صدر كتاب «عبد المنعم إبراهيم عصفور الفن»، عن الجمعية المصرية لكتّاب ونقاد السينما، للناقد الفنى الصحفى أحمد سعد الدين، الذى يرصد فيه مسيرة الفنان عبد المنعم إبراهيم، من النشأة إلى الحياة الأسرية وبعد أولاده عن الفن، ورحلته فى السينما والمسرح والإذاعة، وبطولته الوحيدة، وظلم المخرجين له واعتمادهم عليه فى إشاعة البهجة فى الأفلام.
موضوعات مقترحة
يقول سعد الدين، فى مقدمة الكتاب: عندما شرعت فى عمل كتاب عن الفنان عبد المنعم إبراهيم، كنت أتصور أننى سأكتب عن كوميديان يعيش حياته ضاحكا ليل نهار، مثلما يعتقد الجمهور .
لكن ما إن قرأت ما كتب عنه، وهو قليل، واقترب من أولاده وبعض الذين عاصروه، وجدت نفسى أمام عملاق وقفت الدنيا فى وجهه كثيرا، ففى يوم امتحانه للقبول فى المعهد العالى للفنون المسرحية، توفيت والدته، وكان بصدد عدم الذهاب للامتحان وضياع حلمه لولا وجود صديقه عبد المنعم مدبولى، الذى أقنعه بأن الامتحان واجب وتحد لابد من عبوره حتى يثبت نفسه، وبالفعل وقف أمام اللجنة يؤدى مشهدا كوميديا وعيناه مليئة بالدموع، وعندما ابتسمت له السينما، وأصبح يجسد بطولات استدعاه الطبيب، وأخبره أن زوجته مصابة بمرض السرطان فى مرحلة متأخرة، وأن الحياة بالنسبة لها مسألة وقت لا أكثر.
وفى بداية طريق النجومية، يجد نفسه مسئولا عن بناته اللاتى فقدن والدتهن، وعن إخوته الصغار الذين فقدوا والدهم، وأصبح العائل الوحيد للأسرة، فكيف ستسير الحياة، وهو مقيد بكل تلك الصعوبات، ومطلوب منه أن يقف يوميا على خشبة المسرح ليضحك الجمهور.
يتتبع فيه سعد الدين، تتبعا دقيقا رشيقا موثقا من عدة زوايا حقيقة موهبته وعلمه وعمله، يرصد تاريخه وأثره وفائدته، يتنقل ما بين محطات حياته، ويبرز ويجلو ما علق بها من تراب التجاهل وما اعتراها من طمس، ويؤكد لنا أنه فنان من طراز فريد برغم حياته ومسئولياته ومآسيه، لم تؤثر على أداء دوره ورسالته فى إمتاع الناس وإسعادهم دون إسفاف أو ابتذال، ويعتمد فى كوميدياه على ملامح وجهه وصوته وخفة ظله وسرعة حضوره، و» لزماته وقفشاته»، المحببة التى لا تخشد الحياء، وتترك أثرا إيجابيا فى المتلقى، أو المشاهد لأنه يعى ويفهم ويدرك خطورة دوره ورسالته، من أجل ذلك لم يكتف بالموهبة، فقد صقلها بالدراسة والقراءة والتعلم والتجديد، وقد تتلمذ على يد عمالقة الفن.
وهو إن حصل على بطولة وحيدة فى حياته، فى فيلم «سر طاقية الإخفاء»، حيث جسد شخصية «عصفور»، التى دفعت براعته فى أداء الدور، المؤلف لأن يجعله عنوان الكتاب، لكن برغم صغر أدواره فى العديد الأعمال، فهى مؤثرة لدرجة أنها كانت فى كثير من الأحيان من عوامل الأساسية فى نجاح الأعمال وإقبال الجمهور عليها، ولعلنا لاننسى أدواره الخالدة، فكان نعم المعلم لمشاهديه ومتابعيه ومؤدى الرسالة، دون تكلف أو ابتزال فى سلاسة وعذوبة، جعلت منه نجم الكوميديا الجادة.
يقول سعد الدين فى كتابه: «مرحلة النضج والتوهج فى حياته بدأت من الخمسينيات، أصبح المخرجون يعتمدون عليه بشكل لإشاعة البهجة فى أفلامهم، يكفى أن نذكر أنه خلال فترة الستينيات، فقط شارك عبد إبراهيم فى قرابة التسعين فيلما، منها أفلام تركت أثرا فى المشاهدين حتى وقتنا هذا، الطريف أنه فى تلك الأفلام قد جسد بعض الشخصيات المتشابهة فى المهنة والشكل والدور، لكنه نجح فى ألا يكرر نفسه فى أى منها، فقد جسد شخصية امرأة فى ثلاثة أفلام «سكر هانم» و«إشاعة حب» و«أضواء المدينة»، وجسد شخصية الشيخ الأزهرى فى أكثر من عمل مثل «إسماعيل ياسين فى الأسطول»، و «السفيرة عزيزة»، وفيلم «المرايا»، مع ذلك لم يكرر نفسه أبدا، وهذا فى حد ذاته موهبة قلما توجد فى أحد.
إن تناول سعد الدين لحياته، كانت إضاءات كاشفة على جوانب عدة منها حياته الأسرية والفنية، عرضها بسلاسة وحيادية جعلت الكتاب يجمع بين الأمانة العلمية والروعة الفنية، كأنه يحكى قصة نسمعها دون كلل أو ملل، مستخدما أسلوب الحكى الإذاعى والتليفزيونى، فجمع بين عذوبة العرض وأمانة المعلومة.
وذيل كتابه برأى النقاد والصحفيين، بالإضافة إلى صور شخصية وصور من من أفلامه ومسرحياته، مشاهد تعبر عن رؤيته وتعضد رأيه ورؤيته وللقارئ أن يقارن ويحكم بين الكتاب و ما شاهد.
قدم لنا سعد الدين وجبة فنية ودراسة موثقة، بالإضافة للمقالات والصور، ولم يكن متحيزا بل كان راصدا أمينا مع شخصية فنية شاهدها الجمهور، وتعامل معها الأصدقاء وعرفها وخبرها وتأثر بها الكثير.
إن الناقد الفنى والمؤرخ السينمائى، لا بد أن يرصد ويتتبع ويتحرى الدقة والأمانة، وإن كان هناك ما يؤخذ على الفنان، عليه عرضه لكى لا تكون شهادته متحيزة، وهذا ما فعله الناقد الفنى أحمد سعد الدين .