتجاهات سياستها التحريرية.
وقال آلان روسبريدجر، المحرر السابق لصحيفة الجارديان الذى سبق أن كتب عن الاضطرابات بصحيفة "ذا جويش كرونيكل"، فى مجلته الحالية "بروسبكت" ما نصه: "لا أستطيع أن أفكر فى سابقة لصحيفة مملوكة لأشخاص مجهولين".
لقد كان الافتقار إلى الشفافية، يثير قلق السيد فريدللاند وآخرين، منذ فترة طويلة، والذين قالوا إن أسئلتهم تم تحريفها، عندما طلبوا من السيد "واليس سيمونز" الإجابة، ولكن عقب نشر سلسلة المقالات الملفقة عن الحرب بغزة، اندلعت أزمة كاملة على نطاق واسع.
ففى 12 من أكتوبر، قدم الصحفى إيلون بيرى - وهو صحفى مستقل- ادعاء يزعم أنه حصل على معلومات استخباراتية إسرائيلية، عن خطة للمقاومة الفلسطينية، لتهريب الرهائن الإسرائيليين إلى إيران، وقد ردد بذلك عبر تقريره، صدى تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، وأعاد أحد أبناء نتنياهو “يائير”، نشر القصة عبر حسابه على وسائل التواصل الاجتماعى، وأشارت سارة زوجة نتنياهو إلى تلك التقارير، فى اجتماع مع أفراد عائلات الرهائن، لكن سرعان ما ظهرت أسئلة حول مقال “ذا جويش كرونيكل”، التى نشرت صحيفة “بيلد” الألمانية، هى الأخرى أجزاء منه.
كما أثيرت تساؤلات كثيرة، حول السيد أيلون بيرى، فقد زعم عبر الموقع الإلكترونى للصحيفة، أنه قام بتغطية الصراع الفلسطينى - الإسرائيلى لمدة 28 عاما، فى حين أنه لم ينشر سوى عدد قليل للغاية من المقالات! ومن وجهة نظر خبراء الأمن القومى، تحمل هذه التقارير بصمات حملة تضليل واسعة النطاق، شنتها مصادر فى الحكومة الإسرائيلية.
وكانت صحيفة "ذا جويش كرونيكل"، مملوكة لعقود لمؤسسة كيسلر وهى مؤسسة عائلية، قبل أن تتعرض الصحيفة لضائقة مالية أثناء جائحة فيروس كورونا، اقترح الملاك عام 2020، دمجها مع الصحيفة اليهودية الأخرى، الصادرة بلندن "جويش نيوز"، لكن تلك الصفقة انهارت عندما قدم اتحاد من المستثمرين بقيادة روبى جيب، مدير تنفيذى سابق بهيئة الإذاعة البريطانية - عرضا منافسا.
وفى بيانه الذى أعلن فيه الاستحواذ على الصحيفة، قال الكونسورتيوم إنه حصل على تمويل للصحيفة من المانحين، مضيفا" إن هؤلاء المانحين الذين قدموا مساهمات خيرية، لتأمين مستقبل تلك المؤسسة، لهم الحق فى الحفاظ على خصوصيتهم "!!
حتى وقت قريب، كان روبى جيب، الذى كان ذات يوم مديرا للاتصالات لرئيسة الوزراء المحافظة تيريزا ماى، والذى يشغل حاليا منصب عضو مجلس إدارة هيئة الإذاعة البريطانية، مدرجا فى السجلات العامة باعتباره المساهم الوحيد فى شركة “جويش كرونيكل ميديا ليميتد”، وقال آلان روسبريدجر، إن هذا يشكل تعارضا مع دور روبى جيب، فى “هيئة الإذاعة البريطانية”، وطالب بمراجعة تغطيتها لحرب غزة.
وفى شهر أغسطس الماضى، استقال السيد جيب من منصبه كمدير لصحيفة كرونيكل، وباع أسهمه إلى ما وصفته الصحيفة، بأنه "هيكل ملكية خيرية جديد"، وقالت المتحدثة باسم لجنة الجمعيات الخيرية البريطانية، إنه لم يتم تسجيل أى سجل حتى الآن، يشير إلى "كرونيكل" كمؤسسة خيرية!
وقد تم استبدال روبى جيب، بمدراء جدد، أحدهما "إيان أوستن"، عضو البرلمان السابق عن حزب العمال، والذى يشغل حاليا منصب عضو مجلس اللوردات، حيث دافع بقوة عن ممارسات إسرائيل الوحشية بغزة. والآخر هو "جوناثان كاندل"، محام متخصص فى الشأن الضريبى والذى ينشط فى القضايا اليهودية على وجه الخصوص، والمفارقة المثيرة للشكوك، وفق تصريحات آلان روسبريدجر: "إن أيا من الرجلين أو المدراء الجدد، لا يبدو أنه يمتلك الموارد المالية اللازمة لتمويل الصحيفة، فقد بلغ حجب ديونها حتى عام 2022، نحو 3.5 مليون جنيه إسترلينى، أى ما يعادل 4.6 مليون دولار، وفق البيانات الواردة والمسجلة بالدفاتر الخاصة بالصحيفة".
وقد أدى هذا، إلى تأجيج الشائعات غير المؤكدة حول مستثمرين آخرين، وكان الاسم الأكثر تداولا هو "بول أى. سينجر"، وهو ملياردير أمريكى، ومستثمر فى صندوق، يدعم الجماعات المؤيدة لإسرائيل، وعضو مجلس إدارة الائتلاف اليهودى الجمهورى، والذى يعد أحد جماعات الضغط لصالح المرشحين اليهود فى الحزب الجمهورى، وقال متحدث باسم شركة السيد سينجر، إليوت مانجمنت، إنه لم يكن له أى علاقة بالصحيفة.
وقال فريدلاند، إنه أثار مسألة الملكية بانتظام مع واليس سيمونز، الذى جاء إلى "كرونيكل"، فى عام 2021، بعد العمل فى صحيفة "ديلى ميل"، البريطانية، لكنه لم يحصل على رد مقنع شاف منه وقال: "لا يمكنك تحمل مسئولية إذا كنت لا تعرف من يملك المؤسسة فى حقيقة الأمر".
لقد عزز الغموض الذى يكتنف ملكية الصحيفة، الشكوك حول استخدامها للترويج لأجندة سياسية، وقال روسبريدجر:"إنها تقوم بالتسويق لنفسها، على أنها صوت لليهود البريطانيين ".
إذا كان هذا هو طرف بداية الخيط الخاص بقصة تسريبات مكتب نتنياهو، لكن نهايته وتداعياته مازالت غير معلومة!