لا يختلف اثنان في العالم العربي على دور مصر التاريخي في خدمة القضية الفلسطينية منذ الاحتلال الصهيوني عام 1948، وحتى اليوم، مرورًا بحروب 1948 و1956 و1967 و1973، 4 حروب خاضتها مصر ضد الكيان الصهيوني دفاعًا عن أرض فلسطين الغالية، عشرات الآلاف من الشهداء والمصابين من خيرة شباب مصر ضباطًا وجنودًا استشهدوا في هذه المعارك، ومليارات الدولارات تكبدتها مصر على مدار هذه السنوات؛ نتيجة هذه الحروب بشكل مباشر وغير مباشر.
أما الدور السياسي في دعم الشعب الفلسطيني وحقه في استرداد أرضه المحتلة وإقامة دولته المستقلة وعودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم، فطالما ظل هذا الملف هو الأبرز في أجندة السياسة المصرية منذ الاحتلال الصهيوني حتى الآن، ومنذ اندلاع العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة وأهلها في أكتوبر الماضي لم تتوقف مصر عن المطالبة بوقف هذه المجزرة البشعة على شعب غزة الأعزل، ولم تتردد مصر في التنديد بهذا العدوان وإدانته، ولم تتوقف اتصالات الرئيس السيسي مع قادة الدول في العالم؛ للعمل على وقف هذا العدوان، وحرصت مصر ومازالت على إيصال كل ما هو متاح من معونات والغذاء والدواء للأشقاء في غزة، على الرغم مما يتم التعرض له من صعوبات في إرسال هذه المعونات.
أسرد هذه المقدمة لتوضيح أن الدور السياسي المصري، ودور قواتنا المسلحة الباسلة في نصرة شعب فلسطين وقضيته العادلة لا يحتاجان إلى مزايدة أو تشكيك، ولن تؤثر حرب الشائعات القذرة التي تطل علينا كل فترة، وتقف وراءها جهات متربصة بمصر لا تحب الخير لمصر وشعبها، وللأسف يرددها -دون وعي ولا تحمل مسئولية- آلاف من رواد السوشيال ميديا، دون تدبر ولا تعقل ولا حتى مجرد التفكير في عقلانية الشائعة، وهل من الممكن أن تحدث أم لا!!
حرب الشائعات لن تنتهي ما دامت مصر قوية، وما دام جيشها يزداد قوة يومًا بعد يوم؛ لحماية أمنها القومي ومقدراتها، ولكن إعادة ترديد وترويج ونشر هذه الشائعات على السوشيال ميديا تحتاج إلى وقفة حاسمة مع أي شخص يتساهل في التعامل مع ما يخص القوات المسلحة والأمن القومي من أخبار وشائعات، يجب أن تكون هناك حملة قومية مدروسة للتوعية بخطورة هذا التعامل وبتشديد العقوبات إذا ثبت سوء نية وتخطيط وقصد؛ لترويج هذه الشائعات التي تهدف لضرب الأمن والاستقرار!!
لابد من وسائل لإلزام السوشيال ميديا وروادها بعدم التعامل مع أي مادة تخص الأمن القومي المصري والقوات المسلحة، إلا من خلال البيانات الرسمية الصادرة من الدولة ومؤسساتها، مع العمل على توعية الشباب والمواطنين "حسني النية" من إعادة ترويج و"تشيير" هذه الشائعات، ولا مانع أن تتخذ هذه التوعية حملات مكثفة في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية، وفي محاضرات الجامعات وفي الفصول المدرسية.. وغيرها؛ لأن خط الدفاع الأول في مواجهة حرب الشائعات يبدأ من توعية المواطن بهذا الخطر مع توضيح الحقائق أولًا بأول من خلال البيانات الرسمية لمؤسسات الدولة.
ونحن لا نتحدث هنا عن الشائعات البسيطة والعادية أو الأخبار غير الصحيحة التى لا يخلو منها أي مجتمع ولا أي دولة، هذا النوع من الشائعات تأثيره لا يكاد يذكر وليس مهما الالتفات إليه، ولكن الحديث عن الشائعات التى تستهدف -عمدًا- الجهات التى تطلقها التأثير على الأمن القومي بمفهومه الشامل أو التي تهدف إحداث حالة من الانهيار الاقتصادي، أو بث الرعب والفزع بين المواطنين، أو التشكيك في المؤسسات السيادية أو إحداث فتنة طائفية أو ما شابه ذلك، هذا النوع من الشائعات هو جزء من الحروب غير العسكرية بين الدول، حرب نفسية تستهدف -بمرور الوقت وتكرار الشائعات- إحداث تأثير وشرخ بطيء ومتراكم في الجبهة الداخلية للدولة المستهدفة هي واقتصادها ومؤسساتها ومواطنيها، بل قد يكون تأثير هذه الحرب على الدولة المستهدفة أكثر بكثير مما تحدثه المعارك العسكرية.