لا تفعلْ إلا خيرًا، ولا تقلْ إلا حُسْنًا،
ولا تؤذِ أحدًا، ولو بشطرِ كلمةٍ،
وإرخِ قبضتَكَ عن الناسِ، فما لا يحفظهُ الودُ، لا تُبقيهِ القوةُ..
قالَ رجلٌ للفيلسوفِ سقراط : تبدو هَذِهِ المرأةُ فاجرةً، يا سقراط!!
سقراط : هل تعرفُها؟
الرجلُ : لا.
سقراط : ما الذي دفعَك إلى الاعتقادِ بذلك؟
الرجلُ : ألا ترى كيفَ تبدو ملابسُها!
سقراط : أيُّهم يُحققُ الفضيلةَ، الظلمُ أَمْ الحقُ؟
الرجلُ : الحقُ طبعًا..
سقراط : وهل الحكمُ بالظنِ، من وجوهِ الظلمِ أم الحقِ؟
الرجلُ : من وجوهِ الظلمِ بالتأكيد!
سقراط : وهل حكمتَ على تلكَ المرأةِ بالفجورِ، من بابِ الظنِ أَمْ اليقينِ؟
الرجلُ : بابِ الظنِ!
سقراط : وأيُّهما أقربُ للفجورِ، مَنْ يحكمُ على الناسِ بالظنِ والظاهرِ، أَمْ مَنْ يلتزمُ الصمتَ؟
الرجلُ : مَنْ يحكمُ على الناسِ بالظنِ والظاهرِ..
سقراط : فمَنْ هو الفاجرُ اليومَ، أنتَ أَمْ تلكَ المرأةُ؟
وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ..
قاعدةٌ ثابتةٌ راسخةٌ، وضعَها ربُّنا، جلتْ قُدرتُه، في كتابِه الكريمِ :
الفظُ، غليظُ القلبِ، يتفرقُ عنه الناسُ، كراهيةً وبُغضًا..
وفي المقابلِ، اللطيفُ الهادئُّ، رقيقُ القلبِ، يجتمعُ الناسُ في رحابِه، ويُجمِعُون على محبتِه..
لا بالقوةِ، ولا بالسطوةِ، تُستقطبُ القلوبُ، بل بأشياءَ كثيرةٍ، منها البسيطةُ، كالكلمةِ الطيبةِ، فقد نرى القومَ مجتمعين لأحدِهم، رغبةً ورهبةً، رغبةً في عطيةٍ، ورهبةً من بطشٍ، لكنَّهم كغُثاءِ السَّيْلِ، عندَ احتدامِ الأمرِ، يفِرون فزعين، ولسانُ حالِهم : نفسي نفسي..
أما الدافعُ بالتي هي أحسن، حتى العدو، يُصبحُ معه وليًا حميمًا، مدافعًا عنه بروحِه.
وشتان بين هذا وذاك، لا يستويان :
وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ..
أنْ تشُقَ طريقَك برحمتِك، بودِك، بلسانِك الطيبِ، خيرٌ من أنْ تشقَه بسيفِك..
حُرِمَ على النارِ كلُّ هيِّنٍ لينٍ سهلٍ قريبٍ من الناسِ..
وأيُّ شيءٍ أقربُ للناسِ، من كفِ أذاكَ عنهم..
البشاشةُ مصيدةُ المودَّةِ، والبِرُّ شيءٌ هيِّنٌ، وجهٌ طليقٌ، وكلامٌ ليِّنٌ..
هكذا علمَنا المُعلمُ الأولُ، صلى اللهُ عليه وسلمَ.
والقلوبُ كالقدورِ تغلي بما فيها، وألسنتُها مغارفُها، والمَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ، وما في قلبِه، يظهرُ في فلتاتِ هَذَا اللسانِ،
إذا أصبحَ ابنُ آدمَ، فإنَّ الأعضاءَ كُلَّها تُكفِّرُ الِّلسانَ فتقولُ : اتَّقِ اللهَ فينا، فإنَّما نحنُ بكَ، فإنْ استقَمتَ استقَمْنا، وإنْ اعوَجَجْتَ اعْوجَجْنا.
لا تؤذِ، ولو بحرفٍ واحدٍ، فاللهُ أقدرُ عليك..
قالَ (صلى الله عليه وسلم) : لا تغتابوا المسلمينَ، ولا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِم، فإنَّه مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيه المسلمِ، تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَه، ومَن تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَه، يَفْضَحْهُ ولو في جوفِ بيتِه..