Close ad

لا توقعات كبرى من ترامب بالمنطقة

6-11-2024 | 14:14

بينما تتزايد الانتقادات للسياسة الأمريكية في العالم العربي، ويحلو للبعض أن يرفع حجم التوقعات من الرئيس الأمريكي الجديد، إلا أنه في المقابل نشهد غالبية الرأي العام العربي ليس لديها توقعات كبرى، بل مخاوف شديدة من دونالد ترامب ساكن البيت الأبيض الجديد، فلقد عاد بتفويض كبير، والأرجح انه عاد لكي ينتقم، وسوف يغوص في أجندته الداخلية.

وواقع الحال أن الكثيرين في المنطقة لم يكترثوا بمن سيفوز في النهاية ترامب أم هاريس بسباق الانتخابات الرئاسية، فكلاهما منحاز لإسرائيل، والآن على الجميع التعايش مع ترامب ، ومحاولة الحصول على أحسن ما يمكن الحصول عليه.

فقد عاني العرب من الوعود الكاذبة وخيبات الأمل مع الرؤساء الأمريكيين من قبل، ولقد جرب المواطنون خيبة الأمل مع دونالد ترامب عندما كان رئيسًا، ولا تزال المرارة في الحلق من إدارة جو بايدن وكامالا هاريس، فهما عنوان الضعف وتجاهل معاناة الفلسطينيين، مع ثبات الدعم اللامحدود لجرائم إسرائيل.

وفي الوقت نفسه يرى العديد من الخبراء العرب أن واشنطن باتت ضعيفة، ومنقسمة، ومترهلة، وعاجزة، ومصداقيتها محل شك عميق حتى من أقرب الحلفاء، فالدول الأوروبية أعضاء حلف شمال الأطلنطي تساورهم شكوك حول التزام أمريكا بالدفاع عنهم.

ومن ناحية أخرى فإن ثمة تحديات كبرى تواجهها واشنطن عالميًا، والتي تنبئ بأن معضلات كبيرة تلوح في الأفق في العالم العربي.

ويرى عدد من المحللين بالمنطقة العربية وخارجها أن تطورات الوضع على الأرض في الشرق الأوسط، ومآلات الصراع بين إسرائيل وإيران ووكلائها بالمنطقة، هي وحدها ستكون العنصر الرئيسي في تحديد التوجهات أو الأولويات التي سيركز عليها الرئيس الجديد للولايات المتحدة في سياسته بالمنطقة.

وحتى إن كانت هذه الفرضية تبدو منطقية بالانطلاق من الخلفية التاريخية للسياسة الأمريكية في المنطقة وحجم انخراطها الإستراتيجي حاليًا في الصراع القائم، فإن صياغة سياسة أمريكا المستقبلية باعتبارها قوة عظمى أولى في العالم، يبدو أكثر تعقيدًا بالنظر للمتغيرات العميقة والمتسارعة على أصعدة عديدة عالميًا، بالتزامن مع ما يجري في الشرق الأوسط الكبير.

ويذهب الخبراء العرب إلى أن من أبرز المتغيرات العالمية المؤثرة على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ، وسياسات القوى الكبرى المتدخلة فيها، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية:

بداية الأزمات والحروب الكبرى الجارية حاليا، وفي مقدمتها حرب أوكرانيا وروسيا والأزمة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية.

وفي الوقت نفسه نشهد التغيرات الكبيرة في أدوار ومصالح القوى العظمى المتنافسة على النفوذ في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مثل الصين وروسيا وأوروبا والولايات المتحدة، وتأثير ذلك على موارد دول المنطقة الإستراتيجية مثل الطاقة والتجارة والتسلح.

وهناك تنامٍ في أدوار القوى المتوسطة في المنطقة مثل مصر وتركيا وإيران وإسرائيل والسعودية، والتي باتت تلعب أدوارًا رئيسية في تقرير مصير الأمور في الشرق الاوسط.

ومن ناحية اخرى بروز مؤشرات قوية على وجود خلل في العلاقات الاقتصادية والمالية على الصعيد العالمي، ومبادرات لمراجعة قواعد "برايتون" التي قامت عليها منظومة المؤسسات المالية والنقدية الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، واتجاهات للبحث عن إعادة توزيع الأدوار وتغيير موازين القوى الاقتصادية في العالم.. وهنا تبرز بريكس وأخواتها.

كما يشهد العالم تغييرات في شكل النفوذ والقوة الناعمة، وظهور قدرات جديدة متعددة الأبعاد سواء سياسية، أو مجتمعية، أو تكنولوجية تتجاوز الخطوط الحمراء لمنظومات القيم والمواثيق الحقوقية التي شكلت على مدار عقود من الزمن ركيزة أساسية للنظام الليبرالي، وخصوصًا العولمة التي ترسخت بعد حقبة الحرب الباردة، وشكلت لعقود مقومًا أساسيًا في قوة الغرب الناعمة.

وفي الوقت نفسه قفزت مخاطر عالمية لفرض نفسها على دول المنطقة، وتزايد عجزها عن مواجهتها منفردة.

وتشكل تغيرات المناخ أبرز تلك المخاطر، ونجمت عنها ظواهر لا تقل خطورة مثل موجات هجرة غير شرعية ونزوح ولجوء هائلة نحو المنطقة، ومنها إلى أوروبا.

إذا كانت كل هذه الأمور صحيحة، وإذا كانت الوقائع الحقيقية على الأرض صعبة ومعقدة، وفي ظل السيناريو المكرر من دعم إسرائيل في كل الأحوال، ونفاد حجم المناورة في تجمل واشنطن لإرضاء العرب وإصرارها على تجاهل مصالحهم، عدم الإكتراث بتهديدات الأمن القومي، وحالة الغضب المتصاعدة، حتى من قبل الحكومات العربية، تجاه الدولة العميقة الأمريكية وسياساتها التي تهز استقرار المنطقة، وهو ما دفعهم للبحث عن شراكات جديدة سواء باتجاه الصين وروسيا والهند وباتجاه الشرق الآسيوي أو الجنوب العالمي.

ويبدو في ظل كل ذلك أن الجهود كلها في الفترة المقبلة سوف تتركز علي احتواء التصعيد، ومحاولة وقف الحرب في غزة ولبنان، وعدم التصعيد، ومنع تفجر الحرب الشاملة. 

وفي نفس الوقت بذل محاولات جديدة لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين والمحتجزين الفلسطينيين، والتركيز على معالجة الجانب الإنساني المروع في غزة ولبنان، وسوف يصاحب ذلك جدل وماراثون دبلوماسي كبير من أجل إعادة الإعمار في غزة ولبنان، ومن يتحمل التكلفة، ومن يشارك في هذه العملية، وبالطبع القضية المحورية تتعلق بمن يتولى إدارة الأمور في غزة، وكيف سيتم ترتيب الأمور على الحدود بين لبنان وإسرائيل.

والأغلب أن معظم الأطراف قد أنهكت وترغب في إنهاء هذه الجولة من الصراع، وعودة الأمور كالمعتاد في المنطقة، وإدارة الأزمة لتحقيق اختراق، وهذا يحتمل أن يصاحبه الكثير من الحديث عن مشاريع تسوية، ولكن مع المطالبة بعدم الاستعجال، أو تعجل النتائج، وهو ما يعني عمليا ترك الأمور للزمن لعدم القدرة على الحسم. 

إذن لا مجال لتوقعات أو اختراقات كبرى من قبل الرئيس الأمريكي الجديد، ومن يراهن على ساكن البيت الأبيض في منطقتنا عليه الاستعداد لخيبة أمل جديدة مثل الخيبة الاخيرة مع جو بايدن الرئيس الفخور بأنه صهيوني.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: