Close ad

«بيتس» جزيرة الغموض في بحر مطروح تكتب تاريخًا جديدًا للساحل الشمالي| صور

8-11-2024 | 17:46
;بيتس; جزيرة الغموض في بحر مطروح تكتب تاريخًا جديدًا للساحل الشمالي| صور  جزيرة بيتس الصغيرة في مطروح

جميعنا مر عليها عند زيارته لمدينة مرسى مطروح، وربما ذهب إليها سباحة أو خوضًا فى المياه الضحلة التى تربطها بشاطئ الفيروز، فهى جزيرة صغيرة تتوسط بحيرة باب البحر، والتى تتصل بالبحر عن طريق بوغاز صغير أسفل كوبرى روميل.. إنها جزيرة بيتس أو كما يطلق عليها "العزلة".

عُرفت هذه الجزيرة الصغيرة منذ أقدم العصور، وكانت محطة لتزويد السفن بالمؤن فى العصر اليونانى الرومانى، وقد قامت بعثة جامعة بنسلفانيا الأمريكية برئاسة د/دونالد وايت بعمل حفائر بالموقع فى ثمانينيات القرن الماضي، أسفرت عن ظهور أساسات لبقايا كنيسة بازيليكية، والعثور على بعض اللُقى الأثرية، منها دلاية علي أحد وجهيها صورة المسيح وعلى الوجه الآخر العذراء مريم، وبعض الأوانى الفخارية، منها أجزاء من طبق من الخزف ذو البريق المعدنى، والذى عُرف فى العصر الفاطمى، ومن المرجح أن هناك اتصال بين تلك الكنيسة وبقايا كنيسة السوانى البحرية على الناحية المقابلة لها من الشاطئ، وهذا ما ستُسفر عنه الحفائر الحالية، والموقع صادر له قرار ضم منافع عامة آثار باسم "موقع البعثة الأمريكية".


جزيرة بيتس الصغيرة في مطروح

الفراعنة والليبيون في العصر البرونزي

خلال العصر البرونزى، كان الليبيون معروفون لمصر الفرعونية (2000 to 1000 B.C. قبل الميلاد) فقد ظهروا كثيراً فى النقزش الفرعونية، خلال نهاية الألف الثانية قبل الميلاد، وكان الفراعنه قلقون جداً من هجرة القبائل الليبية إلى دلتا النيل، فقد كانوا كثيراً ما يشتبكون مع جيش الفراعنة فى معارك، ومع ذلك ولمدة قريبة جداً كان من الصعب تقفى آثار الليبيين فى شمال إفريقيا؛ لذلك بدأ متحف جامعة بنسلفانيا منذ 25 عامًا دراسة عن الليبيين خلال العصر البرونزى، وقامت بإرسال بعثة إلى برقة، ولكن للأسف لم يتم العثور على آثار ترجع لذلك العصر (كارتر 1963)، ثم قام المتحف بإرسال فريق من العلماء للتنقيب فى شمال غرب مصر برئاسة د. دونالد وايت بروفيسور الآثار الكلاسيكية لحوض البحر المتوسط .

اعتمد د. وايت على دراسة أوريك بيتس وجعلها مرجعه الرئيسى، نجح د. وايت فى تحديد مستعمرة ترجع إلى العصر البرونزى على جزيرة صغيرة بالقرب من مدينة مرسى مطروح الحديثة، وكانت أول حفائر قام بها فى صيف سنة 1985 واستمرت حتى سنة 1987م.

كان الساحل الغربى لمصر مسرحاً للتبادل التجارى بين بحارة العصر البرونزى المتأخر، وتم اجراء ثلاثة عمليات حفائر بواسطة جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحده سنة 1990 وسنة 1995م، ثم سنة 1996م الحفائر الأولية ركزت على جزيرة فى البحيرة الشرقية معروفه محلياً باسم (العزلة)، أو الجزيرة القاحلة. 


جزيرة بيتس الصغيرة في مطروح

لماذا سُميت جزيرة "بيتس" بهذا الاسم؟

أصبحت الجزيرة معروفة لعلماء الآثار باسم جزيرة "بيتس"؛ تكريماً لعالم الآثار الأمريكى أوريك بيتس، الذى قام بأول حفريات أثرية فيها سنة 1913/1914م، التركيز هذه المرة كان منصباً على آثار العصر البرونزى، بالرغم من العثور على لُقى ترجع لعصور أخرى لاحقة وتم تدوينها ودراستها، كما تم إجراء حفائر أخرى على الساحل القريب من الجزيرة بلغت ثمانية مواقع .

تم اكتشاف تشكيلة كبيرة من الآثار يرجع تاريخها للقرن الرابع عشر قبل الميلاد، وكشفت الحفريات عن قواعد حجرية، وكانت معظم الأوانى المنزلية المكتشفه من أصول قبرصية، كما كان بعضها من مينوان بجزيرة كريت وميسينيان باليونان، وكمية جيدة من الأوانى الفرعونية، كما تم اكتشاف ما يقرب من 50 قطعة من قشر بيض النعام، وكذلك يمثل هذا الاكتشاف نقطة إنطلاق نحو فهم نوعية سكان شمال افريقيا خلال العصر البرونزى.


جزيرة بيتس الصغيرة في مطروح

المعالم الجغرافية لجزيرة بيتس

كانت مطروح القديمة جزءا من منطقة "مارماريكا" والتي تمتد من مدينةمطروح الحالية شرقاً إلى درنة غرباً، وهي بذلك تقع أقصى حدود مارماريكا الشرقية، التى تمتد من مطروح غرباً الى درنة بشرق سيرينايكا (برقة) أى أن درنة كانت أقصى سيرينايكا شرقاً، وهى الفاصل بين المقاطعتين الليبيتين مارماريكا شرقاً وسيرينايكا غرباً)، فكانت مارماريكا تقع بين البحر المتوسط وصحراء مصر الغربية جنوبها مباشرةً. 

أما اليوم فساحل مارماريكا الشرقى شبه صحراء وأرضه قاحلة، غير أن الشريط الساحلى أرضه خصبة وخصوصاً في محيط مدينة مرسى مطروح، وتقع جزيرة بيتس (العزلة) فى نهاية البحيرة الأولى شرق مطروح، وهى جزيرة صغيرة جداً، طولها تقريباً 135 متراً وعرضها 55 مترا، وهناك تل رملى صغير يقع شمال البحيرة ويفصلها عن البحر المتوسط. 

تتكون الجزيرة من طبقات رملية خشنة وصلبة، وهى تفتقر للتربة الصالحة للزراعة مع وجود بعض النباتات، وتفتقر لمصادر المياه الصالحة للشرب، ربما كانت هذه الجزيرة متصلة بالساحل من الناحيه الشرقية خلال العصر الرومانى. 

تشير الدراسة بأن هذه الجزيرة كانت موجودة خلال أواخر العصر البرونزى، ومن المحتمل جداً أن البحيرات كانت أعمق، ومنسوب المياه أعلى مما هو عليه اليوم؛ مما تسبب فى صغر الجزيرة، ولكنه سمح للسفن بالدخول إلى بحيرات مطروح الشرقية.

وحتى نوضح الأهمية القصوى لتلك الاكتشافات الأثرية، علينا أن نحلل أسلوب وطريقة حياة القبائل القاطنة بالمنطقه الآن، فهى تعطى صورة توضيحية لطريقة حياة الليبيين فى أواخر العصر البرونزى، كان سكان مارماريكا الحاليين معظمهم ينتمى لقبائل أولاد علي الذين يصل عددهم تقريباً الى 150,000 نسمة كانوا بدو رحل، ولكنهم حالياً ركنوا لحياة الاستقرار، بينما كانوا فى الماضى يتحركون من مكان لآخر مع تغير المواسم، يعتمد اقتصادهم فى المقام الأول على تربية الأغنام والإبل والزراعة؛ بسبب قلة الأمطار.


جزيرة بيتس الصغيرة في مطروح

دورة حياة البدو السنوية من الممكن تلخيصها فى الآتى:

مع بداية موسم الأمطار، يتم بذر البقوليات خصوصاً القمح، ويتم ذلك فى الشريط الساحلى الخصب، بينما يتوجه الشباب بالأغنام إلى المراعى جنوباً والمتوفرة خلال فصل الشتاء، بينما يظل كبار السن على الشريط الساحلى للاهتمام بالزراعة، بعد انقضاء فصل الشتاء يبدء الشباب بالتحرك تدريجياً صوب الشمال؛ ليصلوا إلى اقصى نقطة شمالاً، بحلول شهر أبريل مع انتهاء موسم الأمطار وحصاد الزروع، تتجمع مختلف القبائل فى معسكرات (نواجع) بالقرب من الساحل خلال أشهر الصيف الجافة، ورعي أغنامهم على بقايا الزروع المحصودة والنباتات القليلة الأخرى.

كتابة تاريخ جديد للمنطقة

لم يترك الليبيون أية مخطوطات مكتوبة، بينما على العكس دونت وثائق من المملكة المصرية الجديدة (1552-1069 B.C. قبل الميلاد) مظاهر كثيرة من حياتهم، تؤكد أن اقتصاد الليبيين كان يعتمد فى المقام الأول على تربية الحيوانات خلال أواخر العصر البرونزى، فهناك تأكيد لامتلاك الليبيين لأعداد كبيرة من الأبقار والأغنام والماعز والحمير، وقد دفع هؤلاء لرمسيس الثالث (1184-1153 B.C.) ما يقرُب من 43,000 ألف رأس بعد أن هزمهم فى معركته الثانية معهم.

أما المصدر الثانى المكتوب، فهو يؤكد أن المجتمع الليبى القديم كان قبائلى منقسم لمجموعات بزعماء تقليديين بطريقة متوارثة وتقطن كل مجموعة بمنطقة محددة، كذلك توضح الوثائق المصرية امتلاك الليبيين لجيش قوى ومتطور يرأسه قائد أعلى له سيطرة تامة، وهذا فى حال توحد هذه القبائل، وأخيراً من الواضح أن بعضهم مارس التجارة مع العالم الخارجى، حيث تؤكد الآثار المحدودة هذه الصورة العامة لحياة الليبيين خلال أواخر العصر البرونزى. 

بعد أن تمت الحفريات بجزيرة بيتس (العزلة) أصبح لدينا فكرة عامة عن حياة الليبيين خلال أواخر العصر البرونزى، ووضحت الصوره كالآتى: كان سكان المنطقه يعيشون بشبه صحراء خصوصاً بالمنطقة المحيطة بمدينة مطروح الحالية، ويتكونون من قبائل شبه رُحل يتنقلون مع تغير المواسم من مكان لآخر؛ بحثاً عن المراعى والماء، واعتمد اقتصادهم على الرعى والقليل من الزراعة، وبالرغم من اكتفائهم الذاتى، إلا أن هؤلاء السكان مارسوا التجارة مع شعوب أخرى.


جزيرة بيتس الصغيرة في مطروح

بيض النعام المكتشف على جزيرة بيتس

كان انتشار النعام قديماً أكثر بكثير من الوقت الحالى، فقد انتشرت بكثرة خلال العصر البرونزى فى شمال إفريقيا والشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى، واستمر وجوده بمصر حتى نهاية القرن التاسع عشر؛ لذلك فمن المؤكد أن قشر بيض النعام الذى عُثر عليه بجزيرة بيتس، كان من بيض النعام المنتشر بالمنطقة.

 تم اكتشاف سبع قطع من قشور بيض النعام فى حفريات سنة 1985م، والتى ترجع بالفعل للعصر البرونزى، وبالتحديد للقرن الرابع عشر قبل الميلاد، وقد عثر أوريك بيتس أيضاً على مجموعة من القبور، تقع فى الجزء الصخرى الجنوبى من الجزيرة، غير أن الأوانى التى عثر عليها بيتس فُقدت بعد وفاته فى عام 1918م، مما جعل مهمة تحديد عمر هذه القبور أمراً صعباً.


جزيرة بيتس الصغيرة في مطروح

بحيرات مطروح القديمة

وبعد تأكدنا من تواجد أجناس مختلفه من الناس على الجزيرة، وفهمنا لطبيعة التجارة النشطة فى حوض البحر المتوسط أواخر العصر البرونزى، نستطيع أن نجزم بأن هذه الجزيرة كانت محطة لراحة السفن التجارية المارة بالمنطقة، فمن المعروف أن سواحل شمال إفريقيا تفتقر لموانئ آمنة ومحمية بشكل طبيعى، وهذا ما قدمه نظام البحيرات فى مرسى مطروح، فهو الميناء الوحيد الآمن ما بين طبرق والأسكندرية؛ لذلك وجدت السفن التجارية ضالتها فى ميناء مرسى مطروح بعد رحلة طويلة فى أعالى البحار على طول ساحل شمال إفريقيا للراحة بجزيرة بيتس والتزود بالمؤن، ثم مواصلة رحلتهم، المحطة كانت بها عمال أجانب غالباً قبارصة يعيشون على الجزيرة خلال موسم إبحار السفن الشراعية من الربيع إلى الخريف، وقدمت لهم الجزيرة التى تحيط بها المياه من كل جانب الحمايه اللازمة من الليبيين على الساحل.

من المؤكد، أن الليبيين على الساحل قامت بينهم وبين سكان جزيرة بيتس الأجانب تجارة تم خلالها تبادل المنتجات المحلية مثل البيض واللحوم والماء وغيرها بالأواني الفخارية والبرونزية
فى الألف الثالثة قبل الميلاد أصبح مناخ شمال إفريقيا ثابتاً، ووصلت المنطقه ككل لحالة الجفاف المستمره الى اليوم ولذلك خلال القرن الرابع عشر قبل الميلاد تأقلم سكان مارماريكا مع حالة الجفاف واتبعوا أسلوب حياة مناسب لقلة مصادر المياه كما هو الحال اليوم (حالياً مناخ هذه المنطقة جاف ودافئ لمدة  ثمانية شهور تقريباً، موسم جاف ثم موسم امطار قليله من نوفمبر الى مارس).

هناك أدلة أثرية تدل على أنه كان هناك اتصال تجاري مع اليونان في وقت مبكر من القرن الثامن قبل الميلاد، وقد أظهرت الحفائر أنه تم استخدام قطاع واحد على الأقل من منطقة مطروح في القرن الرابع عشر، وربما في القرن الثالث عشر قبل الميلاد كمحطة وطريق للبحارة في العصر البرونزي، وكانت قاعدتهم على الأرجح قبرص.

تحتل المستوطنة جزيرة صغيرة (135x55m) رملية في الطرف الشرقي من أول بحيرات المياه المالحة الخمس التي تمتد شرقا من ميناء مطروح، ولم تظهر أي مواقع أخرى شبيهة بمستوطنة جزيرة بيتس في المنطقة، ولكن حجم الجزيرة الصغير يدل على أن المستوطنات الأجنبية قد تكون قد أنشئت في أماكن أخرى هنا.

ويثير وجود حصن رمسيس في منطقة أم الرخم القريبة (حوالي 20كم غرب مطروح) لإمكانية استخدام الفراعنل لمنطقة الميناء في وقت مبكر من الأسرة التاسعة عشرة، وكان الموقع الأمثل لهذا التواجد في السهل الساحلي مباشرة إلى الجنوب من الميناء، الذي تغطيه اليوم المدينة الحديثة، وبالتالي لا يمكن الوصول إليه بالحفر والتنقيب.

لم يتم استرجاع أي قطع أثرية مبكرة على جزيرة بيتس تحت 2.5 متر فوق مستوى سطح البحر، وذلك على ما يبدو بسبب ارتفاع مستوى المياه في جميع أنحاء نظام البحيرة خلال القرن الرابع عشر قبل الميلاد، ويبدو أن المستعمره في العصر البرونزي المتأخر كانت على قمة الحجر الرملي من الجزيرة، وهذا يعني أن حجم الجزيرة كان أصغر مما هو عليه اليوم، ويوفر حماية جيدة لمن كان على الجزيرة.

كان من الصعب المحافظة على البقايا الهندسة المعمارية لهذه المستعمرة، فقد هُدمت المستويات العليا من الجدران تمامًا، وتم استخدام الأنقاض في المباني اليونانية الرومانية في وقت لاحق، وكذلك في الآونة الأخيرة، عندما تم بناء مأوى 12.5 × 12.9m في أواخر القرن السابع عشر أو أوائل القرن الثامن عشر لغواصين الإسفنج.

وقد عُثر في شمال "بيت الغواصين" بقايا لجدران المستعمرة، وتتألف في الغالب من أقسام من الجدران المعزولة، ويشير الفخارالموجود هناك، وهو تشكيلة من جميع أصناف الفخار (باستثناء الأطباق المصرية) إلى أن هذه المنطقة استخدمت للتخزين والأنشطة المنزلية.

أما في جنوب "بيت غواصى الإسفنج " فتوجد بقايا هيكلية للمستعمرة، وهي أكثر وضوحاً، حيث توجد ثلاث غرف على الأقل بشكل متدرج على طول العمود الفقري للجزيرة، وقد تم العثور على فرن حجري مع غطاء السيراميك، وفرن حجري داخل هيكل واحد (S107)، وكان هناك هيكل آخر (S119)، حيث تم حفر آثار اثنين من الأفران والقصاصات البرونزية، وربما ورشة عمل صب البرونز.

والجدران مصنوعة من الحجارة المسطحة وتم طلاء بعض الجدران الداخلية بالجص الأبيض أو الأخضر، وقد تكون هياكلها الفوقية قد شيدت من الطوب اللبن أو الشجيرات ، ولا توجد أدلة على وجود نوافذ أو أبواب، سطح الأساس الطبيعي كان من حافة الجزيرة، والتي غطتها  في وقت لاحق  طبقات من الرمل وبقيت الأرضيات فقط، وتم استخدام حجارة الرصف للمنطقه الخارجية. وكانت جميع الوحدات صغيرة للغاية، مما يفترض أنه يعكس الحجم الضيق للجزيرة.

وبإستثناء عظام الحيوانات / الطيوروعدد أقل بكثير من القطع الأثرية من الحجر والسيراميك والقشور والمعادن، كان معظم الفخار المستورد من قبرص، بما في ذلك كل من الأقمشة الناعمة والأواني الخشنة،  في حين شكلت الجرار الكنعانية (الفلسطينية) أكبر فئة من اوانى التخزين في الجزيرة، والأطباق المفتوحة المصرية تشكل أكبر فئة من الفخار.

وتشير الدلائل على ورشة العمل البرونزية إلى أن أدوات البرونز البسيطه قد وضعت بالجزيرة من أجل التبادل المحلي، للأهمية القصوى لعملية مقايضة السلع الحرفية الجاهزة بالأغذية والمياه .. وفي حين أنه لا يمكن تحديد هوية هؤلاء الأشخاص، فإن من الواضح أن لهم علاقات وثيقة مع قبرص، الدافع لتحقيق الربح على المدى القصير لا يفسر وجود مثل هذا الميناء البعيد، ولكن يمكن أن يكون مفهومًا فقط في الإطار الأوسع للتجارة أواخر العصر البرونزي، وقد اكتشفت المنتجات القبرصية التي تنقلها السفن في معظم أنحاء شرق البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك كريت ودلتا النيل الشرقي وعلى طول الساحل الشرقي، قد تكون كريت، التي تقع على بعد 420 كم شمال غرب مطروح، النقطة الأخيرة غربًا لتجار شرق البحر الأبيض المتوسط.

وبالنظر إلى الرياح الشمالية الغربية القوية التي تسود على طول هذا الساحل ، مثلت مطروح أقرب وأسلم الأراضي المتاحة للبحارة بعد مغادرة كريت والعودة إلى الدلتا وغيرها من النقاط في شرق البحر الأبيض المتوسط، لذلك من المؤكد أن يكون شركائهم التجاريين من السكان المحليين الليبيين البربر الذين سيطروا على السهل الساحلي والصحراء الداخلية خلال النصف الثاني من الألفية الثانية قبل الميلاد.

وينعكس الوجود الليبي في مكان قريب في فخار مصنوع يدويًا من الخشب الخشن وعدد قليل من الأدوات الحجرية والعديد من شظايا قشر بيض النعام التي تم انتشالها من طبقات العصر البرونزي المتأخر في الجزيرة، فضلا عن خمسة مقابر عثر عليها أوريك بيتس على الحافة الطويلة جنوب شرق المدينة الحديثة.

وكانت المقابر في حفر بيضاوية الشكل مقطعة فى حجر الأساس الناعم، وكان اثنان منها سليمًا، وبقايا بشرية وآثار منها سفن حجرية صغيرة جيدة الصنع، والعديد من الجرار المصنوعة يدويًا من السيراميك، وحجر صغير "هاون"، وعدد من القذائف المائية، ثلاثة منها كان يعتقد أنها من أصل نيلوتي.

في عام 1904، رأى المراقب الفرنسي "فورتاو" بقايا رصيف كبير أو رصيف قديم في الركن الجنوبي الشرقي للبحيرة العميقة غرب ميناء مطروح، مع سلسلة من أرصفة حجرية تسقط في الماء. وتميز امتداد الرصيف بأبراج حجرية في كلا الطرفين، بينما أفاد فورتاو بأن أكثر من 2 كم من المبانى الحديثه، بما في ذلك فيلات كبيرة، احتلت الشاطئ الجنوبي للبحيرة.

وبعد عقد من الزمن لاحظ بيتس نفس ما لاحظه فورتاو على طول المناطق الساحلية الجنوبية والشرقية للبحيرة الغربية. اليوم كل آثار فورتاو وبلدة بيتس القديمة ورصيف البحيرة قد غطاها البناء العسكري وغيرها من التطورات الحديثة.

كان بيتس يدرك أيضا أن قطاعا هاما من الباريتونيون (مطروح) تم البناء عليه في وقت لاحق خصوصاً المنطقه الساحلية غرب الميناء، وباستثناء فيلا رومانية اكتشفتها هيئة الآثار المصرية، لم يتم بعد التنقيب في هذه المنطقة، لاحظ بيتس جدار دفاعي يلغي الطرف الغربي من مستوطنة قمة التلال، التي نسبها إلى القرن السادس الميلادي (فترة جوستينيان)؛ أجزاء من هذا لا تزال واضحة اليوم. وأشار فورتاو إلى مقبرة على قمة التلال في نفس المنطقة العامة.

واستطاع بيتس اكتشاف عشرة مقابر وثماني مقابر يرجع تاريخها للعصر الروماني-البيزنطي جنوب المدينة الحديثة . كما قام بإكتشاف ثلاثة مقابر صخرية كبيرة تبعد مسافة قصيرة عن اليابسة من الميناء الحديث، كما يوجد في متحف الإسكندرية ثلاث صور من الرخام لثلاثة من الذكور الليبيين المحليين الموجودين في المقابر.

بعض الحقائق التاريخية معروفة عن بارا إيتونيون (مطروح) بعد وفاة مارك أنتوني وكليوباترا، الذي أقام هناك لفترة وجيزة بعد هزيمتهم في أكتيوم في 32 قبل الميلاد، كما احتل فيسباسيان المدينة خلال الحرب الأهلية (69 قبل الميلاد) التي أدت إلى تثبيته كامبراطور.

عبد الله إبراهيم موسى

مدير منطقة آثار مطروح للآثار الإسلامية والقبطية


اكتشافات أثرية من جزيرة بيتس في مطروح

اكتشافات أثرية من جزيرة بيتس في مطروح

مدير منطقة مطروح للآثار الإسلامية من موقع السواني الأثري وإطلالة على جزيرة بيتس

الأستاذ عبد الله إبراهيم موسى مدير منطقة آثار مطروح للآثار الإسلامية والقبطية

كلمات البحث
الأكثر قراءة