Close ad

انتخابات على أطراف الأصابع

3-11-2024 | 17:23

ساعات تفصلنا عن الانتخابات الأمريكية الأخطر والأهم في تاريخ أمريكا.. العالَم بأسره يراقب تلك الانتخابات وعيونهم على الخصمين يتبارزان بكل أسلحة المال والنفوذ والعلاقات، والعالَم، لا أقول الشعب الأمريكي، منشطر إلى نصفين: نصف يبغض ترامب ويريد هاريس، وشطر متعاطف مع ترامب لأسباب سياسية متباينة..

المعضلة التي تواجه انتخابات هذا العام: أن أنصار ترامب يقفون في تحفز وفي يدهم سلاح وفي قلوبهم غيظ، وربما انفجر المشهد بأيديهم وبأسلحتهم المعبأة، ثم إن جيوش العالَم متحفزة هي الأخرى: فها هي قوات كوريا الشمالية تتدرب بين صفوف الجيش الروسي تنتظر إشارة استخدامهم في الحرب ضد الناتو، وها هي القوات الصينية متحفزة حول تايوان، وها هو نتنياهو يهدد بضربة جديدة حال انتهاء انتخابات أمريكا، والتيقن من أمر الساكن الجديد للبيت الأبيض.

هاريس تتقدم
آخر استطلاعات للرأي جاءت في صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية تؤكد تقدم كامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي عن المشرح الجمهوري بأكثر من نقطة واحدة، وكانت الاستطلاعات السابقة تؤكد تعادلهما التام، وأن فرصهما لنيل المنصب متساوية.

هذا الأمر له معني واحد: أن الولايات المتأرجحة هي العامل الحاسم في تحديد الفائز هذا العام، وأن الفارق بين المرشحين في الحصول على أصوات سوف يكون قليلًا جدًا، يُقدّر ببضعة آلاف من الأصوات، وأن نسبة النجاح ستكون نسبة ضئيلة ترجح مرشحًا على الآخر.

وهذا الأمر تتمثل خطورته في إتاحة الفرصة لترامب وأنصاره في التشكيك بنتائج الانتخابات، كما حدث منذ أربعة أعوام مضت؛ عندما خرج ترامب على أنصاره بخطاب تحريضي مدعيًا تزوير النتائج، وعلى إثر ذلك الخطاب قام أنصاره باقتحام الكونجرس بالأسلحة، وكادوا يقلبون الطاولة على الجميع.
هذا العام هناك عدة عوامل تقول إن الخطورة التي تنتظر الشارع الأمريكي أكبر بكثير في حالة هزيمة ترامب في الانتخابات: أولًا أن ترامب وحملته على أتم استعداد لمواجهة القادم، بينما كان أمر الهزيمة مفاجئًا له منذ أربع سنوات، ثم إن ترامب يعتبر هذه الانتخابات حياة أو موت بالنسبة له؛ لأنها آخر فرصة له للسيطرة على الأمور من جديد والتخلص من القضايا التي تواجهه في المحاكم بإيعاز من خصومه.

أكثر من هذا أن الأموال التي حصل عليها من مليارديرات أمريكا هي الأضخم، وهي موجهة في الأساس لشراء الذمم وتعبئة الحشود وكسب التأييد؛ أي أن أنصار ترامب المتطرفين من أصحاب السلاح على استعداد أكبر هذا العام، ولديهم خطط واضحة لقلب الطاولة حال الهزيمة، وقد حدث أن إحدى قنوات التليفزيون الأمريكية الكبرى قامت باستطلاع رأي سألت فيه الناس إن كانوا يرون أن الوقوف بالسلاح لحماية نتائج الانتخابات ضروري، وأجاب نحو 30% بالإيجاب، ما يشير لارتفاع نسبة التحفز أكثر هذا العام!

الذين يريدون ترامب
رغم حرفية ترامب وخبراته السابقة، إلا أن هاريس تسبقه بجولاتها المكوكية المكثفة خلال الساعات الأخيرة قبيل الانتخابات، طافت خلالها بجميع الولايات المتأرجحة الحاسمة في السباق، وكان خطابها التفاؤلي الهادئ جذابًا لعدد إضافي من الناخبين، وهي لا تكتفي بالخطاب الدفاعي، بل تهاجم ترامب بأسلوب ذكي، فقالت أمام حشد ضخم من أنصار الحزب الديمقراطي: (لدينا فرصة هذا العام أن نغلق صفحة ترامب السوداء التي استغرقت عِقدًا من الزمان، يحاول فيها إبقاءنا منقسمين وخائفين من بعضنا البعض).

ثمة أمور جديدة طرأت على المشهد الانتخابي هذا العام، وقد يكون لها دور في حسم النتائج: أولها بلا شك الحرب الصهيونية الدموية على غزة ولبنان، وأداء بايدن السيئ خلال تلك الحرب استغله ترامب في دعايته لحملته الانتخابية، وجعلته قادرًا على استمالة جزء كبير من الشعب قوامه: العرب والمهاجرون، رغم أنه كان ضد الهجرة وما زال، إلا أنه استطاع بطريقة ذكية استغلال عاطفة الناس ضد الأداء الكارثي للبيت الأبيض خلال حرب غزة لاستمالتهم.

معني هذا أن العرب أصبحوا رقمًا في المعادلة الانتخابية. والغريب أن ترامب الذي كان وما زال معتمدًا على اليهود، يخاطبهم الآن بخطاب تهديدي؛ مصرحًا بأن الفرصة الوحيدة لدولة إسرائيل هي فوزه في الانتخابات، وأن زوالهم سيأتي حتمًا خلال عام أو عامين إذا انهزم فيها! وعلى الناحية الأخرى رأيناه في جولاته الانتخابية الأخيرة يستصحب عددًا من رموز العمل السياسي من العرب والمسلمين يريد استمالة الجالية العربية والإسلامية في صفه، فهل تنحاز تلك الجالية له بالفعل؟ وهل تكون تلك الجالية عامل حسم هذا العام؟

أمر آخر بات مختلفًا هذا العام هو وجود مرشحة ثالثة لحزب الخِضر هي "جيل ستاين"، وهي مرشحة ذات فرص معدومة أمام الحزبين الكبيرين، لكن رغم هذا قد يؤثر وجودها على المشهد الانتخابي إيجابًا أو سلبًا؛ إذ بإمكانها جذب الأصوات المترددة من كارهي الحزبين الكبيرين، وبخاصة أن ترامب وهاريس كليهما منحازان لليهود، ووجود أحدهما يعني استمرار الحرب الضروس ضد غزة ولبنان، برغم تصريحات ترامب العنترية بإنهاء الحروب. 
أكثر من هذا أن جمعها لأصوات إضافية قد يساعد في فوز ترامب بطريقة سلبية؛ إذ أنها إذا نجحت في جمع أصوات الولايات المتأرجحة أو بعضها لصالحها، فسوف تُخصم تلك الأرقام من الأصوات الذاهبة للحزب الديمقراطي، وبالتالي يفوز الحزب الجمهوري تلقائيًا.

إن "حزب الخضر" ما زال حزبًا غير رسمي، لكن إذا استطاعت جيل ستاين جمع أصوات تزيد على نسبة 5% من أصوات الناخبين، سوف يصبح حزبها رسميًا يتمتع بفرص أفضل خلال الانتخابات القادمة أمام الحزبين الرئيسيين في البلاد، هذا الأمر دفع بعض الأقليات واللوبيات في التفكير للانحياز لهذا التيار الثالث؛ خاصةً وأن جيل ستاين ذات الأصول اليهودية أبدت تعاطفًا ضد الحرب في غزة لصالح القضية الفلسطينية، وهو ما دفع الجالية العربية للتفكير في منحها أصواتهم بشكل جماعي. وهو أمر لا يستطيعون التأكد من تحقيقه؛ لأن العرب ليست لديهم مؤسسات ولوبيات وكيانات سياسية قوية في أمريكا، وأصواتهم مشتتة لا يمكن حسابها أو تقييمها بشكل واضح وقياسي. 

هكذا تشير كل الظروف المحيطة بانتخابات هذا العام أنها الانتخابات الأخطر والأصعب والأكثر حماسية وتنافسية في تاريخ أمريكا كله.

موقف القوى العالمية
عندما فاز ترامب بانتخابات 2016 قيل إن روسيا تدخلت في نتائج الانتخابات من خلال عملائها في أمريكا، وهو اتهام قد يكون صحيحًا؛ إذ إن له شواهد وأدلة ترجحه، والأخطر هذا العام أن الصين قد يكون لها يد في ترجيح كفة عن كفة، من خلال قدراتها السيبرانية التي تطورت كثيرًا، وأصبح بإمكان الصين التأثير على النتائج بشكل أو بآخر.

فأما الصين وروسيا وإيران فموقفهم ليس واحدًا؛ ففي حين تفضل روسيا قدوم ترامب، يفضل الصينيون والإيرانيون فوز هاريس؛ لأن ترامب قد توعدهما بالويل والثبور وعظائم الأمور، وأما أوروبا فهي تفضل هاريس على ترامب، لكن تأثيرها على المشهد الانتخابي ليس كبيرًا كالقوى واللوبيات الأخرى.
 وأما منطقتنا العربية فهي في حيرة من أمرها: كثير من العرب منحازون لترامب لا لشيء إلا لأنهم تعاملوا معه ويعرفون طريقته السياسية ويألفونها، وأن الحكمة تؤكد: "أن ما نعرفه أفضل مما لا نعرفه"، بينما المنحازون لهاريس يأملون أن يكون أداؤها مختلفًا عن ترامب وعن بايدن، وإن كانت ديمقراطية مثل بايدن، لكنها امرأة، وهي تتمتع بمرونة أكثر من كلا الرجلين.

المشهد الانتخابي الأمريكي هذا العام ملتبس ومحير، وأكثر من هذا أنه خطير ومؤثر، وقد تترتب عليه أمور كثيرة تشتعل على إثرها حروب أو ربما تنطفئ، وما بين هاريس وترامب يقف العالم على أطراف أصابعه.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
جوهر مصر (1-2)

الشعب المصري يشبه اللافا والحمم البركانية التي صهرها الزمن وتعاقبت عليها المحن، فصار كالأحجار الكريمة الصلبة الجميلة في جوهرها مهما تراكمت على سطحها أتربة ليست من معدنه الأصيل..

الانتصار الأكبر

تظل ذكرى نصر أكتوبر المجيدة أهم وأجمل ذكرى للمصريين والعرب..