التنمر بين الأطفال هو إحدى المشكلات الأكثر شيوعًا في المدارس والمجتمعات، حيث يشكل تحديًا كبيرًا للأطفال وأولياء الأمور والمعلمين على حد سواء، ويُعرّف التنمر بأنه سلوك عدواني متعمد ومستمر يهدف إلى إيذاء شخص آخر جسديًا أو نفسيًا، ومع تطور التكنولوجيا وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح التنمر الإلكتروني جزءًا لا يتجزأ من هذا التحدي، مضيفًا بُعدًا جديدًا إلى الظاهرة التي تؤثر بشكل كبير على الأطفال في مراحل مختلفة من حياتهم.
وتشير الدراسات إلى أن العديد من الأطفال يعانون من التنمر في بيئاتهم المدرسية، سواء كان ذلك التنمر مباشرًا من خلال الاعتداءات اللفظية والجسدية، أو غير مباشر مثل التنمر الاجتماعي الذي يتمثل في العزل والإقصاء من المجموعات، والإحصاءات تظهر أن طفلًا من بين كل ثلاثة أطفال قد تعرض لشكل من أشكال التنمر خلال مسيرته الدراسية، وهو ما يدل على مدى انتشار هذه الظاهرة وخطورتها، والتنمر لا يقتصر فقط على الأذى المباشر، بل يشمل أيضًا تلك الأفعال الخبيثة التي تترك آثارًا نفسية واجتماعية طويلة الأمد على الضحية.
وتعد أسباب هذه الظاهرة معقدة ومتعددة، وقد تنشأ سلوكيات التنمر من شعور الطفل بعدم الأمان أو القلق، فيلجأ إلى التنمر كوسيلة للتعويض عن ذلك الشعور والتحكم في الآخرين، والبيئة الأسرية تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل هذه السلوكيات؛ فالطفل الذي ينشأ في بيئة عائلية مضطربة أو يتعرض للعنف في المنزل قد يكون أكثر عرضة للقيام بسلوكيات عدوانية تجاه زملائه، إضافة إلى ذلك، ضعف الرقابة في المدارس وغياب السياسات الفعالة التي تردع المتنمرين يسهمان في تفاقم المشكلة، حيث لا يجد المتنمر من يحد من سلوكه أو يواجهه.
الآثار النفسية والجسدية التي يتركها التنمر على الأطفال قد تكون عميقة وطويلة الأمد، والأطفال الذين يتعرضون للتنمر يعانون من تدنٍ في مستوى الثقة بالنفس، والشعور بالعزلة الاجتماعية، كما قد يتطور الأمر لديهم ليصل إلى القلق والاكتئاب، وهذه المشكلات النفسية تؤثر بشكل مباشر على الأداء الدراسي للأطفال، حيث يصبح التركيز على الدراسة أمرًا صعبًا في ظل الشعور بالخوف وعدم الأمان، بعض الأطفال قد يضطرون إلى التغيب عن المدرسة أو الانعزال تمامًا، مما يزيد من تعقيد حالتهم النفسية وقد يؤدي إلى تدهور مستقبلهم التعليمي والاجتماعي.
لمواجهة هذه الظاهرة، من الضروري أن تتعاون جميع الأطراف المعنية، بدءًا من الأسرة، مرورًا بالمدرسة، وصولًا إلى المجتمع ككل، ويجب أن تكون هناك سياسات صارمة في المدارس تمنع التنمر وتعاقب مرتكبيه، بالإضافة إلى إطلاق برامج توعوية وتدريبية للأطفال لتعريفهم بمخاطر التنمر وأهمية التسامح والاحترام المتبادل.
دور الأسرة لا يقل أهمية؛ إذ يجب على الآباء والأمهات أن يكونوا على تواصل مستمر مع أبنائهم، يستمعون إلى مشكلاتهم ويقدمون الدعم العاطفي والنفسي لهم، والحوار المفتوح بين الطفل وأسرته قد يكون الخطوة الأولى في كشف التعرض للتنمر والعمل على مواجهته قبل تفاقمه.
التوجيه المبكر للأطفال حول قيم التسامح والتعاون والاحترام يمكن أن يكون أداة فعالة في الحد من انتشار التنمر، وتعليم الأطفال كيفية التعامل مع الخلافات والنزاعات بطرق سلمية يعزز من روح التعاون بينهم، ويخلق بيئة تعليمية آمنة وصحية، حيث يشعر الجميع بالاحترام والتقدير.
مكافحة التنمر ليست مسئولية فردية، بل هي جهد جماعي يتطلب وعيًا مجتمعيًا ومبادرات مستمرة لضمان بيئة تربوية خالية من العنف والعدوانية.
أستاذ علم الاجتماع الثقافي -كلية الآداب- جامعة طنطا
[email protected]