في حكم تاريخي حسمت المحكمة الدستورية العليا قضية من أهم القضايا المجتمعية التي كانت تؤرق شريحة كبيرة في المجتمع منذ ما يقرب من ٤٣ عامًا؛ وهي قضية الإيجارات القديمة في السكن، وذلك بعد أن قضت بعدم دستورية ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى.
وهو حكم كما قلت تاريخي؛ لأنه أعاد التوازن لهذه العلاقة الإيجارية، وحقق العدالة التي ظلت غائبة عن العقود الإيجارية في المساكن.
ولا شك أن هذا الخلل الواضح في العلاقة الإيجارية جاء نتيجة ربط القيمة الإيجارية دون مراعاة لمتغيرات التضخم طوال هذه العقود؛ مما تسبب في إهدار الثروة العقارية؛ نظرًا لإحجام الملاك عن صيانة هذه العقارات؛ لعدم وجود عوائد إيجارية تكفي الصيانة.
ومن المفارقات التي صاحبت هذه القضية أن عدم تحريك قيمة الإيجارات طوال هذه العقود أوجد فجوة هائلة وتناقضات كبرى، لا يمكن أن تستمر في مجتمع يسير بخطى وثابة على طريق تحقيق نهضة عمرانية كبرى، كانت محل إعجاب وتقدير من المؤسسات الدولية؛ بل أصبحت الأمم المتحدة تقدمها للعالم كتجربة ملهمة في التنمية العمرانية.
فلا يعقل أن تستمر علاقة إيجارية قيمتها بضع جنيهات في الشهر؛ بينما القيمة السوقية تتجاوز آلاف الجنيهات، ولا يعقل أن تزيد رسوم المرافق من كهرباء ومياه وغيرها في نفس الوحدة المؤجرة؛ لتصل إلى آلاف الجنيهات، بينما تظل القيمة الإيجارية كما هي من أربعة عقود.
ولا يعقل أيضًا أن يظل هذا الملف أسيرًا لأوهام ومعتقدات وموروثات ومحاذير مجتمعية، يروجها أصحاب المصالح والمستفيدين؛ للإبقاء على هذه العلاقة، بذات القيمة الإيجارية بالمخالفة للدستور، وبالتعارض مع كل القيم والقوانين المنظمة لحرية الملكية الخاصة.
لقد أنهى هذا الحكم العادل تلك العلاقة، ووضع حدًا لمخالفة دستورية واضحة في العلاقة الإيجارية في السكن، وألقى بالكرة في ملعب مجلس النواب؛ لإعداد التشريعات اللازمة لتحقيق التوازن في العلاقة الإيجارية في ضوء هذا الحكم، ويقينًا أن المجلس بما يملكه من خبرات وكوادر برلمانية قادر على الوصول إلى صيغة متوازنة تحقق العدالة والتوازن في العلاقة الإيجارية.
وفي تقديري أن طرح هذه القضية لحوار مجتمعي، أو من خلال لجان الحوار الوطني، يمكن أن يوفر رؤية متكاملة للوصول إلى تصور واضح حول آليات تحقيق التوازن والعدالة في تحديد قيمة إيجارية تحقق صالح المالك والمستأجر، وتضمن وجود آلية تسعير مرنة تواكب معدلات التضخم، وتحقق زيادة مناسبة في الإيجارات لا تمثل عبئًا على المستأجر ولا تبخس حق المالك في عائد عادل.
يقينًا أن خضوع هذا التشريع للدراسة والنقاش المجتمعي سيوفر له ضمانات التطبيق الناجح، وأعتقد أن فترة الثمانية أشهر التي حددها حكم الدستورية للتدخل التشريعي كافية لحوار ونقاش موسع كفيل بالوصول إلى تشريع متوازن يحقق التوازن في العلاقة الإيجارية للمساكن القديمة، ويصون حق الملكية الخاصة.
[email protected]