حملت التوصيات التي طرحها الملتقى التربوي السابع، بشأن آلية تقييم الطلاب في الصفوف الدراسية المختلفة، لأي درجة أصبحت هناك حاجة ملحة لإعادة النظر في الطريقة التي يتم من خلالها تقييم التلاميذ، في ظل المتغيرات الجذرية التي طرأت على تلك القضية، لتكون مناسبة لمنظومة التعليم الجديدة في مصر.
موضوعات مقترحة
وفي ظل النقاش المثار بين المعلمين وأولياء الأمور والخبراء التربويين، حول المعايير التي حددتها وزارة التربية والتعليم لتقييم طلاب الصفوف المختلفة، ما بين امتحانات أسبوعية وأخرى شهرية، إضافة إلى امتحانات الترمين، قدّم الملتقى التربوي السابع جملة من التوصيات التي يمكن أن تكون مرضية لكل الأطراف، وفي نفس الوقت تواكب العصر وتتلاءم مع متطلبات منظومة التعليم الجديدة التي تجاهد الحكومة من خلالها لتخريج طلاب معاصرين يتنافس عليهم سوق العمل.
وخلال الملتقى، أقرّت الدكتورة زينب خليفة مدير الأكاديمية المهنية للمعلمين بوزارة التربية والتعليم، إن مصر بحاجة إلى تغيير جذري في منظومة التقييم التربوي، ورأت أن المعلم دوره يفترض أن يكون الأهم في عملية التقييم وصياغة مستقبل الطلاب، ودعمت ما ذهبت إليه أجندة المؤتمر، بضرورة النظر في التقييم التربوي القائم على المشاريع لبناء بيئة تعلم قائمة على الطالب أولا وأخيرا.
واتفق المشاركون من مختلف الخبرات التربوية، على أن التقييم القائم على "الورقة والقلم" فقط، لا يفرز الطالب المتفوق من ضعيف المستوى، كما لا يدفع التلميذ إلى اكتشاف مهاراته وميوله الشخصية والحياتية والمستقبلية، وهي نقطة محورية في عملية التقييم، إذ لا قيمة كبرى إذا تم اقتصار تقييم المتحصلات العلمية عند الطالب لمجرد أنه أجاب على سؤال بـ"صح"، أو "خطأ"، دون أن يقوم بجهد يُبرز موهبته وميوله ومهاراته الشخصية.
الأكثر من ذلك، حسبما رصدت "بوابة الأهرام"، خلال الملتقى الذي ترأسه الخبير التربوي الدكتور المندوه الحسيني، أن بعضا من الأسئلة التي يتم بها تقييم الطلاب في المرحلة الثانوية لا تساعد على التقييم الحقيقي للطالب، بل إنها لا تصاغ بشكل صحيح، وبعضها غير تربويا إما من ناحية الصياغة أو الإجابات المطروحة للطالب على كل سؤال، وهو ما يكشف لأي درجة قدّم الملتقى رؤية واقعية تشير إلى وجود كفاءات من المعلمين المدربين على مستوى احترافي في إعداد الأسئلة.
واستغرق الإعداد للملتقى والعمل على تنفيذ الحقائب التدريبية الخاصة به، عدة أشهر، واستمر طوال فترة الصيف الماضي، حيث تم خلال تلك المرحلة الطويلة تنفيذ أكثر من 60 ورشة عمل، وبمشاركة أكثر من 900 معلم ومعلمة، ضمن إستراتيجية شاملة للتنمية المهنية المستدامة للمعلمين قادت إلى تخريج معلمين أكفاء لديهم الخبرة الكافية في إعداد الأسئلة بشكل تربوي صحيح، كنواة يمكن البناء عليها كي يستفيد منهم المركزي القومي للامتحانات بوزارة التربية والتعليم.
والميزة الأكبر، أن المعلمين الذين شاركوا في جلسات الملتقى قدموا شرحا مستفيضا ووافيا حول طبيعة صياغة أسئلة الثانوية العامة، وكيف يمكن فهمها، وحلها، واكتشاف الأخطاء بها، وتحليلها تربويا حسب مستويات الصعوبة والسهولة، رغم أن أعمارهم ليست متقدمة، ولا يزالون في مرحلة الشباب، لكنهم أثبتوا لأي درجة تمتلك مصر قامات من المعلمين في القطاع الخاص، بإمكانهم ملء أي فراغ قد يحدث داخل منظومة الامتحانات والتقييم، ولديهم قدرات عالية من الكفاءة، يمكن الاعتماد عليهم في المستقبل القريب لتطوير منظومة التقييم كاملة، على مستوى مختلف الصفوف.
وهناك ميزة أخرى، ترتبط بأن مختلف الأسئلة التي طرحها المعلمون خلال الملتقى تركزت على قياس الفهم النقدي والإبداعي للطالب، بدلا من قياس الحفظ والتلقين، طالما أن النظام الجديد للتعليم نفسه يحارب الحفظ، فكيف تكون الأسئلة بعيدة عن قياس الفهم؟!. وهو ما دفع التوصيات لأن تتطرق إلى حتمية إعداد أدلة إرشادية لصياغة الأسئلة في المدارس، بدلا من ترك الساحة لمن يجيد عملية التقييم، أو بعض الهواة، الذي لا يمتلكون مهارة إعداد الأسئلة بشكل احترافي.
ويمكن البناء على ذلك، أنه لا يمكن تطوير منظومة التقييم التربوي في مصر، دون التوسع في برامج التنمية المهنية وورش العمل التدريبية للمعلمين، دون استثناء، حول صياغة أدوات التقييم، وطريقته، وأساليبه، حسب المرحلة العمرية للتلاميذ، باعتبار أن المعلم هو الأصل في العملية التعليمية، والوحيد القادر على إجراء عملية التقييم بشكل حقيقي بما يتماشى مع مستوى تلاميذه.
وتزداد قيمة التقييم من خلال المعلمين أنفسهم، لطلابهم، في مرحلة رياض الأطفال، إذ لا يمكن تحديد مستوى كل منهم بعيدا عن المعلم صاحب الرسالة داخل الفصل، على الأقل ليقيس مهارات كل منهم، الحسية والاجتماعية والشخصية، ويحدد نقاط القوة والضعف، ويعالج الضعيف وينمّي المتميز، وهي نقطة ركزّ عليها الملتقى ومنحها أولوية قصوى، باعتبار أن تلك الشريحة من التلاميذ إذا لم تتأسس على تقييم تربوي حقيقي يناسب المرحلة العمرية، فإن معدلات الأمية في القراءة والكتابة سيكون في تزايد.
ويمكن التأكيد على تلك الحقيقة، بالدراسة التي أجرتها وزارة التربية والتعليم قبل عامين على شريحة من التلاميذ وقادت إلى وجود قرابة 60% من طلاب الصف الرابع الابتدائي ضعفاء في القراءة والكتابة، وذلك لكونهم لم يتلقوا تقييما صحيحا من معلميهم يناسب مستواهم، وبالتالي من الطبيعي وصولهم للصف الرابع وهم يحملون الأمية معهم، لذلك أوصى الملتقى بشكل ضروري، بما يعرف بالتقييم البديل.
وقضية التقييم البديل مصطلح يبدو جديدا على بعض، لكنه يعني عدم الوقوف عند حد تقييم الطفل من خلال الورقة والقلم، وإنما يتضمن ذلك اختبارات مختلفة تقيس مجالات النمو في الجوانب الجسمية والعقلية والاجتماعية والوجدانية، لاسيما وأن هذا النوع يشمل رصد مختلف الأمور بالنسبة للطفل مثل الجوانب الحركية والمهارية والوجدانية والنفسية، وكل ذلك من خلال المعلمين أنفسهم، بما يحقق الفكر التفاعلي في العملية التعليمية.
وتظل التوصية الأهم، مرتبطة بوضع نظام تقييم يتيح تحليلا مستمرا لبيانات الطلاب، بمعنى أن يتم متابعة الطالب على فترات متقاربة، من حيث المستوى والمهارة والإجادة مع الاستعانة بأسلوب التقييم بالمشروعات لقياس مهارات البحث والتحليل لدى الطلاب لاكتشاف المبتكرين والمبدعين، ليكون لدى مصر منتجا نهائي من التلاميذ لا يشكلون عبئا على الدولة ولا وزارة التعليم ولا المجتمع، طالما أنهم خضعوا لتقييمات أظهرت ما بداخلهم من مهارات بدلا من إنهاكهم نفسيا ومعنويا في القراءة والكتابة، ورغم ذلك قد يكبرون وهم موصومون بالأمية.
. . . .